أحدث الأخبار
نقل الباعة الجائلين في وسط القاهرة إلى ميدان الترجمان.. قرار جدي اتخذته الحكومة المصرية بعد أيام من أدائها اليمين الدستورية سعيا لاعادة النظام إلى شوارع العاصمة واستعادة ما تصفه بهيبة الدولة.
كان مجلس الوزراء قرر نقل الباعة الجائلين في وسط القاهرة إلى منطقة الترجمان، وتوزيع الأماكن عليهم عن طريق القرعة بين كافة البائعين المسجلين بمحافظة القاهرة.
وبعد أن اطمأن الحال للحكومة بعض الشيء في المسار السياسي، بعد ان أصدرت قانون التظاهر، أواخر العام الماضي، وقننت من الاحتجاجات المناهضة للنظام، فإن القرار الجديد يضعها في مواجهة مع قطاع آخر في المجتمع أيد كثيرون من أبنائه الرئيس عبد الفتاح السيسي.
وظاهرة الباعة الجائلين ليست بجديدة على المجتمع المصري إلا أنها تزايدت بعد ان استغل بعض الأفراد والجماعات حالة السيولة والانفلات الأمني التي عمت البلاد بعد ثورة يناير 2011 لافتراش بعض الشوارع والميادين بالبضائع المختلفة، ما أدى إلى انتشارها بشكل مخيف.
خريطة الحملة الأمنية
"مش عايزين فصال والنبي.. احنا يادوب بنقول يا هادي"، هكذا وبخت بائعة الفاكهة في ميدان "فيكتوريا" بمنطقة شبرا مصر أحد الزبائن الذي أصر علي الفصال، بينما بررت لباقي الزبائن رفضها للفصال مرة أخري، خاصة بعد غيابها عن المنطقة يومين، خلال مكوث الحملة الأمنية التي قام بها الحي وقسم الشرطة التابع له هذه المنطقة، وعربات الأمن المركزي المكتظة بالمجندين.
"احنا بقالنا يومين بنلعب عسكر وحرامية.. وبنقف في الحواري اللى ورا.. عشان البيه الظابط قال خلاص محدش هيرجع تاني هنا.. والكلام المرة دي مش زي زمان.. واحنا لما رجعنا الكام يوم اللى فاتوا بعد نص الليل.. لقيناهم تاني يوم واقفين للفجر"، تروي البائعة الثلاثينة والتي قلصت البضائع إلي الحد الذي يسمح لها بحملها سريعاً والركض في حال عودة الحملة الأمنية.
وعن عودتها اليوم للميدان رغم التشديد الأمني قالت "أحنا عرفنا الخريطة اللى بتتحرك بيها الحملة.. هما انهاردة في الوايلي والزاوية والظلات ومش هيرجعوا علي فيكتوريا.. والنبي لو قالوا لنا أن في مكان لينا محلات يعني نأجرها باسمنا مش هنقول لأ.. يعني هو حد يحب يقعد في الشارع كدة".
أكشاك علي أرض الدولة
بينما يركض الباعة ببضائعهم التي عادة ما يفقدونها خلال هروبهم من الحملات المفاجئة، تقف أكشاك مخالفة بُنيت في الثلاث سنوات الأخيرة علي طول طريق شارع أحمد حلمي الذي يربط بين منطقة "عبود" و"شبرا" فوق الأرصفة، علي مرآي ومسمع من قوات الأمن والحي التابع له المنطقة.
"مهو اللى يبني كشك أكيد معاه فلوس.. وفوق كل ده كل واحد من دول بيقول ان معاه ترخيص من الحي" هكذا يروي بائع يقف ببضاعته في شارع أحمد حلمي بينما ينظر للمحلات التي لم تطالها الحملات الأمنية بعد، ويتمني أن تكون هناك مساواة في التعامل مع المخالفات التي رأي أن بناء الأكشاك هو أكثرها خطورة لأنها مبنية علي أرض الدولة.
"بصراحة انا سمعت أن الشرطة مقفلتش الأكشاك في المظلات.. لكن حذروهم أنهم لازم يدخلوا الثلاجات جوة.. بصراحة عندهم حق لأن الواحد من دول طالع بأكثر من ثلاجة برة الكشك.. يعني مش كفاية انه مخالف وكمان مش عايز يدفع للدولة".
