أحدث الأخبار
كتبت: رحمة ضياء
تدلى جسد الطفل "عبد الرحمن.ج"، 12 عاما، في الهواء، بعد أن لف "حبل الغسيل" حول رقبته، وألقى بنفسه من أعلى سطح منزله بمدينة طهطا في محافظة سوهاج، يوم 3 يوليو 2015.. توقفت حياته عند الصف الخامس الابتدائي، بعد أن دفعه الخوف من عقاب والده لتشاجره مع أحد أطفال الجيران، إلى الانتحار!.
وانتهت القصة بتحرير محضر بقسم طهطا، حمل رقم 1443 إداري، بعد أن أكد والده "ج.م" أن نجله انتحر خوفا من معاقبته بعد تشاجره مع ابن الجيران، ولم يتهم أحدا بالتسبب في ذلك.
44 حالة انتحار في 2015
وفي عام 2015، وثقت "المؤسسة المصرية للنهوض بأوضاع الطفولة" 44 حالة انتحار أطفال، ترواحت أسبابها بين النفسية والأسرية والاقتصادية والصحية، فيما وقعت حوادث انتحار نتيجة محاولة الأطفال تقليد أفلام الكرتون.
وكشفت المؤسسة في تقرير حديث لها حصلت "أصوات مصرية" على نسخة منه، عن ارتفاع عدد حالات انتحار الأطفال من 22 حالة انتحار (من بداية 2015 وحتى شهر يونيو الماضي) إلى 44 حالة (حتى منتصف نوفمبر الجاري).
وقالت نسمة علي، مسؤولة الوحدة الإعلامية بالمؤسسة المصرية للنهوض بأوضاع الطفولة، لأصوات مصرية، إن المؤسسة اعتمدت في تقريرها على الأخبار التي نشرتها المواقع الإخبارية عن وقائع انتحار الأطفال، وقامت بتحليل هذه البيانات، للوقوف على أسباب الظاهرة التي تدق ناقوس الخطر في المجتمع.
واشهرت المؤسسة المصرية للنهوض بأوضاع الطفولة في فبراير 2009، ويتركز نشاطها على رفع وعي المجتمع بقضايا الطفل وحقوقه ورصد الانتهاكات الواقعة عليه.
الفئات العمرية الأكثر قابلية للانتحار
وتجاوزت نسبة الذكور، في حالات الانتحار التي رصدتها المؤسسة، نسبة الإناث، فبلغ الذكور 52% ذكور والإناث 48%.
واختلفت الفئات العمرية للأطفال المنتحرين، وسجلت الفئة العمرية من 16 إلى 18 عاما أعلى عدد حالات انتحار، بواقع 25 حالة، تليها الفئة العمرية من 11 إلى 15 عاما، بواقع 17 حالة.
وسجل الريف أعلى معدل لحالات انتحار الأطفال بواقع 75%، مقابل 25% في الحضر.
وأرجعت المؤسسة ذلك لما يعانيه الريف من تدني فى مستويات الخدمات، وارتفاع مستوى الفقر فى المدن الريفية عنها فى المدن الحضرية.
لماذا ينتحر الأطفال؟
تنوعت الأسباب التي أدت بالأطفال إلى الانتحار، وجاءت النسبة الأعلى بين الأطفال المنتحرين نتيجة مرورهم بأزمات ومشاكل نفسية، بواقع 16 حالة، حسب تقرير المؤسسة.
وأشار التقرير إلى أن الرسوب في الامتحانات والتوتر نتيجة قرب موعد الامتحان، هو العامل النفسي الأكثر تأثيرا في الأطفال، فقد لعب هذا العامل دورا رئيسيا في انتحار الطفل "عمر.ه"، 14 عاما، والذي شنق نفسه في غرفته بعد رسوبه في أحد المواد، حيث عُثر بجوار الجثة على ورقة تفيد رسوبه في الامتحان.
ورصدت المؤسسة 14 حالة انتحار أطفال نتيجة أسباب اقتصادية وأسرية، لافتة إلى أن العامل الاقتصادي هو المحرك الأول لكل الانتهاكات الواقعة على حياة الأطفال، وأن عدم توافر المتطلبات المادية يؤدى بهم إلى الانتحار، بالإضافة إلى أساليب التنشئة الخاطئة واستخدام الضرب كوسيلة للعقاب.
ويبلغ عدد الأطفال الذين يعيشون في فقر مادي في مصر 9.2 مليون طفل عام 2012/2013، بالإضافة إلى وجود 7.5 مليون طفل معرضين للفقر، بحسب تقرير حديث للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
كما سجل التقرير حالتي انتحار في صفوف الأطفال نتيجة محاولتهم تقليد أفلام الكرتون، من بينها حالة الطفل "محمود.أ" الذي انتحر بعد أن شاهد فيلما كرتونيا عن "سبايدر مان" وحاول تقليده!.
ودفعت المعاناة من الإعاقة الدائمة طفلا إلى الانتحار، لارتفاع تكاليف العلاج وعدم مقدرة الأسرة على توفيره.
ورصدت المؤسسة تعرض 10 أطفال للموت نتيجة رفض التأمين الصحى لعلاجهم، بالمخالفة لاتفاقية حقوق الطفل التي وقعت عليها مصر.
أعراض ما قبل الانتحار
وتقول الدكتورة إيمان جابر، رئيس قطاع الطفولة والمراهقة للصحة النفسية بمستشفى العباسية، لأصوات مصرية، إن كثيرا من الأطفال الذين ينتحرون يهددون بذلك مسبقا، ويجب على الأسرة أن تأخذ تهديداتهم على محل الجد.
