أحدث الأخبار
كتبت: مي قابيل
جاءت بداية 2016 درامية بالنسبة لأسواق المال والسلع العالمية، مع تزايد القلق حول مستقبل نمو الاقتصاد العالمي، والذي عززه التراجع الكبير والمتواصل لأسعار البترول على مدى الأسبوعين الماضيين.
وانخفضت أسعار البترول العالمية بما يقرب من 75% خلال عام ونصف، من نحو 100 دولار إلى ما يقل عن 28 دولارا، مسجلة أقل مستوى لها في 12 عاما خلال الأيام الماضية. فما سبب هذا التراجع، وكيف يؤثر على الاقتصاد العالمي، وعلى مصر التي تستورد البترول وتصدره أيضا.
1- لماذا تنخفض أسعار النفط عالمياً؟
وصل سعر برميل البترول حالياً لأقل مستوى له منذ 2003، بعد رفع العقوبات بشكل رسمي عن إيران، لتتمكن من تصدير الخام مرة أخرى، في سوق متخم بفائض من الإنتاج لا يجد الطلب الكافي لاستيعابه.
وتتوقع الوكالة الدولية للطاقة يزيد العرض على الطلب خلال العام الجاري بمقدار مليون برميل يوميا، وذلك للعام الثالث على التوالي، بحسب ما ذكرته في تقرير لها اليوم الثلاثاء.
وكانت العقوبات الاقتصادية التي فرضت على إيران قد خفضت صادراتها النفطية من 2.5 مليون برميل يوميا في 2011، إلى نحو مليون برميل السنوات الأربع الماضية. وتعتزم إيران زيادة إنتاجها بنحو 500 ألف برميل يوميا بعد رفع العقوبات.
وتتعرض أسعار البترول لدورات من الصعود والهبوط، لكن الوكالة الدولية للطاقة تقول إن الموجة الأخيرة من هبوط الأسعار، والتي بدأت منذ عام ونصف، تختلف عن سابقاتها في أنها ليست مدفوعة فقط بزيادة الإنتاج المعروض في السوق، وإنما أيضا بتراجع الطلب العالمي.
ويرتبط انخفاض الطلب بتراجع معدلات النمو الاقتصادي العالمي، وانخفاض في نمو بعض الاقتصادات التي كان تطورها الاقتصادي السريع يغذي الطلب على البترول لسنوات، مثل الصين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، التي تراجع نموها من 10% سنويا في المتوسط لسنوات طويلة إلى نحو 6.9% في العام الماضي، وهو ما ينعكس بدوره على الاقتصاد العالمي.
2- هل ساهمت منظمة أوبك في انخفاض الأسعار؟
يرى محمد العريان، الخبير الاقتصادي والرئيس التنفيذى السابق لبيمكو، أحد أكبر صناديق الاستثمار في العالم، أن تغيرات العرض والطلب لا تبرر هبوط سعر البرميل لما دون الثلاثين دولارا، وإنما يبرره تغير النظام الذي يحكم هذا السوق.
"لم تعد هناك منظمة أوبك التي تقرر خفض الإنتاج فينخفض، وهذا تغير جوهري"، كما قال لقناة بلومبرج الاقتصادية، يوم الجمعة الماضي.
وكانت منظمة أوبك، التي تجمع أكبر دول العالم المصدّرة للبترول، تلعب دورا رئيسيا في توجيه الأسعار العالمية من خلال التحكم في كميات الإنتاج التي تضخها دولها، سواء بالزيادة أو النقص، بحسب اتجاهات العرض والطلب.
إلا أن أوبك، بقيادة المملكة العربية السعودية، أعلنت منذ 2014 توقفها عن لعب هذا الدور، وتمسكها بالحفاظ على الكميات التي تنتجها لتحتفظ بحصتها من السوق في مواجهة المنافسين، رغم زيادة المعروض بالفعل وتراجع الطلب في المقابل.
وكانت الأسعار المرتفعة للبترول قد شجعت الدول المصدرة من خارج المنظمة على زيادة إنتاجها، لمستويات قياسية خلال عام 2014، كما قال تقرير الوكالة الدولية للطاقة عن "سوق البترول في المدى المتوسط" الصادر العام الماضي.
كما سمحت الأسعار التي تجاوزت 100 دولار للبرميل في السنوات السابقة بإنتاج البترول بتكنولوجيات مكلفة، لم يكن استخدامها اقتصاديا عندما كانت الأسعار أقل من ذلك، مثل النفط الصخري الذي أنتجت الولايات المتحدة بالفعل كميات منه ساهمت في زيادة المعروض من البترول في السوق العالمي.
