أحدث الأخبار
قالت منظمة هيومن رايتس ووتش إن ما قام به الجيش المصري على مدى العامين الماضيين من تهديم جماعي وإخلاء قسري لمنازل نحو 3200 عائلة في شبه جزيرة سيناء كان انتهاكا للقانون الدولي لكنها سلمت بحق مصر في حماية نفسها من التمرد واتخاذ إجراءات ضد خطوط إمداد المتمردين بشرط عدم اﻻضرار بالمدنيين بصورة تعسفية.
وفي أعقاب هجوم أكتوبر 2014 على نقطة التفتيش العسكرية "كرم القواديس"، أصدرت الحكومة المصرية قرارا بإخلاء 500 متر من المنطقة الحدودية عند غزة من المدنيين ووعدت بتعويضهم، وتم زيادة المساحة إلى ألف متر في نوفمبر بعد اكتشاف الحكومة لأنفاق يصل طولها 800 متر.
وسعى تقرير المنظمة المنشور على موقعها الإلكتروني، تحت عنوان: "ابحثوا عن وطن آخر"، ويضم 84 صفحة، إلى توثيق إخفاق الحكومة في إعالة السكان على النحو اللائق أثناء عمليات الإخلاء وما تلاها في شمال سيناء. وقال إنه منذ يوليو 2013، وبدعوى القضاء على تهديد أنفاق التهريب، قام الجيش تعسفياً بهدم آلاف المنازل في منطقة مأهولة لإنشاء منطقة عازلة على الحدود مع قطاع غزة، ، فدمر أحياءً بأكملها ومئات الأفدنة من الأراضي الزراعية.
وقالت سارة ليا ويتسن، المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "إن تدمير المنازل والأحياء السكنية وأرزاق الناس هو نموذج مثالي لكيفية الخسارة في حملة لمكافحة الإرهاب. على مصر أن تشرح لماذا لم تستغل التقنيات المتاحة للكشف عن الأنفاق وتدميرها، ولجأت بدلاً من هذا إلى محو أحياء سكنية بأسرها من على الخريطة".
ولم يتسن الحصول على تعليق فوري من مسؤولي الحكومة المصرية على التقرير.
وكان مسؤولون في هيومن رايتس ووتش قالوا في أغسطس من العام الماضي إن السلطات المصرية منعت مدير المنظمة كينيث روث وايضا ليا ويتسن من دخول أراضيها حيث كانا يعتزمان الإعلان من القاهرة عن تقرير للمنظمة ينتقد فض الجيش بالقوة في أغسطس ٢٠١٣ ﻻعتصامين لمؤيدي الرئيس المعزول محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين.
وتستهدف السلطات المصرية شبكة أنفاق غير رسمية تربط سيناء بقطاع غزة وتقول إنها تستخدم لتهريب السلاح للمتشددين في شبه الجزيرة. ويقول في سكان سيناء إن الأنفاق مصدر رزق لأنهم يستخدمونها في تجارة السلع مع قطاع غزة الذي تحاصره اسرائيل.
وذكرت المنظمة ومقرها نيويورك في تقريرها، أنه تم إجراء مقابلات مع 11 عائلة من العائلات التي أجليت من المنطقة العازلة، علاوة على صحفيين ونشطاء كانوا يعملون في سيناء، وحللت عشرات من مقاطع الفيديو التي صورت عمليات الإخلاء، وأكثر من 50 صورة التقطتها أقمار صناعية تجارية فوق المنطقة العازلة بين مارس 2013 وأغسطس 2015.
ونقلت المنطمة، عن الحاجة زينب، وهي سيدة في الستينيات من العمر، قولها: "والله قطعوا قلبنا على كل تفصيلة في الدار، كل برواز كل حجر كل قطعة إلها تاريخ وحكايات وكيف كنا عايشين على الحلوة والمرة وكيف كافحنا وبنينا حياتنا من الصفر بدون حتى جنيه من هدول اللي جايين الحين يدمروا حياتنا”.
وتضيف المنظمة في تقريرها: "وتنطوي خطة مصر الرسمية للمنطقة العازلة على إخلاء نحو 79 كيلومتراً مربعاً على حدود غزة، تشمل رفح كلها، وهي بلدة يسكنها نحو 78 ألف نسمة. وتزعم الحكومة أن هذه المنطقة العازلة ستقضي على أنفاق التهريب التي تدعي أن المتمردين المنتسبين إلى تنظيم الدولة الإسلامية المتطرف، المعروف أيضاً باسم داعش، يستخدمونها لتلقي السلاح والمقاتلين والدعم اللوجيستي من غزة".
وذكرت هيومن رايتس ووتش أن السلطات المصرية لم تقدم أدلة تذكر لتأييد هذا التبرير، وأخفقت في مراعاة تدابير الحماية الواردة في القانون الدولي للسكان الذين يواجهون عمليات إخلاء قسري، وربما تكون قد انتهكت قوانين الحرب من خلال انعدام التناسب في تدمير آلاف المنازل، في جهودها لإغلاق أنفاق التهريب.
