أحدث الأخبار
شهد الأسبوع الحالي تراجعا كبيرا في السعر الرسمي للجنيه المصري أمام الدولار حتى وصل اليوم إلى أدنى مستوياته على الإطلاق.. وتسلط "أصوات مصرية" الضوء في هذا التقرير على أهم أسباب وآثار هذا التراجع.
كم وصل سعر الدولار في السوق الرسمية والسوق السوداء؟
تراجع سعر الجنيه خلال الأسبوع الحالي 25 قرشا دفعة واحدة، ليصل اليوم، إلى 7.39 جنيه أمام الدولار، في أدنى سعر رسمي له على الإطلاق، وذلك بعد تثبيته لما يزيد عن 6 أشهر عند مستوى 7.14 جنيه.
غير أن سعر الدولار في السوق السوداء واصل الارتفاع خلال الأيام الماضية ليرتفع من مستوى 7.60 ويلامس الـ 8جنيهات أمس.
لماذا خفض البنك المركزي سعر الجنيه أربع مرات هذا الأسبوع؟
يقول هاني جنينة، رئيس قسم البحوث في بنك الاستثمار فاروس، إنه كان من الضروري أن يقوم البنك المركزي بتقريب الفجوة بين السوق السوداء والرسمية قبل مؤتمر القمة الاقتصادية الذي يعقد خلال أقل من شهرين، حتى يستطيع جذب المستثمرين ويطمأنهم على أنهم لن يخسروا في سعر العملة.
ويقول جنينة إن اختيار البنك المركزي لهذا التوقيت للسماح بهبوط الجنيه يعد نموذجيا، لأن هناك عدة متغيرات عالمية تحد من الأثر السلبي لانخفاض الجنيه أمام الدولار.
هل سينخفض الجنيه أكثر في السوق الرسمية؟
قال عدد من بنوك الاستثمار إن سعر الجنيه سوف يتعرض لمزيد من التراجع في السوق الرسمية، وقال بنك الاستثمار فاروس إن السعر من المتوقع أن يصل إلى 7.5 جنيه في مارس، ليرتفع إلى نحو 7.80 قرش بنهاية العام.
وتجاوزت أسعار الدولار اليوم توقعات بنك الاستثمار برايم الذي كان يتوقع ألا يزيد عن 7.3 جنيه في مارس المقبل.
وماذا عن السوق السوداء؟
على الرغم من أن الهدف من تخفيض سعر الجنيه في السوق الرسمية هو مواجهة السوق السوداء، إلا أن سعر الدولار في تلك السوق قفز إلى 7.95 ولامس في بعض الأوقات مستوى الـ8 جنيهات.
ويقول رئيس قسم البحوث في فاروس، إن هذا الوضع يعتبر "مرحلة مؤقتة" وتحدث بشكل مبالغ فيه فور أي قرار من شأنه تحرير العملة، متوقعا أن يعود الدولار إلى مستوى الـ 7.80 جنيه خلال شهر أو شهرين على الأكثر.
وفسر جنينة الزيادة في سعر الدولار في السوق السوداء إلى دخول دفعة جديدة من المضاربين على السعر وأن هذا السعر لا يعبر عن الطلب الطبيعي للأمور التجارية.
وقال إن التوقعات تشير إلى أن هناك تحسنا في السياحة كما أن الاستثمارات الأجنبية على الأعتاب خاصة مع اقتراب مؤتمر القمة الاقتصادية وهو ما يوفر دفعات كبيرة من العملة الاجنبية.
وتقول ايمان نجم محللة الاقتصاد في برايم، إن البنك المركزي على الأرجح سيتدخل مباشرة لمواجهة الارتفاع في السوق السوداء، وذلك عن طريق إجراءات قانونية منها ما تم الإعلان عنه اليوم بإلزام البنوك بالكشف عن أسماء كل من يودع 100 ألف دولار يوميا أو مليون دولار شهريا.
هل سيؤدي انخفاض الجنيه إلى موجة غلاء؟
تنعكس أسعار الجنيه مباشرة على أسعار السلع المستوردة، حيث أن انخفاض سعر الجنيه أمام الدولار يعني أننا نحتاج مزيدا من الجنيهات لشراء الدولار، ويظهر التأثير في هذا الجانب كلما كانت الدولة تعتمد على الواردات بشكل كبير في تلبية احتياجاتها.
