أحدث الأخبار
63 صيادا لقوا مصرعهم غرقاً بينهم اثنان منذ ثلاثة أيام
كتب: سعادة عبد القادر
بين شَهيق امتزج بمياه بحر تدخل إلى حلقه فيتغرغر جراء احتباس أنفاسه، وزفير يطرد المياه من فمه فتعود الأنفاس إليه من جديد.. كان جمال الشركسي أحد صيادي مدينة المطرية الناجين من الغرق يصارع الموت، ويبحث عن طوق النجاة.
اتخذ الشركسي لوحاً من الخشب، كان قد تبقي من حُطام مركبه الشراعي الصغير، كسترة نجاة يساعده على السباحة أملاً في الوصول إلى الشاطئ الذي يبعد عنه مسافة 10 كيلو مترات، بعد أن قدر الله له أن يكون اللوح بجواره على سطح المياه لحظة الغرق.
آخر حادث غرق
لم يكن الشركسي وحده على متن المركب الصغير، التي غرقت منذ ثلاثة أيام قرابة سواحل محافظة كفر الشيخ، بل كان يرافقه الصياد محمد السيد الدمياطي 45 عاما، والصياد أحمد إبراهيم الجندي 58 عاما ولقى الاثنان مصرعهما غرقاً.
يقول الشركسي إن الثلاثة خرجوا من منازلهم بمدينة المطرية صباح تلك الليلة سعياً وراء الرزق في بحيرة البرلس بكفر الشيخ، بعدما ضاقت بهم السُبل للصيد في بحيرة المنزلة بمنطقتهم.
يوضح أن تجاهل الهيئة العامة للثروة السمكية البحيرة لتتحول بعدها إلى بركة مياه صرف صحي، علاوة على استيلاء المواطنين على جزء كبير منها وردمه (تجفيفه من المياه) والبناء عليه، جعل الأسماك تنفق، وقرابة الـ 80 ألف صياد يهربون بأدواتهم البدائية إلى الصيد في عرض البحر بمحافظتي بورسعيد وكفر الشيخ، ما يعرضهم للخطر والغرق.
لم يكن هروب صيادي المطرية من بحيرة المنزلة إلى عرض البحر للصيد بأدوات بسيطة طلبا للرزق، حالة فردية بل هجر الصيادون المدينة التي قامت اقتصاداتها على حرفة الصيد حسب ما قال الشركسي.
يضيف الشركسي أن حالات غرق صيادي المطرية بحثاً عن الرزق متكررة، ففي شهر مارس الماضي غرق مركب كان على منته 39 صيادا نجا منهم 11 فقط، والعام الماضي أيضا لقى 33 صياداً آخرون مصرعهم غرقاً في عرض البحر، ليتبدل الأمر من الهروب إلى طلب الرزق، لطلب الموت غرقاً.
هروب الصيادين للغرق
حسن الشوي نقيب الصيادين بمنطقة المطرية يقول إنه لم يعد يوجد بالمنطقة سوى النساء وكبار السن و30 ألف صياد فقط، بعدما هرب 80 ألف صياد من المطرية إلى العمل بشكل يومي أو دائم في مهنة الصيد بالبحر في المحافظات المجاورة مثل كفر الشيخ وبورسعيد، بعد انعدام واستحالة الصيد ببحيرة المنزلة، وهروب صيادي المطرية إلى البحر بأدوات صيد غير مؤهلة بحثاً عن الرزق، ما أودي بحياة العديد منهم غرقاً.
يقول نسيم بدر الدين صياد، ورئيس نقابة الصيادين السابق، إن صيادي منطقة المطرية بمحافظة الدقهلية يعانون من انخفاض نسبة الأسماك ببحيرة المنزلة، وانسداد البحيرة برواسب الصرف الصحي، علاوة على التعدي عليها من قبل مواطنين بالردم والبناء، ما أدى إلى عزوف الصيادين عن الصيد في المنزلة، واللجوء إلى الصيد في البحر المتوسط وبحيرة البرلس بكفر الشيخ.
"لم يجن الصياد من بحثه عن الرزق في البحر بمراكب صغيرة لا تصلح للإبحار بعرض البحر سوى الموت غرقاً".. بهذه العبارة يُكمل بدر الدين حديثه عن 33 صيادا غرقوا وبعدهم 28 ومنذ ثلاثة أيام لحق بهم اثنان بعدما عجزت الدولة عن تطهير بحيرة المنزلة الأم الحاضنة لهم ولـ 110 آلاف صياد من منطقة المطرية من رواسب الصرف الصحي وتعدي المواطنين عليها بالردم (تجفيف المياه) والبناء.
مصرف بحر البقر يبلغ طوله 190 كم، ويمتد من جنوب القاهرة ماراً بمحافظات القليوبية والشرقية والإسماعيلية والدقهلية ويصب في بحيرة المنزلة. كان في بداياته عام 1914 مخصصا للصرف الزراعي فقط، لكن في أوائل السبعينيات قررت الحكومة تحويله لاستقبال الصرف الصحي لسكان القاهرة الكبرى.
اللوم على القانون والهيئة
يلقي بدر الدين اللوم على هيئة الثروة السمكية لأنها جهة الرقابة وتخالف القانون رقم 124 لسنة 1983 الخاص بصيد الأسماك والاحياء المائية، بغضها البصر عن تلوث بحيرة المنزلة ونفوق الأسماك.
ويضيف أن القانون 124 يحتاج إلى تعديل تشريعي، لمواكبة مستجدات مهنة الصيد والبحيرات والمزارع السمكية، لكونه لم يواكب المستجدات التي طرأت على مهنة الصيد والتي من بينها تطور محركات المراكب البحرية والتعدي على المسطحات المائية، وتطور أساليب التحايل على القانون بسبب عدم وجود عقوبات رادعة للمخالفين او المتعدين على المسطحات المائية.
ينص القانون رقم 124 لسنة 1983 الفصل الثاني تلوث المياه ومعوقات الصيد مادة 15 على أنه لا يجوز إلقاء أو تصريف مخلفات المصانع والمبيدات الحشرية التي تستخدم في مقاومة الآفات الزراعية وما يماثلها من مواد سامة أو مشعة في المياه المصرية.
وفي المادة 16 ينص على أنه لا يجوز أن تلقى أو توضع في مناطق الصيد أجسام صلبة أو غيرها مما يعوق عمليات الصيد، فيما عدا جوابي الصيد المرخص بها.
ولفت بدر الدين إلى أنه عندما كان رئيسا لنقابة الصيادين بالمطرية قدم عددا من الشكاوى لهيئة الثروة السمكية ووزارة الزراعية لمطالبتهما بتطهير بحيرة المنزلة لكونها مصدر الدخل الوحيد لأهالي المطرية البالغ عددهم 155 ألف نسمة، ويعملون بصيد الأسماك وبيعها وورثوا المهنة عن أجدادهم ولم يكن لهم مصدر دخل غير مهنة الصيد.