أحدث الأخبار
- الناس ستكون مستعدة لدفع أسعار أعلى للمياه والكهرباء لو شعرت أنها تتلقى خدمات أفضل
- نتجه لتمويل مشروعين أو ثلاثة لإنتاج الكهرباء من الطاقة المتجددة في مصر مع بداية العام المقبل
ترتبط أنشطة البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية برؤيته القائمة على تحفيز توسع القطاع الخاص في الأنشطة الاقتصادية التي تديرها الدولة، لذا أبدى فيليب تيروورد، مدير مكتب البنك في مصر، تفاؤله بالفرص التي تتيحها مصر حاليا لدخول الاستثمارات الخاصة في أنشطة مثل إنتاج الكهرباء مع تحرير أسعار الطاقة.
وقال تيروورد، في مقابلة مع أصوات مصرية، إن مؤسسته مستعدة لتقديم الدعم الفني للحكومة لتحرير خدمات المياه والصرف إذا طلبت منها الحكومة المصرية المساعدة.
وترتبط نشأة البنك الأوروبي لإعادة الإعمار بسقوط نموذج الاقتصاد الموجه مركزيا من الدولة في الإتحاد السوفيتي، إذ بدأ البنك عمله في 1991 لتمويل أنشطة اقتصادية تساعد على انتقال اقتصادات شرق ووسط أوروبا لنظام السوق.
وبدأ البنك أعماله بالقاهرة وعدد من العواصم العربية في أعقاب الربيع العربي، ويتبنى مدير البنك في مصر رؤية مفادها أن اقتصاد البلاد في حاجة لسياسات مشابهة لما جرى في شرق أوروبا وهي في مرحلة التحول الديمقراطي.
"لقد عملنا في بلدان كانت لديها تحديات مماثلة.. مثل شرق ووسط أوروبا بعد خروجها من سياسات الاتحاد السوفيتي.. عندما كانت في وضع مشابه لمصر من حيث التخطيط المركزي والبيروقراطية ونظام الدعم.. وفي تجارب هذه البلدان كانت الناس مستعدة لدفع أسعار أعلى للمياه والكهرباء لو شعرت أنها تتلقى خدمات أفضل"، على حد قوله.
ويرى تيروورد أنه "يجب أن يكون هناك توجه (لجعل الخدمات العامة) تغطي تكاليفها" في ظل ارتفاع مستويات عجز الموازنة، متساءلا إذا كان المصريون سيتقبلون تحرير الأسعار. "أظن سيتقبلونها إذا وجدوا (من وراءها) إجراءات كإصلاح الطرق وتحسن المدارس وعدم انقطاع الكهرباء خمس مرات في الصيف.. لو الناس رأت ذلك ستكون مستعدة لدفع المزيد".
فرص ربح للقطاع الخاص
شهد مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي، الذي انعقد في مارس الماضي، توقيع اتفاقيات عدة لاستثمار القطاع الخاص في توليد الطاقة الكهربائية، قدر بنك أوف أمريكا إجماليها بنحو 9.3 مليار دولار.
تيروورد الذي حضر المؤتمر وعبر عن تفاؤله بنتائجه، يرى أن اعتزام الحكومة المضي في تحرير أسعار الطاقة تدريجيا كان السبب الرئيسي وراء جذب الاستثمارات الخاصة لهذا القطاع.
"هناك العديد من المشروعات التي أصبحت متاحة لنا بفضل إصلاحات الحكومة المتعلقة بإنتاج الكهرباء وتخفيض الدعم"، واصفا بدء الحكومة في زيادة أسعار الطاقة في يوليو الماضي بأنها "خطوة جريئة للغاية وذات مصداقية وتتسم بالمهارة السياسية".
ويقول تيروورد إن البنك حاول أن يساعد الحكومة، في وقت سابق على المؤتمر، في وضع نظام للتعاقد مع الشركات الخاصة لإنتاج الطاقة "لقد نظمنا ورشة في يناير الماضي في هيئة الاستثمار.. ناقشنا فيها كيفية إصلاح اتفاقيات الشراء (للكهرباء)".
وأضاف أن "العديد من التوصيات التي قدمناها خلال تلك الورشة تم آخذها في الاعتبار عند إعداد مشروع القانون الجديد (المنظم لقطاع الكهرباء)".
كان مجلس الوزراء قد وافق، قبل أيام من المؤتمر الاقتصادي، على مشروع قرار رئاسي بمشروع قانون جديد للكهرباء، يهدف إلى تخلي الدولة عن إدارة المرافق العامة الخاصة بالكهرباء، وأن يقتصر دورها على تنظيم وضبط ومراقبة هذا النشاط.
