أحدث الأخبار
يمسك عبدالحكيم عبد الغفار بصورة لابنه الأكبر أحمد على شاطئ البحر المتوسط قبل نحو 18 عاما، ويبتسم قائلا إن أسرته لم تذهب إلى "المصيف" لتقضي أي عطلة على شاطئ البحر من وقتها.
ويقول "من 18 سنة الدنيا وقفت معانا منقدرش نروح نصيف"، ويشير في لقاء مع "أصوات مصرية" بمنزله -في منطقة الوراق الشعبية شمالي الجيزة التي يصلها بالقاهرة شبكة كباري فوق نهر النيل- إلى أن الخروج لعشاء عائلي في أي مطعم متوسط أصبح فوق طاقة ميزانيته.
وأظهر مسح للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء في مصر الشهر الماضي أن الأسر المصرية تنفق أقل من اثنين بالمئة من ميزانيتها على الترفيه.
ويكافح عبدالحكيم لإعالة أسرته التي تبلغ خمسة أفراد بدخله الذي يتراوح بين ألفين وثلاثة آلاف جنيه شهريا ما يضع أسرته فوق خط الفقر الذي حدده البنك الدولي بقليل.
وشهدت معدلات الفقر في مصر تزايدا مضطردا منذ مطلع القرن الحادي والعشرين حيث تدرجت نسبة الفقر من 16.7 بالمئة عام 2000، حتى 26.3 بالمئة في السنة المالية الماضية.
ووضع تباطؤ نموالاقتصاد في العامين الأخيرين مزيدا من الضغوط على الأسر المصرية.
ونما الاقتصاد بمتوسط اثنين بالمئة في السنتين الماليتين 2011-2012 و2012-2013 وسط اضطرابات سياسية مقابل ستة بالمئة في المتوسط خلال السنوات السابقة.
ووفقا لتقديرات البنك الدولي التي تقدر خط الفقر بدولارين في اليوم للفرد، فإن ما يجعل المستوى الدولي لخط الفقر لأسرة في حجم أسرة عبد الحكيم عند مستوى 2100 جنيه.
وتقل تقديرات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء في مصر لخط الفقر (والذي يعني النزول أسفله عدم القدرة على توفير الاحتياجات الأساسية)، حيث تبلغ نحو 330 جنيه شهريا بما يرسم خط الفقر لأسرة عبد الحكيم –حسب المعيار المحلي- عند مستوى 1650 جنيه شهريا.
وتقول أمل زوجة عبد الحكيم إن دخول السوق لشراء الخضروات واللحوم لإعداد طعام الغداء للأسرة أصبح كابوسا للبعض، وتضيف أنها تشتري كل احتياجاتها من سوق شعبية بالوراق ولكن الأسعار تظل مرتفعة حيث يصل كيلو اللحم الأحمر إلى نحو 65-70 جنيها مقابل نحو 55 جنيها قبل عام.
وتقول أمل إنها لم تلحظ أي تأثير لتسعيرة استرشادية للسلع الغذائية أعلنت عنها الحكومة مؤخرا.
وتضيف أن قرارا آخر بطرح مزيد من السلع بأسعار مخفضة في المنافذ الحكومية ليس له أثر يذكر، وتقول "مبنلاقيش الحاجات دي".
وأعلنت الحكومة القرارين خلال يوليو الماضي بهدف السيطرة على التضخم الذي ظل فوق مستوى العشرة بالمئة لعدة أشهر.
ويعمل عبدالحكيم عبدالغفار محاسبا بشركة خاصة لتنظيم المؤتمرات، ويقول إن عمله تضرر بسبب تأثر السياحة والانشطة الاقتصادية عامة بعد ثورة يناير 2011.
وتضرر الاقتصاد المصري وتراجعت السياحة بشدة بسبب الاضطرابات والانفلات الأمني المتواصلين منذ الإطاحة بالرئيس الأسبق حسني مبارك مطلع 2011.
ولكن عبدالحكيم يضيف أنه ليس ناقما على الثورة، وإنه يعتقد أنها كانت محاولة من الشباب لإزاحة الوجوه القديمة التي أوصلت البلاد إلى أسوأ حال، ويرى أن الإطاحة بالرئيس الإسلامي محمد مرسي أعادت هذه الوجوه إلى المقدمة مرة أخرى.
