أحدث الأخبار
كتب: عصام شاهين
ضاقت بهم السبل بعد أن حاصرهم طوفان من الجماهير تود الفتك بهم، فقرر بعضهم أن يدخل إلى ممر ينتهي بباب حديدي أغلق بإحكام، فهربوا من موت إلى موت.. وعاد من نجا منهم دون 72 شاباً، فاضت أرواحهم وأريقت دماؤهم في مدرجات ملعب بورسعيد.
كان اليوم هو الأول من فبراير 2012، بعد مباراة الأهلي أمام المصري البورسعيدي في الدوري الممتاز لعام 2011/2012، والتي أعقبتها اشتباكات بين جمهوري الناديين راح ضحيتها 72 من مشجعي الأهلي.
وبعد مرور 3 أعوام وثمانية أيام عاد إلينا ممر آخر ذو أسلاك شائكة، كان قرار من سكنوه أن يتحملوا ليفرحوا حين يروا فريقهم بعد غياب متقطع على مدى 3 سنوات، فلم يجدوا مخرجا منه سوى مصير من سبقوهم في الممر الأول.
في قفص من الأسلاك وضع لعبور الجماهير من خلاله لقي 20 شخصا من جماهير نادي الزمالك حتفهم على بوابات ملعب الدفاع الجوي خلال تدافع وأعمال عنف أطلقت قوات الأمن أثناءها قنابل الغاز المسيل للدموع، في يوم 8 فبراير 2015، قبيل مباراة الزمالك مع إنبي على إستاد الدفاع الجوي.
ممر في نهايته بوابة أغلقت فخلّف 72 "شهيدا"، وممر آخر من الأسلاك قتل فيه 20 "ضحية" دهسا وتدافعا وخنقا، لكن الاختلاف لم يكن في العدد فقط، لكن هناك اختلافات أخرى يرصدها هذا التقرير.
اتحاد الكرة والدوري
"قررنا إيقاف الدوري المصري لأجل غير مسمى وإجراء تحقيق فيما حدث، وتشكيل لجنة لتقصي الحقائق من اتحاد الكرة".. كانت تلك الكلمات المقتضبة أول قرار يحمله سمير زاهر رئيس اتحاد الكرة المصري الأسبق إلى الرأي العام بعد حادثة إستاد بورسعيد.
وقف الدوري استمر لمدة عام، وتم استئنافه بعده وتحديدا في فبراير 2013.
في أحداث الدفاع الجوي، بدا الأمر مختلفا، إذ قرر اتحاد الكرة وقف بطولة الدوري لأجل غير مسمى، لكن إبراهيم محلب رئيس الوزراء، آنذاك، أعلن في بيان رسمي تشكيل لجنة من وزارتي الداخلية والشباب والرياضة واتحاد الكرة لاتخاذ إجراءات عودة الدوري بدون جمهور وذلك بعد انتهاء فترة الحداد 40 يوما على ضحايا أحداث مباراة الدفاع الجوي.
وعادت الحياة إلى بطولة الدوري فعليا في 30 مارس الماضي، بعد انتهاء فترة الحداد، وبعد أن وافقت الحكومة على عودة مباريات الدوري العام من دون جمهور، وتوّج نادي الزمالك ببطولة الدوري الممتاز عن الموسم المنصرم.
قرار وقف الدوري ربما لم يشفع لزاهر للبقاء في منصبه، إذ أصدر كمال الجنزوري رئيس الوزراء الأسبق، في بيان أمام مجلس الشعب في 2 فبراير عام 2012، قرارا بإقالته من منصبه بصحبة مرؤوسيه، وتحويلهم جميعا للتحقيق.
وفي أحداث الدفاع الجوي، رفض مسئولو اتحاد الكرة تقديم استقالاتهم من الاتحاد، محملين نادي الزمالك ووزارة الداخلية مسؤولية ما حدث، واتحاد الكرة مستمر حتى الآن برئاسة جمال علام.
ضحايا "الأهلي" شهداء
استجاب الرئيس المعزول محمد مرسي لطلب مجلس إدارة الأهلي بإدراج ضحايا النادي ضمن شهداء ثورة 25 يناير، وحول الأمر إلى مفتي الديار المصرية.
وحسم المفتي علي جمعة، آنذاك، مصير ضحايا مجزرة بورسعيد من جمهور الأهلي، وأكد، في خطاب رسمي أرسله إلى النادي في أغسطس 2012، أن الضحايا شهداء ولهم كل حقوق الشهداء .
