أحدث الأخبار
القانون يحظرها لكنها تباع في متاجر بالقاهرة وعبر الانترنت والتلفزيون
تحقيق - مروة صابر:
"هل السجائر الإلكترونية تسبب السرطان، أم أنها مجرد إشاعة لصالح منتجين للسجائر التقليدية؟".. سؤال لم يجد أيمن أحمد (29 عاما) إجابة له لكنه منعه من الانضمام لمستخدمي السجائر الإلكترونية كوسيلة للإقلاع عن التدخين كشف تحقيق "أصوات مصرية" أنها موجودة في أسواق القاهرة ويمكن الحصول عليها بسهولة رغم حظر دخولها.
ويقول أحمد إن اصدقاءه نصحوه باستخدام السيجارة الالكترونية كوسيلة آمنة للتخلي عن التدخين. لكن الأقاويل تضاربت حول مدى فاعليتها، واحتمالية تسببها في الإصابة بالسرطان.
وتُعرف منظمة الصحة العالمية، السيجارة الإلكترونية، بأنها "أداة لا تحرق أوراق التبغ أو تستخدمها، بل تقوم بدلا من ذلك بتبخير محلول معين ومن ثم يستنشقه مُستعملها".
والمكونات الرئيسية لذلك المحلول، علاوة على النيكوتين إن وجد، هى البروبيلين جلايكول المخلوط بالجليسرين وقد تكون هناك مواد لإكساب نكهة للمذاق.
وتقول سحر لبيب، مديرة الإدارة العامة لمكافحة التدخين بوزارة الصحة، إن آلية عمل السيجارة الإلكترونية تتطلب تسخين ذلك المحلول؛ لإنتاج البخار ومن ثم استنشاقه، وهو ما يهدد صحة المدخن.
والسيجارة الإلكترونية المتعارف عليها هى أسطوانة تأخذ شكل السيجارة التقليدية، بها خزان لاحتواء المحلول، وتعمل ببطارية قابلة للشحن. وبدورها تُسخن البطارية المحلول الذي يضم النيكوتين وبعض مُكسبات الطعم؛ مما يسمح بانبعاث بخار ليستنشقه المدخن.
ووفق تقرير لمنظمة الصحة العالمية، بعنوان نظم إيصال النيكوتين إلكترونيا، والمنشور على موقعها الإلكتروني، فإن "الفروق في الجهد الكهربي لبطاريات السجائر الإلكترونية... تؤدي إلى تغير كبير في قدرة المنتج على تسخين المحلول لتوليد الرذاذ؛ مما يُحتمل أن يؤثر في إيصال النيكوتين وسائر المقومات، ويساهم في تشكيل مواد سُمية في الانبعاثات".
لكن الخطورة الأكبر للسيجارة الإلكترونية بحسب مديرة إدارة مكافحة التدخين، تكمن في مكسبات الطعم المستخدمة فيها، والتي لا تسبب ضررا حال تواجدت في درجة حرارة الغرفة العادية، لكن حال تسخينها -وهو ما لا غنى عنه في السيجارة الإلكترونية- تصبح مواد مُسرطنة.
ومكسبات الطعم والتي عادة ما تأخذ نكهات الفاكهة، هي بحسب وليد مصطفى، مسؤول الأغذية والأدوية بإدارة التحريات في جهاز حماية المستهلك، مواد كيميائية مُخلقة في المعمل لا يحصل عليها المستهلك بنسبة مئة بالمئة، وإنما بعد إذابة نسبة منها في مادة حاملة كالجلسرين، والتي بتسخينها تُنتج مواد الهيدروكربونات العطرية المتعددة، وهي مواد مُسرطنة.
فكرة صينية
ظهرت فكرة استبدال التبغ (المستخدم في السيجارة التقليدية) للمرة الأولى عام 1963، على أساس استبدال التبغ بهواء ساخن له نكهة. وعادت الفكرة من جديد عام 2003، حين استحدث الصيدلي الصيني هون ليك السيجارة الإلكترونية.
