أحدث الأخبار
"ربنا يخليك لينا ويزود الزبالة.. ربنا يخليك لينا يا سيادة المحافظ.. الزبالة مغرقانا.. الزبالة في كل حتة".. بهذه الكلمات وجه أحد المواطنين، حديثه لمحافظ القاهرة جلال السعيد في إحدى جولاته بعزبة جرجس في شبرا، لكن المحافظ، الذي لم يستطيع الرد عليه بحلول حقيقية للأزمة، فاجأ الجميع بما فيهم كاميرات الصحفيين برد عاصف قائلا "والله أنت ما عندك دم".
رد المحافظ العاصف والمفاجئ قد يلخص طبيعة تعامل الحكومات المصرية المتعاقبة مع الشكاوي الشعبية من انتشار القمامة وسيطرتها على شوارع ومدن القاهرة وغيرها من المحافظات.
في هذا التقرير نحاول رصد موقف الحكومة والسلطات المصرية المعنية، من مشكلة القمامة، قبل وبعد تظاهرات بيروت ضد النفايات التى تقودها حملة "طلعت ريحتكم"، وتعد أكبر احتجاج في الأشهر الأخيرة ضد السلطات اللبنانية، وبحسب وزير الداخلية نهاد المشنوق هناك 99 عنصرا من القوى الأمنية و61 مدنيا أصيبوا خلالها.
ويرى محتجون لبنانيون أن التناحر السياسي والفساد من أهم أسباب الفشل في حل أزمة النفايات التي تسببت خلال الأسابيع الماضية في بقاء تلال من القمامة في الشوارع لتفوح رائحتها في طقس الصيف الحار، وهدد رئيس الوزراء تمام سلام يوم الأحد بالاستقالة وهاجم السياسيين قائلا إن المشكلة الأكبر في البلد هي "النفايات السياسية".
النفايات.. مصر ليست لبنان
قصة النفايات ومعالجتها في لبنان قديمة، وبدأت في العام 1969، حيث كان كمال جنبلاط وزيراً للداخلية وأنشأ معمل الكرنتينا بعد مناقصة تمّ إرساؤها على شركتين إحداهما شركة (O.D.A) الفرنسية والثانية شركة "بوتيك".. المعمل كان يقوم بمعالجة النفايات وطاقته تتسع لحوالي 700 طن يومياً، هي عبارة عن نفايات بيروت، ولما لم يكن هناك أراض في بيروت، فقد انشأ معمل مكب النفايات في الكرنتينا والذي كان يستقبل نفايات العاصمة في ذلك الوقت. وكان المعمل يقوم بعملية الفرز، فيتحول قسم إلى حريق وقسم يحول إلى سماد عضوي والقسم الثالث يباع في صورة (كرتون ومواد أخرى قابلة لإعادة التدوير).. هذا العمل كان يُدار بواسطة شركة (O.D.A) الفرنسية وكان المقابل 10 دولارات عن معالجة كل طن، في حين أن أجور العمال والكلفة الخاصة بالعاملين تتحملها بلدية بيروت، حسبما جاء في مقال لعدنان الحاج في جريدة السفير، بتاريخ 10 أغسطس 2015.
ويضيف الحاج في مقاله "قصة النفايات جاءت في الوقت السيئ، من حيث انقطاع الكهرباء وارتفاع الحرارة، مع تفشي الفراغ في المؤسسات العامة والمؤسسات الدستورية، وضياع المسؤولية بين الحكومة وغياب الإدارات الفاعلة.. فالفراغ على أنواعه ملأ الشوارع بالنفايات والروائح الكريهة التي تعكس صورة الوضع السياسي وأداء السياسيين والقيمين على أمور البلاد".
وفي القاهرة لا يعتبر الواقع بعيدًا عما يملأ شوارع ومدن بيروت، من نفايات وأكوام قمامة متراكمة.
تنتج القاهرة حوالي 16 ألفا و195 طن مخلفات صلبة يوميًا، ويضاف عليها مخلفات هدم وبناء يتم رفعها يوميا ما بين 5 إلى 6 آلاف طن يوميا، طبقًا لبيانات الهيئة العامة لنظافة وتجميل القاهرة.
وما يفصل مصر عن لبنان في أزمة النفايات، هو التعامل الشعبي ضد الموقف الحكومي من حل الأزمة، ففي بيروت خرجت فئات شعبية مختلفة في الأصل سياسيًا، لكن وحدها هدف التخلص من أكوام القمامة في الشوارع، على عكس الوضع في مصر، الذي لم يصل الاحتجاج فيه إلى أكثر من تدشين حملات على الشبكات الاجتماعية تدعو لرمي النفايات والقمامة أمام المجالس المحلية للمحافظات أو الأحياء لحث المسؤولين على رفع القمامة من الشوارع، وهو الأمر الذي لاقى قبولا على الإنترنت في بدايته، ولكن سرعان ما تنتهي هذه الدعوات دون تحقيق تحرك قوي وملموس في الشارع.
الحكومة المصرية تنتفض في مواجهة القمامة بعد أحداث بيروت
فيما بدا أنه توجه حكومي مصري "لكتم الرائحة قبل طلوعها" في احتجاجات شعبية ومنع انتقال تظاهرات بيروت إلى القاهرة، اختلف رد الفعل الرسمي، عن كلام محافظ القاهرة لمواطن شبرا، "والله أنت ما عندك دم" وتحول إلى تحرك حكومي لفرض غرامات وغلق للمحلات والمطاعم كعقوبة على إلقاء القمامة بالشارع.
وتلقي الرئيس عبد الفتاح السيسي، عرضا من أعضاء المجلس التخصصي للتنمية الاقتصادية، كدراسة مبدئية بشأن عملية جمع وفرز القمامة واقتصاديات التخلص منها، وإمكانية إعادة تدويرها بما يدر عائداً اقتصادياً ويساهم في توفير بعض أنواع الوقود والمواد الخام اللازمة في بعض عمليات التصنيع، في 23 أغسطس 2015.
وترأس رئيس مجلس الوزراء إبراهيم محلب، اجتماعاً الخميس الماضي، بشأن منظومة النظافة، بحضور وزراء التنمية المحلية، التخطيط، التطوير الحضرى، الصحة، والبيئة، ومحافظى القاهرة، الجيزة، القليوبية، البحيرة، والإسكندرية، وعدد من رؤساء شركات النظافة، حيث شدد محلب على ضرورة وضع حل جذري لمشكلة القمامة، قائلاً "الشوارع لازم تنضف من القمامة.. وهذا كلام نهائي، فهذا أمن قومي للبلد".
ويعود محافظ القاهرة إلى مشهد القمامة في الشارع المصري بتصريحه "هناك تكليفات واضحة لرؤساء الأحياء بالاهتمام بالنظافة، وتم حصر المعدات التى نحتاج إليها، وسيتم تسليمه (الحصر) إلى وزير الإنتاج الحربى، والاتفاق مع الوزارة والهيئة العربية للتصنيع لتوفير 2500 صندوق قمامة.
وتعليقًا على غضب محلب من انتشار القمامة قالت ليلى إسكندر، وزيرة التطوير الحضري والعشوائيات ردًا على سؤال من الإعلامية، رولا خرسا "انتشر خطاب منسوب لرئيس الوزراء قال إن المحافظ اللي مش هيعرف ينظف محافظته خلال شهرين من القمامة هتتم إقالته"، وأضافت "يمكن كان مضايق أوي ساعتها، لأنه شهرين صعب جدا لرفع القمامة، ممكن نرفع تراكمات ونعمل غرامات وكان يقصد نبدأ خلال شهرين".