3-لماذا تتمسك السعودية بزيادة الإنتاج؟
رغم معارضة عدد من الأعضاء في أوبك لقرار الحفاظ على مستويات الإنتاج وما يترتب عليه من انخفاض في الأسعار، يقلل من إيرادات تلك الدول، فإن السعودية أكبر الدول المصدرة للنفط في العالم، تمسكت بعدم خفض الإنتاج، لأنها وعدد من الدول الأعضاء، تستطيع الاستمرار في الإنتاج وتحقيق مكاسب رغم تراجع الأسعار.
فتكلفة إنتاج البترول تختلف بحسب مناطق استخراجه، وما هو يجعل أثر تراجع الأسعار العالمية متباينا على الدول المصدّرة والشركات العاملة في هذا المجال. ففي بريطانيا تبلغ تكلفة إنتاج برميل البترول 52.5 دولار، بينما تصل في البرازيل إلى 49 دولارا، أما في الولايات المتحدة فالبرميل يتكلف 36 دولارا، بحسب قاعدة البيانات الخاصة بشركة ريستاد السويدية، والتي نقلها عنها موقع قناة "سي إن إن" الإلكتروني.
بينما تقل التكلفة في السعودية والكويت عن 10 دولارات في المتوسط، وتزيد إلى 10.7 دولار في العراق، وتتراوح بين 20 و23 دولارا في ليبيا والجزائر، وهي الدول التي لايزال السعر العالمي الحالي أعلى من تكلفة الإنتاج لديها.
4- كيف تأثر كبار مصدري البترول بتراجع الأسعار؟
تعاني شركات البترول من تراجع كبير في إيراداتها لم تشهده منذ التسعينيات أو ربما قبل ذلك، كما يقول تقرير لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، حيث انخفضت إيرادات الشركات التي كانت تحقق أرباحا قياسية في السنوات الماضية، مما دفعها للتخلي عن ثلثي معدات الحفر التي كانت متعاقدة عليها، كما خفضت استثماراتها في الاستكشاف والإنتاج بشكل حاد.
ويوضح التقرير الذي جاء بعنوان "ماذا وراء انخفاض أسعار البترول؟" أن نحو 250 ألفا من العاملين في مجال البترول فقدوا وظائفهم منذ بداية الأزمة الأخيرة، كما تراجعت صناعة معدات الحفر والإنتاج بشكل كبير.
وأعلنت شيفرون ورويال داتش وبريتش بتروليوم (بي بي) عن خفض كبير في النفقات، وهي شركات في وضع أفضل من المنتجين الأصغر للبترول والغاز الذين باعوا أصولهم بعد تسجيل خسائر صافية بعد أن تراجع سعر الخام بنحو ثلثي قيمته خلال عام ونصف، كما تقول الصحيفة الأمريكية.
وحذر صندوق النقد الدولي البلاد المصدرة للبترول خلال الربع الأخير من العام الماضي من أنها ستعاني أزمة مالية خلال خمس سنوات إذا لم ترتفع أسعار البترول عن 50 دولارا للبرميل، ناصحا تلك الدول بضرورة تعديل سياساتها في الإنفاق وتحقيق الإيرادات، بما يضمن لها الاستقرار المالي.
وبالفعل أعلنت السعودية، التي ساهمت الإيرادات البترولية بنحو 73% من إيراداتها في العام الماضي، عن سياسات لتقليص إنفاقها العام وزيادة إيراداتها من الضرائب وعمليات الخصخصة خلال 2016، لتقلل من عجز الميزانية العامة الذي ساهم فيه تراجع أسعار البترول العالمية. ووضعت المملكة ميزانيتها للعام الجديد بناءً على سعر متوقع لبرميل البترول يدور حول 26 دولارا.
5- ماذا تكسب مصر وماذا تخسر من البترول الرخيص؟
بلغت واردات مصر من المواد البترولية خلال العام المالي الماضي 12.3 مليار دولار، بانخفاض 6.7% عن العام السابق، في الفترة التي تراجعت فيها أسعار البترول العالمية بنحو 40%.
لكن صادرات مصر البترولية، والتي تشمل تصدير البترول الخام ومشتقاته والغاز الطبيعي وتموين الطائرات والسفن، انخفضت بنحو 30% خلال نفس الفترة، لتبلغ قيمتها 8.7 مليار دولار في العام المالي المنتهي في يونيو الماضي، بحسب أحدث بيانات البنك المركزي.
