أحدث الأخبار
كتب: محمود سليم
جلس محمد مراد بجوار شاشة تليفزيون تلونت بالأصفر إشارةً إلى رابعة العدوية وعرضت مشاهد قتلى ومصابين من مؤيدي الرئيس المعزول، محمد مرسي، وراح يتحدث عن الخلاف السياسي الذي امتد إلى أسرته الصغيرة.
ويَحمل الشاب ذو الـ 21 عامًا على عاتقه الاختلاف الإيديولوجي بين والده الذي يحمل الجنسيتين المصرية والأمريكية والمنتمي فكريًا لجماعة الإخوان المسلمين ووالدته المؤيدة للجيش بعد مظاهرات 30 يونيو.
ويقول مراد "الموضوع فعلاً صعب والخلافات السياسية في المنزل تدمرني نفسيًا أنا وأخوتي"، الأمر الذي دفعه لترك المنزل ليأخذ "هدنة من الخلافات التي تحدث طوال اليوم وأركز في المذاكرة".
ويتابع "تعودت على الحديث مع والدي في السياسة لكن أمي أعتقد أنها تكتسب معلوماتها من التليفزيون، وأراها ضحية نظام أستمر أكثر من 30 عامًا أبعد فيها المواطنين عن مجريات الحياة السياسية".
ويضيف الشاب الذي يرتدي "شورت" و"تيشيرت" ويصف نفسه بالليبرالي "بدأت أنحاز للإخوان المسلمين بعد أن سقط منهم قتلى، فإن لم أنصر الدم فأنا مشارك فيه وهذا مبدئي منذ الثورة الأولى".
وبصوت متهدج تتحدث والدة مراد - التي رفضت ذكر اسمها - عن أنها على خلاف مستمر مع زوجها بسبب اتجاهها السياسي، قائلةً: "عندما يُثار نقاش تكون وجهة نظري في جهة وهو على 180 درجة من الناحية الأخرى، وانسحب من الحوار في النهاية لتجاوز الخلافات".
وتُحمَّل والدة مراد جماعة الإخوان المسلمين وحلفائهم مسؤولية العنف الذي تشهده مصر وخاصة "الإرهاب" في سيناء.
وتضيف السيدة المحجبة التي ترتدي جلبابًا أسود واصفةً نفسها بالمسلمة الوسطية: "أنا مع الجيش ولكنني ضد العنف بمعنى أني كنت مع فض اعتصام الإخوان ولكني أختلف مع الطريقة التي تم بها فعل ذلك".
وتعتدل والدة مراد في جلستها وتُضيف بصوت حاسم: "لو عاد الإخوان إلى الحياة السياسية سيحولون حياتنا إلى جحيم".
وعلى الرغم من تأييدها للقوات المسلحة حتى لا يتكرر السيناريو السوري في مصر - بحسب تخوفها - تعتقد أن طريقة التعامل مع الأخوان يجب أن تظل ضمن الإطار القانوني.
وتحاول الأم إثناء ولدها عن المشاركة في المظاهرات المطالبة بعودة مرسي الذي عزله الجيش في 3 يوليو، بينما يتظاهر مراد ضد عودة الجيش للحكم مرة أخرى، والهدفان في رأيها مختلفان.
وترى الوالدة أن الفترة القادمة ستثبت للجميع أنها على صواب.
ويبدأ المهندس خالد رضوان - والد مراد - كلامه بنفس الجملة وهي أن الفترة القادمة سيظهر فيها الحق ويعود الرئيس المنتخب وسيثبت أنه كان على صواب.
وبنبرة عالية، يصف المهندس، الذي عاش في الولايات المتحدة الأمريكية 15 عاماً، الخلاف بينه وبين زوجته بالعقائدي بمعنى أنها "تقول إنه ليس هناك أبرياء قُتلوا في رابعة، وأنا رأيت مدنيين قُتلوا أمام عيني. أما الاختلاف السياسي فأنا أسمح به في أسرتي".
ويتابع رضوان الذي أسس شركة للهندسة في لوس أنجلوس جنوب غرب ولاية كاليفورنيا: "الاحتكاك بالعالم الغربي جعلني عملي أكثر، والحوار في المنزل يفتقد هذا وأصبح مجادلة لا مناقشة، وأنا لا أحب الجدال".
ويرى والد مراد الذي يرتدي جلباباً أبيض وله لحية خفيفة أن "نار مرسي ولا جنة أي شخص آخر لأن مرسي هو إفراز تجربة ديمقراطية حقيقة ... هكذا تعلمنا في أمريكا".
ويختلف رضوان مع ابنه على طول الخط - بحسب ذكره - لكن الأهم "مَن يملك الحُجة في النهاية ليُقنع الآخر". وهذا ما يراه مراد صعبًا، راجيًا من والديه "عدم إثارة مناقشات السياسية في المنزل مرة أخرى".
ويرى أحمد يحيى، أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة قناة السويس، أن الانقسام الذي يشهده الشارع السياسي ينعكس على الأسرة في ظل الانفتاح السياسي والثقافي في مصر بعد ثورة 25 يناير.
ويحذر من أن استمرار عدم استقرار الأوضاع السياسية سيزيد من حدة الانقسامات التي تشهدها الأسرة، لافتًا النظر إلى أن حالة الضبابية في المشهد السياسي لا تسمح للشعب باتخاذ قرار سليم، "وبالتالي يتعارض موقف الأفراد تجاه الأحداث".
ويضيف يحيى: "على الأسرة أن تتفهم طبيعة المرحلة الجديدة وتتعامل بشكل أكثر رؤية ووعيًا بالحقائق السياسية لتجاوز هذه الانقسامات".