وقد دمر الجيش جميع المباني والأراضي الزراعية تقريباً في نطاق حوالي كيلومتر واحد من الحدود، باستخدام المتفجرات غير المحكومة ومعدات الحفر. وفي حالة واحدة على الأقل، تم تصويرها وتزويد هيومن رايتس ووتش بالمقطع المصور، قامت دبابة أمريكية الصنع تتبع الجيش المصري من طراز "إم60" بقصف مبنى لتدميره. كما دمر الجيش عشرات المباني على مسافة تزيد عن كيلومتر من الحدود وأعلن عن نيته الاستمرار في عمليات التهديم.
وأخفقت الحكومة المصرية في تبرير عدم لجوء قواتها إلى التقنيات المتطورة لكشف الأنفاق، والتي قال التقرير إن أفرادها تلقوا تدريبا عليها من قبل الولايات المتحدة منذ 2008، للكشف عن الأنفاق وتدميرها بغير حاجة إلى تدمير الآلاف من المنازل والمباني قرب الحدود.
وذكر التقرير أن الحكومة المصرية لم تقدم أدلة على تلقي المتمردين للدعم العسكري من غزة. ووجدت هيومن رايتس ووتش الكثير من الدلائل الإضافية ـ بما فيها تصريحات صدرت عن مسؤولين مصريين وإسرائيليين ـ على أن المتمردين حصلوا على أسلحتهم من ليبيا أو اغتنموها من معدات الجيش المصري، وأن تلك الأسلحة يتم تهريبها إلى غزة من سيناء وليس العكس.
وتقول هيومن رايتس ووتش إنها أرسلت خطابات، تتعلق بالمنطقة العازلة والخطوات التي اتخذتها مصر لحماية حقوق السكان الذين تم إجلاؤهم، إلى عدد من هيئات الحكومة المصرية منذ يوليو 2015، بما فيها الرئاسة ووزارة الخارجية. ولم ترد مصر على أي من تلك الاستفسارات.
وتضيف المنظمة أنه، منذ يوليو 2013، عند قيام الجيش بعزل مرسي بعد احتجاجات حاشدة على حكمه الذي استمر عاما بعد أول انتخابات رئاسية حرة في البلاد، دأبت السلطات المصرية على معاملة شمال سيناء كمنطقة عسكرية مغلقة، فمنعت الوصول إليها بالكامل تقريباً من جانب الصحفيين والمراقبين الحقوقيين. واستناداً إلى صور الأقمار الصناعية، بدأ الجيش عمليات الهدم في تلك الفترة بالتقريب، قبل أكثر من عام من إصدار الحكومة للمرسوم الرسمي المنشيء للمنطقة العازلة الذي يعلن عن عمليات الإخلاء.
وقال التقرير إنه منذ يوليو 2013 قُتل أكثر من 3600 شخص، بينهم مدنيون ومتمردون وأفراد من قوات الأمن، جراء النزاع في شمال سيناء، بحسب تقارير إعلامية وبيانات حكومية. وأضاف أنه رغم عجز هيومن رايتس ووتش عن التحقق المستقل من تلك الأرقام، وقد سبق لسكان في سيناء اتهام الحكومة المصرية بتحريف إحصائيات الخسائر، إلا أن النزاع اتسم بدموية متزايدة.
ورغم أن مصر يجوز لها بالقطع حماية نفسها من التمرد واتخاذ إجراءات ضد خطوط إمداد المتمردين، بحسب هيومن رايتس ووتش، إلا أن عليها القيام بهذا على نحو لا يضر بالمدنيين تعسفياً وينتهك حقوقهم في السكن وفي تدابير الحماية أثناء عمليات الإخلاء القسري.
وقالت المنظمة إن على مصر أن توقف عمليات الهدم والإخلاء وأن تلجأ إلى طرق أقل تدميراً لهدم الأنفاق، وأن تقدم تعويضات مناسبة وإيواء عاجلا للعائلات النازحة المحتاجة. وطالبت الولايات المتحدة بدعم جهود المنظمة للوصول إلى شمال سيناء للتدقيق في استخدام المعدات العسكرية الأمريكية وفقاً لقوانين حقوق الإنسان، وألا توفر معونة عسكرية معرضة للاستخدام في انتهاكات حقوقية جسيمة، وأن تدعو الحكومة المصرية إلى وقف عمليات الهدم والسماح للصحفيين والمراقبين المستقلين بالوصول إلى شمال سيناء.
وقالت ليا ويتسن: "إن الولايات المتحدة وغيرها من الدول الغربية التي تسلّح حكومة (الرئيس عبد الفتاح)السيسي تشيح بأنظارها عندما تنتهك قواته المواطنين، استناداً إلى منطق مشكوك فيه بأنه يسهم في الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية. لكن استراتيجية السيسي الرعناء في مكافحة التمرد لا تفيد إلا في تأليب مواطنيه أنفسهم ضد حكومتهم".