وأكد باعة منطقة ميدان فيكتوريا أن الحملات الأمنية هذه المرة مختلفة، وتتعامل بحزم دون تساهل علي عكس ما حدث السنين الماضية، مبررين ذلك بمراقبة أجهزة الدولة والوزير شخصياً لهذه الحملات، حتى وأن لم يستطيعوا تحديد هوية الوزير الذي يقوم بمراقبة هذه الحملات، وخلط بعضهم بين وزير التموين ووزير الداخلية.
وقامت الحكومة المصرية منذ ديسمبر 2012 بأكثر من حملة في أنحاء العاصمة القاهرة لتحديد أماكن للباعة الجائلين، إلا ان تلك المحاولت باءت بالفشل وتطور الأمر في بعض الأحيان إلى اندلاع اشتباكات بين الأمن والباعة.
الشرطة تبتسم
علي مدار أسبوع تقريباً عاد المواطن المصري لقضاء 7 دقائق تقريباً ليصل من ميدان رمسيس لميدان التحرير في حالة الإنسيابية المرورية، بعد أن اعتاد قضاء عشرين دقيقة أو أكثر خلال السنوات الأخيرة، لغلق باعة منطقة الوكالة للشارع الذي يتسع لـ 4 سيارات علي أن يسمح لمرور سيارة واحدة، حتي تصطف الملابس علي الجانبين، بينما يقف الزبائن لفرز البضائع في تمهل.
بابتسامة واسعة يستقبل ملازم أول وعدد من رجال الشرطة التهاني من المواطنين في الكمين المتواجد تحت كوبري 15 مايو عند مدخل منطقة "وكالة البلح"، "احنا طول النهار علي كدة.. نلاقي ناس بتقف تشكرنا.. وكل واحد سايق عربية.. يعدي يقول لنا الف شكر احنا كنا فقدنا الأمل"، يروي أحد رجال الحملة الأمنية في منطقة "وكالة البلح"، الذي التف حوله عدد كبير من المواطنين بالفعل.
يؤكد رئيس مباحث بولاق أن الحملات الأمنية لم تباشر عملها بصورة كاملة، نظراً لضخامة حجم المخالفات، وقال "احنا داخلين علي موسم وهو رمضان.. والعيد.. فكان لازم ناخد بالنا أننا نطبق الأوامر بإزالة كافة المخالفات لكن في نفس الوقت نراعي الفترة دي.. وطبعا لقينا مقاومة في الأول أن الناس تتحرك بالبضاعة بتاعتها.. لكن القانون في الأخر هو اللى بيطبق.. خاصة أن الدولة وفرت لهم مكان في سوق الترجمان".
يخلو مدخل الوكالة من الباعة وصفوف الملابس، بينما انتقلت كافة البضائع من الشارع إلي الرصيف، الأمر الذي برره رجال الأمن خطوة أولية لحتواء الأزمة، التي استمرت سنوات واصبحت مصدر دخل أسر كثيرة لا يمكن بترها دفعة واحدة، وإنما تقنينها بما يتناسب مع ما توفره الحكومة من مناطق لهؤلاء الباعة.
الحرب في طلعت حرب
بصعوبة شديدة كان المارة يعثرون لهم علي مخرج بين البضائع الملقاة علي الأرصفة للسير في شارع "طلعت حرب" بمنطقة "وسط البلد"، ولم يعد يتسع سوي لمرور سيارة واحدة بعد أن كان يتسع لثلاث سيارات، إلا أن الحملات الأمنية أسفرت عن إعادة فتح الطريق مرة أخري، بالرغم من استمرار وجود الباعة بشكل ما.
"مهو مش ممكن يجي في يوم وليلة ويقولوا لنا.. بخ خلاص.. دي تبقي حرب" أحد الصبية الذي يفترشون البضائع في الشارع يصف ما قامت به الحملة الأمنية علي المنطقة، والتي أدت لرحيل عدد كبير من الباعة، وتقليص آخرين لبضائعهم وعدم النزول من علي الرصيف.
"المرة دي الحكومة واخدها جد أوي.. واضح أن التعليمات من فوق خالص.. الريس يعني.. ومظنش أن لا فلوس ولا غيره هتنفع.." يري صبي اخر مستقبل تلك الحملات التي لا تشابه التي سبقتها وحاولت القضاء علي ظاهرة المخالفات في الشوراع التي أدت لتكدس مروري وخروج الباعة في الشوارع الرئيسية.