في حادثة الدفاع الجوي، أصدرت دار الإفتاء بيانا تنعي فيه "ضحايا أحداث إستاد الدفاع الجوي"، فيما لم يعتبر الضحايا شهداء حتى الآن حيث لم تتقدم أي جهة بطلب لإدراجهم كشهداء.
موقف الإدارتين
بعد مذبحة بورسعيد قرر مجلس إدارة النادي الأهلي في مؤتمر صحفي أقامه في اليوم التالي للأحداث تعليق جميع الأنشطة الرياضية بالنادي، ومقاطعة أي أنشطة رياضية تقام بمدينة بورسعيد لمدة خمس سنوات وعدم الاكتفاء بإقالة محافظ بورسعيد ومدير أمنها والمطالبة بضرورة التحقيق معهما في مسؤوليتهما السياسية والجنائية عما حدث لجماهير الأهلي وأسفر عن موت الشهداء وزيادة أعداد الجرحى والمصابين .
وتم تكليف اللجنة القانونية للنادي برئاسة المستشار محمود فهمي بمتابعة بلاغ النادي للنائب العام والتحقيقات التي تقوم بها النيابة العامة، ومطالبة المجلس الأعلى للقوات المسلحة بمعاملة شهداء ومصابي النادي نفس معاملة شهداء ومصابي الثورة .
كما قرر النادي إقامة نصب تذكاري بمقره في الجزيرة للشهداء، واعتبار اليوم الأول من فبراير كل عام يوما لشهداء الأهلي، وفتح حساب بنكي لتلقي التبرعات لمصلحة أسر الشهداء على أن يودع النادي مبلغ مليون جنيه كنواة لهذا الحساب، وإعلان الحداد أربعين يوما.
كما أقام النادي العزاء للشهداء في مقره بالجزيرة لمدة ثلاثة أيام، ووضع نفسه في حالة انعقاد دائم لمتابعة تنفيذ قراراته للحفاظ على حقوق النادي وجماهيره وشهدائه ومصابيه.
أما في نادي الزمالك فقد قرر مجلس الإدارة تشكيل لجنة قانونية من النادي لمتابعة التحقيقات حول ملابسات الحادث، وتشكيل لجنة من رموزه للقيام بزيارات لعائلات الضحايا ودعمهم معنويا، وإنشاء صندوق لدعمهم.
كما قرر النادي وضع صور الشهداء في أنحاء النادي وتسمية بعض المنشآت بأسمائهم، وتحمل تكاليف القضايا التي قد يرفعها أقارب الضحايا ضد أي جهة حال رغبتهم في ذلك.
الاحتفال بالذكرى الأولى
فتح النادي الأهلي أبوابه لجماهيره للاحتفال بالذكرى الأولى لمذبحة بورسعيد، وشهدت مراسم إحياء ذكرى شهداء الأهلي تواجد العديد من الشخصيات الرياضية داخل مقر النادي على رأسها وزير الرياضة الأسبق العامري فاروق وأعضاء مجلس إدارة النادي، ورئيس وأعضاء اتحاد الكرة.
وتناول كل لاعبي الفريق الأول للنادي الأهلي والجهاز الفني والإداري وجبة الغداء مع أسر الشهداء في إطار حفل التأبين الذي أقامته الإدارة.
وألقى رئيس النادي السابق حسن حمدي كلمة في حفل التأبين أكد فيها وقوف النادي مع الجماهير وأسر الشهداء للحصول على باقي حقوقهم.
كما احتفلت رابطة أولتراس أهلاوي بإحياء الذكرى السنوية الأولى برسومات جرافيتي على جدران النادي وأسفل اللوحة الإلكترونية على البوابة الرئيسة له، وضمت الأعمال الجرافيتية صور وأسماء شهداء مشجعي النادي.
في نادي الزمالك، حذر مرتضى منصور رئيس النادي، في فيديو بثه عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك، "كل أب وأم من اقتراب أبنائهم من بوابة نادي الزمالك أو حتى على بعد 3 كيلو منها"، مؤكدا أنه سيستخدم ما وصفه بـ "حقه في الدفاع الشرعي عن النفس".
وأضاف منصور، "ابنك اللي بيقول إنه وايت نايتس لو قرب من بوابة نادي الزمالك بكرة.. بعده.. السنة الجاية على بعد 3 كيلو اتحملوا مسئوليته أوعي تعيطي لو ابنك اتقبض عليه أو اتعور".
وأضاف "أدافع دفاعا شرعيا عن الأسر والأطفال داخل النادي، وكل أمن النادي مسلح ولن يسمح بالبلطجة على حدود نادي الزمالك".
