أحدث الأخبار
من غير المتوقع أن تثير اجراءات أمنية صارمة ضد المحتجين اضطرابا واسعا يهدد حكم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في حين يتطلع معظم المصريين إلى وضع حد لسنوات من الاضطرابات السياسية التي عرقلت آمالهم في الازدهار.
وقتل أكثر من 25 شخصا في مطلع الأسبوع عندما قمعت قوات الأمن محتجين غاضبين مما يقولون إنها دولة بوليسية وعدم احترام لحرية التعبير وحقوق الإنسان فضلا عن سحق الحكومة لجماعة الإخوان المسلمين.
لكن دبلوماسيين ومحللين يقولون إن من المستبعد أن تتصاعد الاضطرابات بشكل كبير إذ يدعم غالبية المصريين جهود السيسي لتحقيق الاستقرار للبلاد التي أنهكتها الاضطرابات منذ الإطاحة بحسني مبارك في انتفاضة عام 2011 .
وربما يعتمد البقاء السياسي للسيسي على المدى الطويل على جهوده لحفز الاقتصاد واستحداث وظائف في أكثر الدول العربية سكانا حيث ارتفع معدل البطالة في البلاد إلى 13 بالمئة من 8.9 في المئة قبل الانتفاضة على مبارك.
لكن الأساليب التي استخدمت لإنهاء الاحتجاجات التي اندلعت في ذكرى الانتفاضة يوم الأحد ذكرت بعض المصريين بحكم مبارك ذي القبضة الحديدية والذي استمر لثلاثة عقود. وقال شهود إن الشرطة أطلقت النيران مستخدمة طلقات الخرطوش والرصاص الحي على المحتجين.
وحذر دبلوماسيون ومحللون من أن السيسي قد لا يمكنه التغاضي عن الغضب الشعبي إزاء أي شكل من أشكال الاستبداد.
ويقولون إن حدة الاضطرابات قد تتغير إذا لم يصلح السيسي جهاز الشرطة المتهم بارتكاب انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان خلال حملة أمنية عقب عزل الرئيس السابق محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين عام 2013 .
وقال ناثان براون الخبير في الشأن المصري وهو أستاذ في جامعة جورج واشنطن بالولايات المتحدة "توجد جيوب مهمة من المقاومة والاستياء لكن من المرجح أن يزداد انعزال تلك الجيوب كلما عزز النظام من وضعه."
وأضاف أن قوات الأمن "الخارجة عن السيطرة" والتي تتصرف بحصانة وانعدام للرقابة فيما يبدو هي مسؤولية السيسي. وقال "إذا لم يحدث تصحيح لذلك فقد يؤدي إلى عودة الاستياء العام الذي ينتشر من تلك الجيوب."
وأحد تلك الجيوب هو حي المطرية الفقير بالقاهرة الذي قتل فيه 18 شخصا يوم الأحد. وكتبت شتائم للسيسي على الجدران في الحي الذي يعد احد معاقل الإخوان. كما توجد كتابات مؤيدة للجماعة المحظورة.
وفي الحي الذي يوجد به كثير من الطرق الوعرة والمنازل غير المكتملة كانت نسوة يجلسن خارج مسجد في انتظار عودة الرجال من جنازة سيد سعيد حليم (20 عاما).
وقال سكان إنه قتل في تبادل لإطلاق النار أثناء اشتباكات بين المتظاهرين الإسلاميين وقوات الأمن. وقالت السلطات التي تلقي باللائمة عن العنف على الإخوان إن المتظاهرين كانوا مسلحين.
وقالت امرأة تدعى أم أحمد "المظاهرات ستستمر حتى نحصل على حقوقنا."
*البلاد منهكة
ومع أن احتجاجات يوم الأحد كانت الأكثر دموية منذ تولي السيسي منصبه في يونيو حزيران فإن اختلافات مهمة عن الوضع في عام 2011 مكنت قوات الأمن من التحرك على نحو أكثر حسما في مواجهة النشطاء في القاهرة والإسكندرية ومدن أصغر في دلتا النيل وفي الجنوب.
وأثناء انتفاضة عام 2011 اتخذ الجنود موقف المتفرج من المتظاهرين لأن مبارك كان قد أثار نفور الجيش. ولا تبدو علامات على أن السيسي فقد تأييد الجنرالات.
ومن العوامل التي تصب أيضا في مصلحة السيسي ما يلقاه من تأييد من القوى الغربية التي تنفق مليارات الدولارات في صورة مساعدات لمصر كل عام على الرغم اتهامات من جماعات حقوق الإنسان بحدوث انتهاكات واسعة النطاق.
ومع أن الحلفاء الغربيين لمصر يدعون إلى إصلاحات ديمقراطية فإنهم لم يتخذوا إجراءات صارمة لتحفيز القاهرة على التغيير. ويقول السيسي إنه يخوض حربا لمكافحة الإرهاب وهي حجة تلقى صدى بين الدول الغربية التي تشعر بالقلق من صعود مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية.
وقال دبلوماسي غربي رفيع "الاحتجاجات ليست خطرا على حكم السيسي لكنها تظهر أن البلاد ما زال تشهد سخطا وانه ينبغي معالجة أسبابه."