قدم ليك فكرة تبخير محلول البروبيلين جليكول باستخدام الموجات فوق الصوتية المُنتجة عن طريق جهاز به شحنة كهربية. وفي عام 2006 بدأت الشركة التي يعمل لديها هون ليك، في تصدير منتجاتها إلى العالم وحصلت على براءة اختراع عالمية عام 2007 .
محمد منير (35 عام) يستخدم السيجارة الإلكترونية منذ أكثر من عام، أعرب عن امتنانه لهذا الاختراع الذي كفاه شر السجائر التقليدية على حد قوله. وقال "كنت أشعر بتسارع انفاسي حتى مع استخدام المصعد الكهربائي، ولا أستطيعُ تذوق أي شيء حتي استخدمت السجائر الإلكترونية.
خطأ مئة بالمئة
لكن ذلك الطرح الذي يُقدم السجائر الإلكترونية كوسيلة ناجحة للتوقف عن التدخين، تعارضه منظمة الصحة العالمية بشدة. وقال دوجلاس بيتشر الخبير بالمنظمة إنه "من الخطأ مئة بالمئة اعتبار أن السيجارة الإلكترونية وسيلة ناجحة للتوقف عن التدخين".
وكانت السجائر الإلكترونية لاقت رواجا كوسيلة للتحكم في نسب النيكوتين التي يحصل عليها المدخن، والتي بتقليلها تدريجيا يستطيع الإقلاع عن التدخين.
والنيكوتين وفقا لمنظمة الصحة هو "مكون التبغ المسبب للإدمان، وقد تكون له آثار ضارة أثناء الحمل، ويُحتمل أن يساهم في ظهور أمراض القلب والأوعية الدموية. وليس النيكوتين في حد ذاته مادة مٌسرطنة، غير أنه يعمل عمل مادة معززة للأورام".
تقول سحر لبيب، مدير إدارة مكافحة التدخين في وزارة الصحة، إنه كان مقررا للسيجارة الإلكترونية أن تُستخدم تحت إشراف طبيب، والذي بدوره يضع جدولا زمنيا محددا بجرعات النيكوتين التي يستهلكها المدخن، بحيث يصل تدريجيا إلى جرعة صفر.
لكنها تضيف أن الواقع المصري يُظهر أن مستخدم السيجارة الإلكترونية لا يستعملها تحت إشراف طبيب، بل ويجمع بعض المستخدمين بينها والسيجارة التقليدية في آن واحد.
ويقول (ب.خ) وهو شاب في الثلاثين من العمر رفض نشر اسمه إنه استخدم السيجارة الإلكترونية لعام ثم عاد مجددا للسيجارة التقليدية. وأضاف أن "طعمها غريب، والدخان الناتج عنها يشبه المُستخدم في الاحتفالات، ودائما ما كنت أعاني من البلغم الشديد بسببها."
وبحسب تقرير منظمة الصحة العالمية في سبتمبر 2014، فالرذاذ الناتج عن تدخين النيكوتين إلكترونيا، "عادة ما يحتوي على بعض المركبات المسرطنة، وسائر المواد السمية الموجودة في دخان التبغ، بمقادير تقل درجة أو درجتين في المتوسط عن المقادير الموجودة في دخان التبغ".
ولا يتوقف تأثير السيجارة الإلكترونية عند المدخن وحسب، بل يتعرض الأشخاص المحاذين لمستخدمي تلك السجائر- بحسب التقرير عينه- للرذاذ الذي ينفثه المستخدمون، والجسيمات الدقيقة والفائقة الدقة والنيكوتين؛ مما يرفع المستوى الطبيعي لتركيز بعض المواد السُمية في الهواء.