وقال "من هم الشهداء الذي تريدون الاحتفال بهم، لا يوجد أحد منهم أولتراس، وأنا من دفعت تعويضات لأهاليهم، وكلهم غلابة، وأحذركم لو اقتربتم من النادي فأصغر فرد أمن مسلح".
وعلى صدر الموقع الرسمي لنادي الزمالك، لم تظهر أي معلومات عن الاحتفال بالذكرى الأولى للأحداث، واكتفى الموقع ببعض الأخبار الخاصة بمباراة القمة، لكن الصفحة الرسمية المعتمدة من فيسبوك كصفحة رسمية لنادي الزمالك، وضعت صورة سوداء عن الأحداث وكتبت تحتها الذكرى الأولى.
كما أصدرت الصفحة بيانا أمس كتبت فيه "ومن الدم المسفوك أذرعه تناديني تعال، فلترفعي جيداً إلى شمس تحنّت بالدماء، لا تدفني موتاك، خليهم كأعمدة الضياء!، عاماً قد مر على فراق عشرين مشجعاً من مشجعينا الأحرار وهم خالدون في القلوب، عاماً قد مر على مجزرة إستاد الدفاع الجوي وما زالت ذكراكم كأنها الأمس، نسأل الله تعالى أن يُسكنهم فسيح جناته وأن يحتسبهم من الشهداء والصديقين، ابداً لن ننساكم".
وأعلنت رابطة مشجعي الزمالك "وايت نايتس" من جانبها الاحتفال بالذكرى في حديقة الفسطاط اليوم، قائلة، في بيان أصدرته مساء أمس، "كنا نتمنى أن نحيي ذكرى الأبرار داخل أسوار النادي الذي عشقوه، أو في المدارج التي ولدوا فيها وصارت أوطانهم، ولكن نادينا الآن تحت سطوة القتلة والمأجورين والمفسدين".
وطرحت الرابطة ألبوما غنائيا على موقع "يوتيوب" بعنوان "8 فبراير".
المتهمون
أحال النائب العام 9 قيادات شرطية -من بين 73 متهما شملتهم لائحة الاتهام- إلى الجنايات في القضية الخاصة بأحداث إستاد بورسعيد، كان على رأسهم عصام الدين سمك مدير أمن بورسعيد آنذاك، ونائبه ومساعدوه للأمن العام والوحدات ومدير الأمن المركزي ببورسعيد السابق، ومدير مباحث بورسعيد سابقا ومفتش الأمن العام ببورسعيد ومدير الأمن الوطني ببورسعيد، ورئيس قسم شرطة البيئة و المسطحات المائية.
وحكمت المحكمة ببراءة 7 من القيادات فيما أدانت عصام سمك مدير أمن بورسعيد الأسبق، ومحمد سعد رئيس شرطة المسطحات بالسجن المشدد 5 سنوات بعد أن حكم عليهما بـ15 عاما بالدرجة الأولى للتقاضي.
وتتبقى درجة أخيرة من درجات التقاضي، أمام محكمة النقض وهو الطعن الثاني الذي ستنظره المحكمة ولها خياران إما أن تؤيد الحكم الأخير المطعون فيه أو أن تلغي تلك الأحكام وتصدر حكما بنفسها بعد أن تتصدى للقضية.
في قضية أحداث الدفاع الجوي، أصدر النائب العام السابق المستشار هشام بركات بيانا أمر فيه بـ"إحالة 16 متهمًا منهم أثني عشر من جماعة الإخوان ورابطة مشجعي نادي الزمالك، محبوسين، إلى محكمة الجنايات"، بعد إسناد لهم تهم "البلطجة المقترنة بجرائم القتل العمد، وتخريب المباني والمنشآت والممتلكات العامة والخاصة، ومقاومة السلطات، وإحراز المواد المفرقعة".
وأضاف بركات "كشفت تحقيقات النيابة العامة أن جماعة الإخوان الإرهابية في سبيل سعيها إلى هدم دعائم الاستقرار في البلاد، استغلت علاقة بعض من كوادرها بعناصر من رابطة مشجعي نادي الزمالك المسماة (وايت نايتس) وأمدتهم بالأموال والمواد المفرقعة للقيام بأحداث شغب وعنف أثناء النشاط الرياضي لكرة القدم بهدف نشر الرعب بين المواطنين لإلغاء هذا النشاط، والعمل على إفشال المؤتمر الاقتصادي الجاري انعقاده في مصر".