ويقول المنتقدون إن السيسي أعاد الحكم المتسلط إلى مصر لكن المقربين منه يدافعون عن أساليب الشرطة ويقولون إن البديل قد يؤدي إلى اضطرابات وفوضي.
وأثار مقتل الناشطة شيماء الصباغ باطلاق نيران في مظاهرة احتجاج بوسط القاهرة يوم السبت صيحات احتجاج بين النشطاء المطالبين بالديمقراطية وسرعان ما انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي صور لشيماء ووجهها ينزف.
وقال صديقها يحيى الجعفري "هم يريدون البلاد كما كانت في عهد مبارك. عفنة وصامتة ولا يتكلم فيها أحد."
وقالت السلطات إن وفاتها قيد التحقيق. لكن لم تظهر أي علامة على تخفيف الشرطة لموقفها. وكان أفراد شرطة مزودون بأسلحة آلية يقفون للحراسة طوال الأسبوع قرب المكان الذي لقيت فيه شيماء حتفها.
وقال كريم عنارة الباحث في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية "القطاع الأمني في مصر ولاسيما الشرطة في شكلها الحالي عبء ثقيل على أي محاولة ديمقراطية أو غير ديمقراطية للمضي بهذا البلد للأمام."
ولكن في وسط القاهرة حيث جرت احتجاجات نادرة قبيل حلول الذكري السنوية لانتفاضة 2011 تشير الأحاديث مع المتسوقين إلى أن المصريين سيستمرون في التغاضي عن الانتهاكات المزعومة لحقوق الإنسان مادام السيسي يحقق لهم الاستقرار.
وباستثناء حلفاء الإسلاميين فإن قليلا من الناس هم الذين يشعرون بالضيق لمقتل إسلاميين على أيدي قوات الأمن.
وقالت حمدية حسين (64 عاما) التي تعمل في متجر للأدوات الكتابية "البلد بات منهكا". وقالت إنها تتمنى لو أن آلاف الإسلاميين المحتجزين في السجون ماتوا فيها. واضافت "يجب على قوات الأمن أن تكون أكثر صرامة حتى تقضي عليهم."
*مشاريع ضخمة
ولم تركز إصلاحات السيسي الأولية على قطاع الأمن بل على إعادة بناء اقتصاد مصر. وقلص الدعم على الوقود وهو ملف حساس سياسيا الأمر الذي لقي إشادة من المستثمرين الأجانب الذين انصرف الكثير منهم عن مصر إلى جانب السياح بسبب الاضطرابات السياسية والاجتماعية منذ الإطاحة بمبارك.
ورغم أن التحرك لم يلق شعبية في الداخل ولاسيما بين الفقراء في الريف لكن لم يحدث رد فعل خطير على المستوى السياسي.
وقد يعتمد بقاء السيسي سياسيا على المدى البعيد على مشاريع ضخمة تستهدف تعزيز الاقتصاد واستحداث وظائف. وتشمل هذه المشاريع حفر مجرى مواز لقناة السويس بروح المشاريع الوطنية الطموحة للرئيس الراحل جمال عبد الناصر.
وسيتوقف الكثير أيضا على ما إذا كانت دول الخليج الثرية مثل السعودية والإمارات -اللتين تعتبران الإخوان المسلمين خطرا على وجودهما- ستبقى متحمسة لدعم السيسي ماليا رغم الانخفاض الكبير في أسعار النفط.
وقالت فلورنس عيد من مؤسسة أرابيا مونيتور البحثية "الخطر الأكبر هو أي تراجع حاد في مساعدة (الخليج) إذا استمر انخفاض أسعار النفط قبل أن تنفذ مصر إصلاحات جادة وتجتذب استثمارا أجنبيا مباشرا بصورة جدية."
وقال مصدر مطلع على آليات تفكير الحكومة في دولة الإمارات العربية إن دعم أبو ظبي للسيسي وسياساته "لن يهتز".
ولا يبدو كبار مسؤولي الأمن في مصر قلقين من المظاهرات الأخيرة والتي أعقبتها سلسلة تفجيرات استهدفت الشرطة.
وقال العميد جمال مختار مدير ادارة المتابعة وقيادة الرأي العام بوزارة الداخلية في مؤتمر صحفي إن الإخوان المسلمين فشلوا في حشد الدعم للمظاهرات ووصف التفجيرات بأنها النزع الأخير للجماعة.
وأصبح الوضع في مصر أهدأ كثيرا مما كان قبل عام عندما ألحقت مظاهرات الإخوان ضررا كبيرا بالسياحة وهي أحد أعمدة الاقتصاد.
لكن محللين يقولون إنه إذا انتشر الاستياء بشأن أساليب الشرطة شديدة الوطأة فمن المرجح أن تلجأ الشرطة عندها لإجراءات أشد قد تقوض مساعي السيسي لانقاذ الاقتصاد.
وقال أنجوس بلير رئيس معهد سيجنت البحثي "حتى لو لم تقع هجمات في مناطق سياحية وكانت في أمان فان الاحتجاجات السياسية والعنف تحتل عناوين الأخبار."
وتابع قوله "عندها سيتولد مفهوم قد يثني بعض السياح والمستثمرين عن المجيء إلى مصر أو الاستثمار فيها."