المخاطر التي تواجه الاستثمارات
دور البنك لن يقتصر على المساعدة الفنية للحكومة في تصميم النظام الجديد للتعاقد مع القطاع الخاص على المحطات الكهربائية، لكنه يتطلع أيضا لتمويل عدد من الشركات التي تتنافس حاليا على مشروعات تطرحها هيئة الطاقة المتجددة في مجال انتاج الكهرباء.
"أبلغنا ما بين 25 إلى 30 من الشركات المنافسة باستعدادنا لتمويل مشروعاتها في حال فوزها.. وأتمنى أن نعلن عن تمويل مشروعين أو ثلاثة منها بنهاية هذا العام أو بداية العام الجديد"، يقول تيروورد.
ويرى مدير المكتب المصري أن أكبر المخاطر التي تواجه صفقات تلك المشروعات تتعلق بنقص العملة الصعبة.
"لا يوجد ضمان لإمكانية تحويل مستحقات الشركات من العملة المحلية إلى الصعبة.. لا أعتقد أنه مطروح حتى الآن تقديم ضمانة من البنك المركزي في هذا الأمر".
وانخفضت احتياطيات مصر من النقد الأجنبي بعد يناير 2011 مع تراجع تدفقات النقد الأجنبي، وبلغ الاحتياطي في مارس الماضي 15.2 مليار دولار مقارنة بنحو 36 مليار دولار في نهاية 2010.
"هناك حاجة (لتقديم ضمانات تخفض من مخاطر العملة) خلال الموجة الأولى من مشروعات الطاقة المتجددة.. فالبلاد تحتاج أن تتجنب المعوقات التي تقلل من فرص المنافسة، ومن الممكن إسقاط هذه الضمانات في الموجة الثانية" كما يضيف تيروورد.
ويقول ممثل البنك في مصر إن مؤسسته قد تُقبل على تمويل مشروعات لتصنيع معدات ترتبط باستثمارات الطاقة في مصر لتقليل ضغوط العملة في حال استيرادها من الخارج.
"أنا متأكد أنه خلال عام أو عام ونصف سيتجه المستثمرون لاقتناص فرص إنتاج ألواح طاقة شمسية محليا أو أي معدات أخرى مرتبطة بالطاقة المتجددة.. وسنكون مهتمين بتمويل هذه المشروعات".
وفي ضوء رؤية البنك في تحفيز دخول القطاع الخاص في الأنشطة التي تهيمن عليها الدولة يقول تيروورد "نحن نأمل في مساعدة حكومة مصر على إصلاح قطاعات المياه والصرف والمخلفات.. ونحن بصدد العمل على هذا مع الحكومة".
ويوضح تيروورد أن رؤية البنك لتحرير خدمات المياه والصرف تشمل زيادة "التعريفة لتغطية التكاليف التشغيلية والتمويلية والرأسمالية"، وفي الوقت ذاته لا تخلو رؤية البنك من طرح سياسات "تحمي الناس التي لا تستطيع شراء هذه الخدمات (بعد تحريرها)".
ضمانات مطلوبة للاستثمار
الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي تراجعت بشكل واضح منذ العام المالي الذي شهد اندلاع تظاهرات واسعة للإطاحة بمبارك في 2011، تنتظر اكتمال عملية تشكيل مؤسسات الدولة، كما يتضح من حديث تيروورد.
"أهم الضمانات التي يحتاجها المستثمرون تتعلق بالوضع الأمني والاستقرار السياسي.. لذلك فإن الانتخابات البرلمانية مهمة حتى نحصل على حكومة منتخبة"، هذا إلى جانب التزام الحكومة بـ"استمرار البرنامج الإصلاحي (الاقتصادي)".
وتراجع صافي الاستثمار الأجنبي المباشر من 6.7 مليار دولار في 2009-2010 إلى 2.1 مليار في العام المالي التالي، لكنه ارتفع في 2013-2014 إلى 4.1 مليار دولار.
ويعتبر تيروورد أن السيناريو المثالي للاقتصاد المصري هو أن تنتج العملية السياسية الجارية سلطة تنفيذية منحازة لإجراءات الإصلاح الاقتصادي الهادف لاحتواء العجز المالي للدولة "نتمنى أن نرى حكومة بعقلية إصلاحية يتم تعيينها على يد البرلمان".