وتشير تلك البيانات إلى أن أثر تراجع أسعار البترول يظهر على الصادرات المصرية بشكل أكبر من الواردات، وهو ما ساهم في زيادة العجز بين الصادرات والواردات البترولية من 794 مليون دولار إلى 3.6 مليار دولار، في الفترة التي تراجعت فيها الأسعار العالمية بنحو 40%.
أما بالنسبة لميزانية الدولة فتوقع وزير البترول والثروة المعدنية، طارق الملا، أن تتراجع فاتورة دعم المواد البترولية مع استمرار انخفاض الأسعار العالمية خلال الفترة المقبلة، لتنخفض بنحو 6 مليارات جنيه بنهاية العام المالى الجاري، 2015/2016، عن المبلغ المستهدف في الموازنة، والبالغ 61 مليارا.
وقد يتجاوز الوفر الفعلى في مخصصات الدعم توقعات الوزير، لأن متوسط سعر برميل البترول الذي حسبت الحكومة على أساسه تلك المخصصات في ميزانية العام الجاري يبلغ نحو ٧٠ دولارا، بينما تراجع السعر العالمي لنصف هذا المبلغ تقريبا خلال الستة أشهر الأولى من العام المالي (من يوليو إلى ديسمبر 2015).
وكانت الحكومة تخطط لتحرير أسعار المواد البترولية التي تباع بسعر مدعم تدريجيا على مدى خمس سنوات، لتباع بالسعر العالمي في نهاية تلك المدة، وبدأت الحكومة بالفعل أولى مراحل تلك الخطة في العام المالي الماضي. لكن أن شريف إسماعيل، رئيس مجلس الوزراء، أعلن في نهاية العام الماضي أن المستهدف خلال 5 سنوات خفض فاتورة دعم الطاقة لتصل إلى نحو 30٪ من قيمتها الحالية.
6- متى يعود السوق العالمي للتوازن؟
أعلنت الصين اليوم عن نمو بنحو 2.5% في استهلاكها من البترول في 2015، وهو ما أنعش أسعار الخام نسبيا في أسواق السلع الدولية، إلا أن الوكالة الدولية للطاقة تتوقع أن يؤدي تراجع النمو الاقتصادي الصيني إلى استمرار انخفاض الطلب العالمي في 2016.
وبينما ترى الوكالة أن إنتاج الدول من خارج منظمة الأوبك سيقل بنحو 600 برميل يوميا خلال العام الجاري، فإنها تقول إن الكميات التي ستضخها إيران ستعادل هذا التراجع، بما يعنى أنه سيظل هناك فائضا في المعروض من البترول خلال 2016، تقدره بمليون برميل يوميا.
ويقول جان ستيوارت، الاقتصادي المتخصص في شئون الطاقة العالمية ببنك الاستثمار كريدي سويس، إنه طالما مازال هناك تراكم في مخزون الطاقة الأمريكي فالأسعار ستستمر في الهبوط".
وأوضح ستيوارت لقناة بلومبرج الاقتصادية إن تحسن الطلب مرتبط بتعافي النمو الاقتصادي العالمي.
وخفض صندوق النقد الدولي توقعاته لنمو الاقتصاد العالمي إلى 3.4%، نزولا من 3.6% في تقديراته السابقة، بسبب تباطوء النمو الصيني، وتأثير تراجع أسعار السلع الأولية على النمو الاقتصادي لعدد من الدول.
أما التوازن في جانب العرض في سوق البترول فهو "مرتبط بشيء يصعب التنبوء به وقياسه وهو نوايا المملكة العربية السعودية"، كما يقول ستيوارت.
ويتوقع محمد العريان أن تشهد السنوات المقبلة تراجعا كبيرا في الكميات المعروضة من البترول، "وصلنا الآن إلى نقطة تراجعت فيها الأسعار لدرجة تجعل خفض العرض ضروري". وفي المقابل ستحدث زيادة في الطلب، ولكن هذا لن يتم بسرعة، وإنما يستغرق سنوات في تقديره.
بينما قدر جون أويرز، نائب رئيس شركة استشارات البترول تيرنر ميسون آند كومباني، السعر الذي يتحقق عنده التوازن في سوق البترول العالمي ما بين 60 و75 دولارا للبرميل، وقال لبلومبرج إن هذا التوازن يمكن أن يحدث خلال عامين.