ومع ذلك فإن بعض المحللين يتوقعون ألا يؤدي انخفاض الجنيه إلى موجة غلاء في الوقت الحالي، وذلك لعدة أسباب:
أولا، تقول إيمان نجم، بسبب تراجع أسعار السلع الغذائية ومدخلات الإنتاج والمواد الخام عالميا، بنسبة تتراوح بين 15 و30%، لا سيما مع انهيار أسعار البترول.
وثانيا، يقول جنينة، لأن أسعار السلع المستوردة في مصر حاليا تعتمد بشكل أساسي على أسعار السوق السوداء التي يلجأ إليها المستوردون، وبالتالي لأن تتأثر هذه الأسعار بزيادة السعر الرسمي.
وثالثا، يقول جنينة، لأن معظم العملات الأجنبية تراجعت عالميا أمام الدولار في الآونة الأخيرة، وبالتالي فإن الجنيه حتى وإن تراجع أمام الدولار، فسيظل محافظا على سعره أمام العملات الأخرى إلى حد كبير.
هل هناك من يستفيد من تراجع الجنيه؟
من المفترض أن يكون المصدرون أول المستفيدين نظرا لأنهم يحصلون على مقابل السلع التي يبيعونها في الأسواق الخارجية بالعملات الأجنبية، فعلى سبيل المثال إذا كان سعر بيع سلعة مصرية في السوق الأمريكية ب10 دولارات، فانخفاض قيمة الجنيه في مواجهة الدولار سيزيد من دخل المصدرين من بيع تلك السلعة، مع حصولهم على عوائد أكبر عند تحويل الدولارات الداخلة لهم إلى جنيه.
وهو ما يمكن المصدرين من تثبيت أسعار البيع في الأسواق الخارجية أو ربما تخفيضها للمنافسة على حصة أكبر من تلك الأسواق.
ويقول جنينة إن الدولار يصعد منذ عدة أشهر أمام كل العملات، وأن الاستمرار في تثبيت سعر الجنيه أمام الدولار، يفقد مصر أسواقها التصديرية كما أنه يرفع من تكلفة السياحة.
ويضرب جنينة مثلا، قائلا: "إذا افترضنا أن سعر الدولار كان يعادل 2 ليرة تركي و7 جنيه مصر، ثم انخفضت قيمة الليرة إلى 4 ليرات أمام الدولار، وظل الجنيه ثابتا، فإن الدولار الذي كان يشتري سلعة بـ 2 ليرة سوف يشتري وحدتين من نفس السلعة، وهو ما لن يحدث بالنسبة للجنيه.. وبالتالي يتجه المستثمرون والسياح إلى البلد الأرخص".
ولكن في المقابل قد تنكمش العوائد المصدرين إذا كانت الصناعات التصديرية تعتمد بدرجة كبيرة علي استيراد مدخلات الإنتاج من الخارج، حيث سترتفع تكلفة تلك المدخلات عندما يشترونها بالعملات الأجنبية التي زادت قيمتها في مواجهة الجنيه.
أما المستثمرون الأجانب فإن انخفاض الجنيه يحقق لهم فرصا كبيرة بالدخول إلى السوق وشراء الأسهم والسندات بأسعار أرخص، كما أنه يضمن لهم عدم تحقيق خسائر عند تحويل الجنيه إلى الدولار لتحويل أرباحه للخارج.
هل هناك انتقادات لما فعله المركزي؟
تقول إيمان نجم إن "معدل التراجع في سعر الجنيه يعد مفاجأة لأنه يتم بسرعة جدا"، وقالت إن السماح بتراجع الجنيه 5 قروش كل يوم خلال 4 أيام قد يكون لجس نبض الأسواق واختبار رد فعل السوق السوداء.
إلا أنها قالت إن هذا التدرج قد يدفع أصحاب المدخرات الدولارية إلى الإنتظار وعدم تحويلها للجنيه أملا في تحقيق مكاسب جديدة، كما أنه قد يشجع المضاربين في جمع مزيد من الدولارات لنفس السبب.
كيف يتم تحديد سعر الجنيه؟
منذ حقبة الستينات كان البنك المركزي يحدد سعر ثابت لصرف الجنيه مقابل الدولار، ومع اتجاه الحكومة إلى سياسات التحرر الاقتصادي في بداية التسعينات، سمحت الدولة بانخفاض سعر الجنيه في مواجهة الدولار.
وفي يناير 2003 أعلن البنك المركزي تبنيه سياسة "التعويم المدار"، وهي السياسة التي تربط سعر الجنيه بالعرض والطلب عليه، مع السماح للبنك المركزي بالتدخل لحمايته إذا انخفض سعره بشكل حاد.
