أحدث الأخبار
إعداد: دينا عفيفي
استغراق الأطفال والمراهقين في متابعة الفيس بوك لم يعد ظاهرة متفاقمة في مصر وحدها، باعتبارها أكبر الدول العربية في استخدام موقع التواصل الاجتماعي، لكن المشكلة زادت في الاتحاد الاوروبي ايضا لدرجة أن البرلمان الأوروبي وافق الأسبوع الماضي على منع المراهقين دون سن 16 عاما من استخدام وسائل التواصل الاجتماعي دون إذن الأبوين.
وفي ظل معرفة أن اسراف الأطفال في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي يؤثر على اجزاء في المخ تختص بتقدير الذات بالمقارنة بالآخرين ويمكن أن يحرمهم من اكتساب مهارات اجتماعية يصعب تعويضها في وقت لاحق من العمر، تقول ناتاشا ديفون مستشارة الصحة الذهنية بوزارة التعليم البريطانية إنها قررت تأييد إجراء الاتحاد الأوروبي رغم أن هذه الاقتراحات يستغلها البعض لانتقاد الكتلة الأوروبية وإذكاء المشاعر المناهضة لها.
وفي مقال على موقع انترناشونال بيزنس تايمز قالت ديفون وهي كاتبة وشخصية إعلامية ومؤسسة موقع self esteem على الإنترنت الذي قدم دروسا عن الصحة الذهنية والصورة العامة لأكثر من 200 مدرسة في أنحاء بريطانيا إنها توقفت للحظات لتفكر في مدى إمكانية تطبيق مثل هذا القانون في عالم أصبح سكانه ممن هم في سن 10 سنوات أقدر بكثير على التعامل مع التكنولوجيا من آبائهم. لكن مع تنحية الاعتبارات العملية جانبا فهي تعتقد أن الفكرة العامة لهذا الاقتراح سليمة.
ويبلغ عدد مستخدمي فيس بوك في مصر حوالي 22.4 مليون مستخدم، يمثلون أكثر من نصف مستخدمي الإنترنت كما أنهم ربع سكان مصر تقريبا، حسب تقرير أصدرته شركة إيماركتينج إيجيبت، لتحتل مصر بذلك المركز الأول بين الدول العربية في استخدام أبرز مواقع التواصل الاجتماعي. ويقول التقرير إنه من حيث الفئات العمرية، يمثل المستخدمون أقل من 30 سنة نحو 75% من الإجمالي في مصر، كما أن المستخدمين في سن 18 سنة تحديداً هم أكبر فئة عمرية ويبلغ عددهم نحو 1.3 مليون مستخدم بنسبة 6.29% من الإجمالي.
وتقول ديفون التي تعمل في مجال الصحة الذهنية للمراهقين منذ عشر سنوات تقريبا إنها لا تعتقد بوجود مبالغة غير ضرورية في القول بأن الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي بالتحديد من أكبر أسباب تدني الصحة الذهنية لدى من هم دون سن 21 عاما. ولم تصدر بعد إحصاءات رسمية عن زيادة حالات المرض الذهني لدى المراهقين في هذه السن وهناك بعض الشك في مدى الدقة التي يمكن أن تتسم بها مثل هذه الدراسات لأن الضغوط على أجهزة الخدمات يعني أن الاشتراطات للتدخل الطبي يرتفع مستواها باطراد.
لكن هناك معلومات مؤكدة بالفعل عن أن بعض الخبراء يرون أن المشاكل الأربعة الأكثر شيوعا فيما يتعلق بالسلامة الذهنية لدى المراهقين وهي القلق والاكتئاب وإيذاء النفس واضطرابات الأكل ارتفعت بنسبة 600 % في بريطانيا على مدى السنوات العشر الماضية. وتقول ديفون إن هناك معلومات مؤكدة أيضا عن أن معدل نقل مراهقين للمستشفيات بسبب إيذاء النفس أو اضطرابات الأكل تضاعف على مدى السنوات الثلاث الماضية.
بالإضافة إلى ذلك قدمت المجموعة البرلمانية البريطانية لكل الأحزاب بشأن السلامة الذهنية أدلة تشير إلى أن متوسط السن الذي يمكن أن يصاب فيها الشخص بالاكتئاب كان قبل نصف قرن يبلغ 45 عاما لكن المتوسط أصبح الآن 15 عاما، مما يعني أن هناك مشكلة كبيرة لابد من مواجهتها.
وهناك عوامل تؤدي إلى الصحة الذهنية الرديئة لدى المراهقين مثل تراجع مستوى الحياة الأسرية وتقلص الوقت الذي تقضيه العائلة سويا والضغوط الاقتصادية وأعباء الدراسة لكن كان للتكنولوجيا الأثر الأكبر على شكل حياة الأطفال والمراهقين.