وتشير إلى أن مرحلة المراهقة هي أكثر فترة تزيد فيها مشاعر القلق والاكتئاب، ويتسم فيها المراهقون بالاندفاع، وتنفيذ أي فكرة تخطر على بالهم، في حين يكون الوازع الديني والتفكير المنطقي رادعا للفئات العمرية الأكبر التي تفكر في الإقدام على الانتحار.
وتنصح إيمان الأسر بعرض الطفل الذي تظهر عليه أي بوادر للاكتئاب أو الانعزال أو يهدد بالانتحار، على طبيب نفسي، لأن التجاهل ربما يدفعه لمحاولة انتحار مميتة.
كما تنصح الأسر بمراقبة ما يشاهده الأطفال في التليفزيون، والحوار الدائم مع الطفل لمعرفة ما يفكر فيه، وتصويب السلوكيات الخاطئة، التي يقلد فيها ما يراه في التليفزيون دون وعي.
انتحار الأطفال ظاهرة عالمية
يعتبر الانتحار ثاني سبب للوفاة في صفوف المراهقين بعد حوادث الطرق، بحسب منظمة الصحة العالمية.
وتبلغ نسبة حالات الانتحار في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل 75% من مجموع حالات الانتحار عالميا.
وتسجل الهند أعلى معدل انتحار عالميا بواقع 35.5 حالة انتحار في كل مئة ألف من المواطنين المراهقين، تليها زيمبابوي ثم كازاخستان، بحسب تقارير لمنظمة الصحة العالمية، عن الفترة من عام 2000 إلى 2012.
وتتراوح أسباب الانتحار عالميا بين الاكتئاب، وهو المسبب الأول للانتحار في هذه الفئة العمرية، والقلق، والعنف، والاعتماد على المخدرات، بالإضافة إلى بعض الظروف في المدرسة أو المشاكل مع الأصدقاء وأزمات تحديد الهوية الجنسية.
حماية الطفل
ويقول أحمد مصلحي، رئيس شبكة الدفاع عن الطفل في نقابة المحامين، إن أحوال الطفل المصري "سيئة جدا"، ولا يتم تفعيل قوانين واتفاقيات حقوق الطفل، وفي مقدمتها حقه في الحياة.
وتنص المادة 6 من اتفاقية حقوق الطفل، التي اعتمدتها الأمم المتحدة ووقعتها مصر، على أن تعترف أطراف الاتفاقية أن لكل طفل حقا أصيلا في الحياة، وتكفل إلى أقصى حد ممكن بقاء الطفل ونموه.
ويشير إلى عدد من الانتهاكات التي يتعرض لها الطفل في مصر، مثل عدم الحصول على مستوى تعليمي جيد، والعنف سواء في المنزل أو المدرسة.
وتنص المادة 19 من اتفاقية حقوق الطفل على أن تقوم الدول الموقعة باتخاذ جميع التدابير التشريعية والإدارية والاجتماعية والتعليمية اللازمة لحماية الأطفال من جميع أشكال العنف البدني أو النفسي.
كما يشير مصلحي إلى تزايد أعداد أطفال الشوارع في مصر وتعرض بعضهم لاعتداءات جنسية، قائلا "كل هذه الانتهاكات أسباب محتملة لانتحار الأطفال".
ولا يوجد إحصاء دقيق عن عدد أطفال الشوارع في مصر رغم انتشار هذه الظاهرة، وقدرت وزراة التضامن الاجتماعي عددهم بـ16 ألف طفل في مطلع العام الجاري.
وهناك تباين كبير بين الإحصائيات الرسمية للدولة والإحصائيات الصادرة عن جهات أخرى، إذ قدر التقرير السنوي لوزارة الخارجية الأمريكية عن حالة "الإتجار بالبشر" لعام 2015، عدد أطفال الشوارع في مصر ما بين 200 ألف و مليون طفل.
وفي المادة 34، تعهدت أطراف الاتفاقية على حماية الأطفال من جميع أشكال الاستغلال والانتهاك الجنسي.
ويضيف أن الأطفال المحتجزين في السجون وفي دور الرعاية معرضون أيضا لخطر الانتحار، نتيجة سوء المعاملة أو تعرضهم للانتهاكات، أو لعدم احتمالهم لفكرة السجن والعقوبة.
وفي يوم 22 أبريل الماضي، نشرت الصحف خبرا ذكر أن الطفل "أحمد. أ" انتحر شنقا بحبل في إحدى غرف الحبس الانفرادي، بعد يومين من تحويله من النيابة للحجز بالأحداث في أسيوط، لاتهامه في قضية قتل سائق توك توك.
وتولت النيابة العامة التحقيق في الواقعة، وعمل تحريات لمعرفة السبب وراء الانتحار.
وفي 2014، بلغ عدد الأطفال الذين تضمهم دور الرعاية 9 آلاف و265 طفلا.
المجلس القومي في حالة غياب
ويقول مصلحي إن دور المجلس القومي للأمومة والطفولة "ضعيف" و"تراجع جدا"، لافتا إلى أن ذلك يؤثر سلبا على حماية الأطفال، محملا المجلس والحكومة مسؤولية حماية الطفل من اللجوء للانتحار من خلال تحسين ظروفه المعيشية، وحماية حقه في الحياة والبقاء والنمو.
ولم يتسن الحصول على تعليق من المجلس القومي للأمومة والطفولة رغم الاتصال بالمنسقين الإعلاميين للمجلس أكثر من مرة.