وكان مسح أجرته منظمة الصحة عام 2014، أظهر أن بيع النيكوتين الإلكتروني (السيجارة الإلكترونية وغيرها) يخضع لتنظيمات في أكثر من 40 بلدا في العالم لكنه ممنوع في 13 دولة وتفيد غالبية تلك الدول بأن هذه السجائر يمكن للناس الحصول عليها بسبب الاتجار غير المشروع.
ممنوعة في مصر.. لكن متاحة
وتقول مديرة ادارة منع التدخين إن السجائر الإلكترونية ممنوعة في مصر، ولم يحدث أن أعطت الوزارة ترخيصا واحدا بدخولها أو تداولها في السوق المصرية، وأي طلب في هذا الشأن رُفض.
وبالرغم من ذلك، لم يبذل أحمد مصطفى (26عاما)، جهدا كبيرا للحصول على سيجارة إلكترونية، وقال "هذه السجائر متواجدة في كل مكان".
وكان مصطفى ابتاع سيجارة إلكترونية من متجر شهير لبيع مستلزمات التدخين في حي الزمالك بالقاهرة، بقيمة 300 جنيه.
وبالسهولة نفسها عثرت محررة "أصوات مصرية" على خمسة أكشاك صغيرة ومتجر في ممر بين عمارتين في أحد شوارع وسط القاهرة كلها متخصصة في بيع التبغ وأدوات التدخين وأيضا السجائر الإلكترونية.
وحين تتفحص واجهات تلك الأكشاك التي تعج بكافة أدوات التدخين، لن تعثر على سجائر إلكترونية بين المعروضات.
لكن بسؤال بائع في أحد هذه الأكشاك "هل يوجد لديك سجائر إلكترونية؟!"
أجاب مبتسما "نعم، عندي". وأخرج علبة سوداء تشبه حافظة النظارات، وقام بفتحها لعرض السيجارة.
التاجر الذي روج للسيجارة باعتبارها وسيلة فعالة للإقلاع عن التدخين، قال إن السجائر الإلكترونية المتوفرة لديه، جميعها من ماركة إيجوego، مستوردة من الصين، وثمن الواحدة منها 150 جنيها.
وأضاف أنه "بعد يومين ستصلني طلبية من ماركة إيفودevod، وهي أيضا منتَجة في الصين، لكن سعرها 180 جنيها".
وخلال حديث بين التاجر والمحررة التي لم تكشف عن هويتها، قال إن السجائر تلك ليس لها ضمان لكن لديه قطع غيار لها.
وعلى مقربة من الممر، يوجد عند مدخل مركز تجاري شهير، كشك زجاجي لبيع السجائر التقليدية والولاعات بأعداد كبيرة. ووسط تلك المعروضات تُعرض السيجارة الإلكترونية داخل عبوة بلاستيكية شفافة.
أخبر البائع المحررة بأن هذه السيجارة هي ماركة إيفود، صينية المنشأ، ويتوفر لديه منها لونان هما الأسود والفضي، وثمنها للبيع 160 جنيها.
وردا على ما سبق، قالت سحر لبيب المديرة في وزارة الصحة " نعم، السجائر الإلكترونية متواجدة في السوق المصرية، لكن جميعها مُهربة، ودخلت البلاد بشكل غير قانوني، ويتم بيعها في الأسواق الشعبية والمتاجر الكبيرة على حد سواء".
وتقول سيدة في الثلاثينيات من عمرها، تعمل في متجر بوسط البلد "كنا نستوردها من الصين بكميات كبيرة، لكن تشديدات أمنية في الجمارك مؤخرا، تحول دون دخول تلك السجائر كما كان يحدث سابقا."
ويوضح مجدي عبد العزيز رئيس مصلحة الجمارك في تصريحات "لأصوات مصرية" أنه "بعد قرار من وزارة الصحة بحظرها؛ تضبطُ الجمارك السجائر الإلكترونية، وتحيل المضبوطات إلى وزارة التجارة والصناعة؛ لاتخاذ قرار بشأنها".