وأطاح الجيش في يوليو الماضي بمرسي إثر مظاهرات واسعة تطالب بانتخابات رئاسية مبكرة واشتباكات بين أنصاره ومعارضيه.
ويؤكد كل من عبد الحكيم وزوجته أن الأزمات المعيشية المعتادة قبل يناير 2011 مازالت تتكرر بعدها.
وتشير الزوجة إلى أن طوابير الخبز مازالت كما هي، ونقص أنابيب البوتاجاز (غاز الطهي) مازال مستمرا بشكل موسمي، حتى أنها اشترت أنبوبة بوتاجاز بسعر 35 جنيه مرة و50 جنيها مرة أخرى خلال الشتاء الماضي، قبل أن يتم توصيل الغاز للمنزل مباشرة قبل خمسة أشهر.
ويبلغ سعر اسطوانة البوتاجاز الرسمي لمستهلكي المنازل ثمانية جنيهات وللمستهلك التجاري 16 جنيها.
وتضيف أمل أن اختها التي تسكن في منطقة ميت غمر شمال القاهرة لا تجد أنبوبة البوتاجاز منذ حوالي عشرين يوما.
وبالعودة للخبز يقول عبدالحكيم "نفسي آكل رغيف عيش بخمسة قروش"، ويضيف أنه لكي يستطيع الحصول على الخبز المدعم يجب أن يذهب إلى الفرن في السادسة صباحا قبل ازدحام الطوابير.
وتبيع مصر الخبز للمواطنين بسعر خمسة قروش للرغيف وتقول الحكومة إن دعم الخبز يكلف الموازنة نحو 16 مليار جنيه سنويا.
ورغم أن عبدالحكيم يتحدث بحزن عن تآكل تقليد الإفطار العائلي الجماعي –فيما عدا يوم العطلة- بسبب اختلاف مواعيد استيقاظ والتحاق كل فرد من الأسرة بعمله أو دراسته إلا أنه يعترف بأن هذا التقليد مكلف، فإفطار يوم الجمعة –العطلة الأسبوعية في مصر- يتكلف نحو 15 جنيها.
ويقول إن هذا الإفطار يشتمل عادة على الأطعمة التقليدية مثل الفول و"الطعمية" والبيض والجبن الأبيض والخبز، ويضيف أن بعض أنواع الجبن الأغلى سعرا مثل "الرومي" قلما تحضر على مائدة منزله.
ولعبدالحكيم ثلاثة أبناء هم ياسمين وهي في الصف الثاني الإعدادي وإسلام وهو في الفرقة الأولى بكلية الحقوق بجامعة القاهرة وأحمد الذي حصل على ثانوية صناعية ويسعى للالتحاق بالجامعة.
ويقول إنه كان يتكلف نحو 100 جنيه أسبوعيا لدفع مقابل الدروس الخصوصية لإسلام (عندما كان في الصف الثالث الثانوي) وإنه الآن يكلف أقل للدروس الخصوصية لياسمين، ولكن مصروف جيب إسلام الأسبوعي في الجامعة يبلغ نفس الرقم تقريبا.
وينتقد عبدالحكيم عبدالغفار المنظومة التعليمية بشدة ويقول إنها ترهق ميزانية أسرته بسبب اضطراره للجوء إلى الدروس الخصوصية.
وتقول زوجته إن جميع الخدمات العامة متردية، بما في ذلك الصحة، وتحكي أنها تضطر لاصطحاب والدتها العجوز إلى المستشفى الحكومي حيث يعاينها الأطباء بدون كشف حقيقي ويحررون لها روشتة لا تثق فيها.
ويحكي أحمد عبدالحكيم كيف اضطر لإجراء أشعة على ذراعه في مركز طبي خاص قبل أن يضطر للذهاب لتجبيسها في المستشفى المركزي بإمبابة (الحي الملاصق للوراق)، وانتقد الإهمال الشديد الذي لاقاه هناك.
ويختتم عبد الحكيم حديثه بالقول "في النهاية المنظومة بتقول: اللي معاهوش ميلزموش".