أحدث الأخبار
كتبت: أمنية طلال
جاء مشهد الثورة مفاجئاً للكثيرين، وفي القلب منه كانت مشاركة النساء أمراً لا يمكن تجاهله، حيث لعبت دور البطولة مناصفة مع الرجل، لتبدأ على الفور رحلة البحث عن المساواة، غير أنها لم تحصل حتى الآن إلا على القليل، فصحيح أنها نجحت في تحقيق بعض المكاسب على الصعيد التشريعي، بداية من تغليظ عقوبة التحرش حتى الحصول على نسبة غير مسبوقة في البرلمان، إلا أن هذه المكاسب ظلت محدودة، ولم تصل أبداً إلى تحقيق المناصفة مع الرجل في الحقوق كما كان طموح الثائرات، في الميدان.
ولكن يظل المكسب الأهم أن الثورة وما شهدته من تواجد قوي للمرأة خلقت توازنا قويا جديدا جعل النساء أكثر قدرة على المطالبة بحقوقهن.
تغليظ عقوبة التحرش
كان من أكبر مكاسب المرأة بعد 25 يناير تغليظ عقوبة التحرش، حيث أصدر الرئيس السابق عدلي منصور قرارا بقانون - في 5 يونيو 2013- بتعديل بعض أحكام قانون العقوبات، لتوسيع تعريف جريمة التحرش وتغليظ العقوبة على المتحرش.
وأصبحت العقوبة المقررة هي "الحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وغرامة لا تقل عن ثلاثة آلاف جنيه ولا تزيد على خمسة آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين لكل من تعرض للغير في مكان عام أو خاص عن طريق التتبع أو الملاحقة سواء بالإشارة أو القول أو وسائل الاتصال الحديثة أو أي صورة أخرى بإتيان أفعال تحمل إيحاءات أو تلميحات جنسية أو إباحية بما في ذلك وسائل الاتصالات السلكية واللاسلكية".
وتتعرض 99% من المصريات لنوع من التحرش وفقاً لدراسة أصدرتها هيئة الأمم المتحدة للمرأة في عام 2013.
واعتبرت انتصار السعيد، مدير مركز القاهرة للتنمية وحقوق الإنسان، أن إدراج التحرش كجريمة يعاقب عليها القانون مكسب حقيقي، مؤكدة أن "القانون شجع النساء على الإبلاغ عن جرائم التحرش وبالتالي حصولهن على حقوقهن من خلاله، وارتفعت نسبة بلاغات التحرش بعد تغليظ العقوبة".
إقرار المساواة
إقرار المادة (11) من الدستور هو مكسب آخر حققته المرأة بعد الثورة، حيث تكفل المادة حق المرأة في المساواة مع الرجل.
ولم يكن إقرار المادة (11) أمرا سهلا، خاصة في ظل اعتراضات حزب النور السلفي داخل لجنة الخمسين -المكلفة بإعداد الدستور- على مبدأ المساواة بين الجنسين، ووضع كوتة للمرأة داخل الدستور، معتبرا أن المساواة "تخالف مبادئ الشريعة الإسلامية"، حسب تصريح أدلى به صلاح عبد المعبود ممثل حزب النور في لجنة الخمسين لجريدة الشروق.
وتنص المادة 11 من دستور 2014 على أن "تكفل الدولة تحقيق المساواة بين المرأة والرجل في جميع الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وفقاً لأحكام الدستور.. كما تكفل للمرأة حقها في تولي الوظائف العامة ووظائف الإدارة العليا في الدولة والتعيين في الجهات والهيئات القضائية، دون تمييز ضدها".
وقالت مرفت تلاوي، رئيس المجلس القومي للمرأة، في تصريح سابق لأصوات مصرية، إن الدستور الذي يأتي بعد ثورة 25 يناير التي نجحت في خلع الرئيس حسني مبارك "لا يجب أن ينتقص من حقوق المرأة، فلا يجوز أن تكون المصرية أقل شأنا في ممارسة حقوقها من شقيقاتها في دول عربية".
تعديل قانون مجلس النواب
في خطوة اعتبرتها المنظمات النسوية "تاريخية" وافقت لجنة تعديل قانوني مجلس النواب ومباشرة الحقوق السياسية، في يونيو 2014، على زيادة عدد مقاعد المرأة داخل القوائم، بما يضمن ألا يقل عدد النساء في مجلس النواب عن 70 امرأة.