وبحسب عبد العزيز -الذي قيّم أداء المصلحة في هذا الشأن "بالمحكم"- تُقرر وزارة التجارة والصناعة إما إعدام تلك المضبوطات أو إعادة تصديرها حيث تسمح الوزارة للمستورد أن يعيد المضبوط من السجائر الإلكترونية إلى البلد المورد بعد تحصيل ربع قيمتها غرامة.
وكانت الإدارة المركزية للشؤون الصيدلية في وزارة الصحة، أصدرت منشورا رقم 1 لسنة 2015، طالبت فيه السلطات المعنية بضبط وتحريز ما قد يوجد في السوق من منتج السيجارة أو الشيشة الإلكترونية؛ لعدم وجود دراسات اكلينيكية كافية لإثبات أمانها، فضلا عن احتوائها على مواد سامة، وفق ما جاء في المنشور.
توصيل منزلي
وتُباع السجائر الإلكترونية في مصر جنبا إلى جنب مع التقليدية في متاجر متخصصة، وعند الباعة الجائلين، بالإضافة إلى مواقع التسوق الإلكتروني فضلا عن بعض الإعلانات التلفزيونية المرفقة برقم لخدمة التوصيل المنزلي.
تقول مديرة ادارة مكافحة التدخين "مهمتنا تقف عند رصد أماكن بيع تلك السجائر ومن ثم إبلاغ جهاز حماية المستهلك ليقوم بدوره في ضبط المنتجات غير المصرح بتداولها."
وبالتوجه إلى جهاز حماية المستهلك، تبين أن أحدث إحصاء متاح لديهم، يفيد بضبط 74 سيجارة إلكترونية و140 شيشة إلكترونية فضلا عن 780 عبوة سائل تدخين و67 شاحن سيجارة، وتحرير 6 محاضر لمنافذ بيع المضبوطات، وذلك خلال حملة من الجهاز لمراقبة الأسواق في يناير الماضي.
ويقول جمال عبد الحميد، مدير الإدارة العامة للتحريات في جهاز حماية المستهلك، إن تحرير محضر للمخالفين، لا يعني بالضرورة توقفهم عن البيع بشكل نهائي، فالتاجر ينتظر حُكم القضاء والذي يكون إما بالغرامة وإما بالحبس، وهو ما لا يحدث بين ليلة وضحاها.
ويضيف أن "تشميع المحالُّ المخالفة للقانون" من قِبل جهاز حماية المستهلك لا يتم إلا في حالتين، الأولى إذا كانت السلع المضبوطة تُشكل خطرا محدقا على صحة المستهلك، والثانية حال كانت حملات المراقبة على الأسواق مكتملة التشكيل بحيث تضم أفرادا من مباحث التموين، والمحليات بالاضافة للجهاز، وهو ما يؤكد ضرورة توحيد جهود الجهات الرقابية لضبط السوق بحسب قوله.
ويضم جهاز حماية المستهلك 32 عضوا يحملون مهمة الضبطية القضائية، يمثلون ربع قوام العاملين في الجهاز وهو عدد يحتاج لزيادة بحسب مدير إدارة التحريات بالجهاز.
ولا يوجد حتى كتابة هذه السطور أي حصر بعدد منافذ بيع السجائر الإلكترونية أو حجم تلك التجارة في مصر، وهو ما يُرجعه خبراء إلى أنها تجارة مهربة، دخلت البلاد بطرق عدة أبرزها دخول السيجارة في صورة أجزاء منفصلة، ومن ثم تجميعها بالداخل وبيعها للمستهلك المصري.
ووفقا لتقرير لمنظمة الصحة العالمية تشير التقديرات إلى وجود 366 صنفا من السجائر الإلكترونية، وإلى إنفاق 3 مليارات دولار أمريكي على النيكوتين الإلكتروني على الصعيد العالمي في عام 2013، ويتوقع أن تزداد المبيعات بما يساوي 17 ضعفا بحلول عام 2030.