ما هي أدوات المركزي لحماية الجنيه؟
يستطيع البنك المركزي التدخل في سوق الصرف لحماية الجنيه عن طريق ضخ العملات الأجنبية حتى تصبح متوفرة، فكلما توفر المعروض من أي سلعة كلما انخفض سعرها، وبالتالي عندما يضخ المركزي دولارات في السوق، تقل أسعارها في مواجهة الجنيه.
ما هي أبرز آليات المركزي لضخ الدولار في السوق؟
ينظم البنك المركزي مزادات لبيع الدولار إلى البنوك، وهي السياسة التي بدأها منذ ديسمبر 2012. ويبنما كان متوسط المزادات 3 مرات إسبوعيا، فإنها زادت إلى 4 مرات خلال 2014، وهو ما أرجعه خبراء إلى رغبة المركزي في دعم الجنيه.
بينما كان البنك المركزي يتدخل قبل نظام المزادات من خلال ضخ الدولارات عبر القطاع المصرفي بشكل غير معلن، تبعا لهاني جنينة.
لماذا يشتري المواطنون الدولار بأسعار تقترب من 8 جنيهات؟
هذا ما يطلق عليه السوق السوداء، وهي التعاملات التي تتم بين المواطنين خارج الأطر التنظيمية التي تعترف بها الدولة، وعادة ما يلجأ المواطنون إلى السوق السوداء نتيجة لشح المعروض من الدولار في البنوك وشركات الصرافة، بسبب ضعف تدفقات النقد الأجنبي مع تأثر أنشطة تدر العملة الصعبة مثل السياحة والاستثمارات الأجنبية بعدم الإستقرار السياسي.
واتساع الفارق بين سعر الدولار في السوق الرسمية وغير الرسمية يعود إما لممارسات المضاربة على العملة الامريكية والسعي لزيادة سعرها للتكسب من بيعها، أو إلى عدم إعتراف المتعاملين في السوق بأن السعر الرسمي للدولار يمثل قيمته الحقيقة.
كيف يسيطر المركزي على هذا الأمر؟
عندما يتسع الفارق بين سعر الدولار في السوق الرسمي والسوق السوداء، يتخذ المركزي أحد إجراءين، إما أن يتبنى إجراءات رادعة للقضاء على السوق السوداء، بصفته المسؤول عن سوق الصرف. أو أن يتوقف عن حماية الجنيه ولا يضخ دولارات كثيرة، مما يسمح بانخفاض سعر العملة المحلية لتصبح أكثر تعبيراً عن قيمتها الحقيقية في مواجهة الدولار، وبالتالي تقل الفجوة بين السعر الرسمي ونظيره غير الرسمي.
ومع نهاية 2014 توقعت بنوك استثمار عديدة تراجع قيمة الجنيه في مواجهة الدولار خلال 2015، لأنها تقدر أن الجنيه يأخذ قيمة أكبر من قيمته الحقيقية، لذا فالزيادة الأخيرة في السعر الرسمي للدولار، وهي الأولى منذ منتصف العام الماضي، كانت أمراً متوقعا.
كما أن هشام رامز، محافظ البنك المركزي، كان قد أعلن، منتصف نوفمبر الماضي، أن البنك سيتخذ إجراءات فنية خلال الفترة المقبلة للسيطرة على السوق السوداء للعملة في البلاد.
ما هي المؤشرات التي تعكس القيمة الحقيقية للجنيه؟
يعتبر ميزان المدفوعات أحد المؤشرات الرئيسية في هذا المجال لأنه يعبر عن تعاملات مصر مع العالم الخارجي، ما يجب أن تدفعه للخارج بالدولار مقابل ما يدخلها من العملة الصعبة.
وعندما يدخل مصر دولارات أكثر مما يخرج منها، يحقق الميزان فائضا، أما إذا خرجت منها دولارات أكثر، فيحقق الميزان عجزاً.
وقد حقق هذا الميزان فائضا بـ1.5 مليار دولار خلال العام المالي الماضي 2013-2014 (المنتهي في يونيو)، وهو ما يعد مؤشرا إيجابيا لصالح الجنيه.
ولكن بعض بنوك الاستثمار، مثل اتش سي، تتوقع أن يحقق هذا الميزان عجزا بـ2.1 مليار دولار خلال العام المالي الحالي 2014-2015.