ووصل عدد نائبات برلمان 2016 إلى 87 نائبة بعد هذا التعديل وبعد تعيين رئيس الجمهورية لحصته في البرلمان (14 نائبة). ورغم أن المجلس القومي للمرأة والمنظمات الحقوقية طالبوا بالمناصفة إلا أنهم رحبوا بهذه النسبة غير المسبوقة (أكثر من 14% من أعضاء البرلمان)، فلم يتعد تمثيل المرأة 2% في برلمان 2012.
أول عقوبة ختان
لأول مرة في مصر يحاكم طبيب بتهمة الختان منذ تجريمه، ففي يناير 2014 قضت محكمة استئناف المنصورة، بمحافظة الدقهلية، بمعاقبة طبيب متهم بإجراء ختان لطفلة -ما أدى إلى وفاتها- بالسجن مع الأشغال الشاقة لمدة عامين وغرامة 500 جنيه.
كما حكمت محكمة استئناف المنصورة بإغلاق عيادة الطبيب لمدة عام، ومعاقبة والد الطفلة بالحبس لمدة ثلاثة شهور مع إيقاف التنفيذ.
وتعد هذه هي الدعوى الأولى التي يحولها النائب العام للمحاكمة الجنائية منذ صدور قانون تجريم ختان الإناث عام 2008.
واعتبر عاطف الشيتاني، مقرر المجلس القومي للسكان، أن الحكم ضد الطبيب تاريخي، فهي الدعوى الأولى التي يتم فيها الحكم بالحبس مع التنفيذ، لمرتكب جريمة ختان إناث، منذ صدور القانون قبل سبع سنوات.
أين المناصفة؟
وقال أحمد أبو المجد، مدير مؤسسة حقنا لحقوق الإنسان، إن الثورة حتى هذه اللحظة لم تحقق للمرأة ما تستحق، ولم تعد ترتيب الأوراق كما كان ينبغي.
وأضاف أبو المجد "بعد أي ثورة أو تغيير اجتماعي، الفئات المهمشة بتاخد حقوق أكتر، لكن ده ما حصلش بشكل مرض بعد 25 يناير"، معتبراً أن صعود الإخوان بعد الثورة وقف أمام حصول المرأة على حقوقها في الفترة التي تلت الثورة مباشرة.
وأعرب عن اعتقاده بأن حقوق المرأة في الدستور ليست جيدة بالمقارنة بالمغرب التي تطبق المناصفة بين النساء والرجال في كل المناصب والمواقع القيادية سواء التنفيذية أو التشريعية أو السياسية.
وأشار أبو المجد إلى أن هناك مطالب كثيرة للنساء لم تتحقق منها تجريم التمييز ضدهن، وإنشاء مفوضية لمناهضة التمييز كما نص الدستور، ويقول "حتى في المشاركة السياسية نسبة الستات في البرلمان ما وصلتش 15%".
وأكد أن المرأة تدفع الثمن في الأزمات وتتصدر المشهد وتقدم التضحيات، لكن وقت تقسيم الغنائم الرجل هو الذي يتصدر المشهد.
توازنات جديدة
على العكس من الرأي السابق قال أكرم ألفي، الباحث السياسي بمؤسسة الأهرام، إن المرأة حصلت على مكاسب بعد ٢٥ يناير، موضحا أن مشاركتها في ٢٥ يناير وما تلاها من أحداث جعلها تفرض نفسها على الدولة وعلى أي خطاب أو ممارسة سياسية.
وقال "المرأة أصبح لديها رأس مال رمزي تستخدمه في التعامل مع الأحزاب والسلطة يفرض توازنات جديدة في المجتمع".
وأضاف أن قضية التحرش كان ينظر لها قبل الثورة على أنها قضية هامشية، لكن حاليا لا يستطيع الجهاز الأمني تجاهلها، ولا حتى المؤسسات الدينية تستطيع إعادة نفس الخطاب (ما قبل ثورة يناير).
وقال ألفي إن المرأة أصبحت حاضرة بعد ٢٥ يناير حتى في فترة الإخوان، وكان لها نصيب في إعادة توزيع السلطة، معتبرا أن النظام الحالي مدرك تماما أن أحد أعمدة شرعيته هو تأييد شريحة كبيرة من سيدات مصر، وبالتالي ترجم هذا إلى مكتسبات في الدستور والقوانين ومجلس النواب، وأصبح التعامل مع قضايا المرأة يحكمه منطق المزيد من الحقوق.