ونشرت البروفسير ريتشيل تومسون بحثا عام 2013 وضعت فيه نظرية تقول إن البالغين يلجأون لوسائل التواصل الاجتماعي حسب الوقت المتاح بالنسبة لهم لكن المراهقين في الوقت الحالي أصبحوا يرون جوانب في الحياة مثل الدراسة والحياة الأسرية كأنها "وقت مستقطع" من الوقت الذي يقضونه على الإنترنت وخاصة مواقع التواصل الاجتماعي. وتقول الكاتبة إنه إذا صح كلامها فهذا يعني أن الغرض الأصلي من مواقع التواصل الاجتماعي تلاشى تماما لأن هذه المواقع أصبحت بالنسبة للكثير من المراهقين أكثر واقعية من أي أحداث تدور في العالم الفعلي.
وترى أنه لن يكون من الممكن معرفة أثر مواقع التواصل الاجتماعي على نمو المخ قبل 20 سنة على الأقل بما أن التكنولوجيا تتطور أسرع من قدرة خبراء علم الأعصاب على تحليل هذا الأثر بشكل دقيق. وهذا يجعل الجيل المولود في عصر الهواتف الذكية أشبه بحقل تجارب، وهو في حد ذاته احتمال مقلق. لكن المعلومات المؤكدة بأي حال هي أن مجرد تلقي "إخطار" على أحد مواقع التواصل الاجتماعي يمثل حدثا كبيرا لدى أغلب مستخدمي تلك المواقع حتى وإن كان طلبا من أحد الأصدقاء لمشاركته في لعبة كاندي كراش مما يعني إفراز هرمون الاندورفين المسبب للشعور بالسعادة وأيضا الرغبة في الرد على الفور.
ويفسر ذلك بدرجة ما نتائج دراسة أجرتها بي.بي.سي في نوفمبر الماضي وأظهرت أن ثلث الأطفال يشعرون بالذنب إذا لم يردوا على الرسائل النصية والاخطارات على الفور. وهناك معلومات أيضا عن أن من يستخدمون مواقع التواصل الاجتماعي بكثرة تنمو لديهم أجزاء معينة من المخ أكثر من المعتاد وهي الأجزاء المسؤولة عن المكانة الاجتماعية ومقارنة أنفسنا بالآخرين مما له بالطبع أثر مدمر على تقدير الذات.
وتحدثت مؤسسة BullyingUK عن كيفية تغيير مواقع التواصل الاجتماعي لطبيعة "البلطجة" التي يتعرض لها المراهقون. وفي دراسة أجريت عبر الإنترنت وجدت هذه المؤسسة أن 43.5% من المشاركين ممن تراوحت أعمارهم بين 11 و16 عاما تعرضوا للبلطجة عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وتعتقد المؤسسة أن الأطفال يمكن أن يتعرضوا للبلطجة بلا هوادة لأن مواقع التواصل الاجتماعي تخترق المدرسة والمنزل على السواء.
كما أن ميل بعض الأمهات لإعطاء الأطفال الأجهزة اللوحية والهواتف الذكية لإلهائهم يعني أن الكثير من الأطفال لا يكتسبون المهارات الاجتماعية المطلوبة وهي مهارات يصعب اكتسابها في وقت لاحق من العمر.
لكن هذه الفئة العمرية ولدت في عالم أصبح وجود مواقع التواصل الاجتماعي فيه شيئا أساسيا، وبالتالي لا يرى أغلب المراهقين فيها أي مشكلة. واستطلعت مدرسة جرينج في بريطانيا رأي تلاميذها هذا العام واكتشفت أن أيا منهم لا يعتقد أن مواقع التواصل الاجتماعي تنطوي على أي مشكلة رغم تعرضهم لوابل من الصور التي يتم التلاعب فيها بالفوتوشوب والإعلانات التي تسعى لاستغلال رغبتهم في الشهرة والصور الإباحية والبلطجة عبر الإنترنت لأنهم أصبح لا يمكنهم تخيل الحياة بدون هذه المواقع.
إن مخ الطفل الذي يمر بمرحلة النمو مختلف تماما عن مخ الشخص البالغ ورغم ذلك فحتى الجيل الأكبر سنا يبدي أسفه على الأثر الذي تحدثه مواقع التواصل الاجتماعي على طريقة تفكيرنا لأننا أصبحنا نقارن بين واقعنا وبين حياة الناس الآخرين الذين يبذلون كل جهد لتجميلها. إذا كنا نحن الأكبر سنا نجد صعوبة، فهل يمكن تخيل أثر ذلك على الأطفال الذين يجدون صعوبة بالفعل في تقدير ذواتهم بشكل سليم كما أنهم أكثر تأثرا بالضغوط التي يمثلها الأقران؟
لكل هذه الأسباب تؤيد الكاتبة، التي تم اختيارها بصفتها واحدة من أهم 50 من رواد الأعمال في العمل الاجتماعي، الاتحاد الأوروبي في خطوة رفع سن الأطفال الملزمين بالحصول على موافقة الآباء قبل استخدام مواقع التواصل الاجتماعي من 13 عاما إلى 16 عاما لكنها ترى أن هناك صعوبة في تطبيقها بالنظر مثلا إلى أن بعض الاطفال يمكنهم ببساطة كتابة سن أكبر من سنهم الحقيقي عند التسجيل في الفيس بوك.