أحدث الأخبار
عام مرّ على تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي مقاليد الحكم.. شهدت خلاله السياسة الخارجية المصرية عدة تحركات على الأصعدة العربية والإقليمية والدولية.
وتقدم "أصوات مصرية" رصدا لأبرز المحطات في هذا الملف من خلال استطلاع رأي أحد الدبلوماسيين وأحد المحللين السياسيين.
* التقارب المصري الروسي
قام السيسي خلال هذا العام بزيارة إلى روسيا في أغسطس الماضي وقام نظيره الروسي فلاديمير بوتين بزيارة مصر في فبراير الماضي، واتفق الجانبان على تعزيز جهودهما لمحاربة الإرهاب وتوسيع التعاون العسكري، فضلا عن توقيع عدة اتفاقيات في مجالات متعددة أبرزها اتفاقية إنشاء محطة الضبعة للطاقة النووية.
وفي هذا الإطار، رأى مدير المجلس المصري للشؤون الخارجية، السفير أمين شلبي، أن نقطة البداية كانت بسبب رد الفعل الأمريكي بعد تظاهرات 30 يونيو، والتي انتهت بوقف تسليم جزء كبير من الأسلحة العسكرية لمصر في الوقت الذي كان الموقف الروسي المؤيد لـ30 يونيو يتزايد.
وقال شلبي، في مقابلة مع أصوات مصرية، إن موسكو بدأت في بناء علاقات جديدة مع القاهرة على المستوى الوزاري ومستوى وزراء الخارجية، فضلا عن أن الاتفاقيات العسكرية كانت الأكثر بروزا في المشهد "كي تلاحظ الولايات المتحدة أن هناك بدائل أخرى وقتها".
أما أستاذ العلوم السياسية الدكتور أحمد عبد ربه، فقد أرجع تعميق العلاقات المصرية الروسية في العام الأول من حكم السيسي إلى أن "السيسي معجب بنموذج بوتين سواء في طريقة إدارة الدولة أو حتى في النظام الاقتصادي (رأسمالية الدولة)".
وقال عبد ربه، في اتصال هاتفي مع أصوات مصرية، إنه "لا يجب أن ننسى أن كلاهما من خلفية عسكرية مخابراتية"، متسائلا "هل ستحصل مصر على دعم قوي من روسيا؟ هل سيماثل مثلا نفس الدعم الذي كانت تحصل مصر عليه من الاتحاد السوفيتي فى الخمسينيات والستينيات؟ هذا ستظهر حقيقته خلال العام القادم، ولكني أعتقد أن دعم روسيا لمصر سيكون مشروطا بالمعادلات الإقليمية المعقدة في المنطقة".
* الموقف مع الولايات المتحدة الأمريكية
قررت الإدارة الأمريكية استئناف المساعدات العسكرية لمصر مؤخرا، في مارس الماضي، بعد تعليقها بسبب عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي من الحكم في 3 يوليو 2013 عقب احتجاجات حاشدة ضد حكمه.
وعزا شلبي ذلك إلى أن "دوائر صنع القرار داخل الولايات المتحدة بدأت نوعاً من إعادة التقييم بناء على الدعم العربي والخليجي لمصر، خاصة عقب 30 يونيو، بالإضافة إلى إقرار الدستور المصري والانتخابات الرئاسية التي أعقبت ذلك ثم لقاءات السيسي الخارجية والتأكيد على الالتزام بخارطة الطريق في التحضير للانتخابات البرلمانية".
وأضاف شلبي أن "مصر تتعرض لموجة من الإرهاب ليست منفصلة ومقتصرة على مصر فقط، ولكن لها علاقة وتأثير على قوى أجنبية مثل أوروبا وكل هذه العوامل كانت دافعا قويا لاستئناف المساعدات ومازال السيسي يراوغ مع واشنطن" .
أما عبد ربه فقد رأى أن ذلك "بالقطع ذكاء من النظام، إذ تمكن بالفعل من مقايضة استقرار مصر باستئناف المساعدات العسكرية والاقتصادية مستغلا أيضا ضعف إدارة أوباما في منطقة الشرق الأوسط".
وتابع "عموما الإدارة الأمريكية الآن في أسوأ مراحلها بسبب فشل أوباما الذريع في الشرق الأوسط، ولكن على النظام المصري الاستعداد لجولة جديدة من التفاوض والمساومات بعد وصول رئيس جديد لأمريكا نهاية العام المقبل".
* استعادة الدور المصري في أفريقيا
اتفق السفير أمين شلبي والدكتور أحمد عبد ربه على أن السيسي حقق نجاحا في تعزيز علاقات مصر مع أفريقيا بعد عام من توليه الحكم.
وقال شلبي إن "مصر عادت بقوة لأفريقيا، منذ مشاركة السيسي في القمة الأفريقية عقب تعليق قرار وقف أنشطة مصر داخل الاتحاد الأفريقي"، كما أشار إلى زيارة رئيس جنوب أفريقيا جاكوب زوما إلى مصر مؤخرا ولقائه بالسيسي ما دعم تغيير نظرة جنوب أفريقيا لمصر واعترافها بأن هناك رئيسا منتخبا عقب عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي من الحكم.
وكان الاتحاد الأفريقي قام بتجميد عضوية مصر عقب عزل مرسي من الحكم، كما أعلنت حكومة دولة جنوب أفريقيا رفضها لذلك، معتبرة أن تلك الإجراءات تخالف مواثيق وأعراف الاتحاد الأفريقي.
أما عبد ربه فقال إن مجرد حضور السيسي للقمة الأفريقية في مالابو كان بمثابة اعتراف دولي بمصر، لكنه أشار إلى أن "هذا لا يعني أنه اعتراف أبدي، فمثلا مبارك كان يتمتع بعلاقات قوية للغاية مع كل الأنظمة الإقليمية والدولية، ورغم ذلك فور سقوطه داخليا رفع المجتمع الدولي عنه الشرعية والاعتراف الدولي فورا.. ما أريد قوله إنه لا يجب أبدا المبالغة في أهمية الحصول على هذا الاعتراف الدولي لأنه مؤقت ومرتبط بشرعية النظام الداخلي وقد يتغير مستقبلا".
وأشاد شلبي بتعميق السيسي للعلاقات مع السودان واحتواء أي خلاف معها، مؤكدا أن ما قام به السيسي بزيارة السودان مرتين ورد الرئيس السوداني عمر البشير بزيارة مصر ساهم في تعزيز الثقة بين البلدين.
وزار البشير مصر في أكتوبر الماضي واتفق مع السيسي على تفعيل كافة اتفاقيات التعاون المشترك المبرمة بين مصر والسودان، كما شارك السيسي مؤخرا في حفل تنصيب البشير رئيسا للسودان لولاية جديدة.
وعن أزمة سد النهضة الإثيوبي، قال شلبي إن "السيسي سار على نفس النهج في التعامل مع إثيوبيا وقام بعدد من اللقاءات والمشاورات التي أدت إلى توقيع الوثيقة الخاصة بسد النهضة وأعادت الثقة لدى أديس أبابا في مصر مجددا، وكانت ضربة قوية للنظام المصري باحتواء الخلاف الذي لا يمكن أن يحل إلا عن طريق التفاوض والدبلوماسية الناعمة".
إلا أن عبد ربه اعتبر هذه الوثيقة "مجرد اتفاقية مبادئ ولا تعني أي شيء إيجابيا سوى أنه قام بترحيل حل المشكلة فقط ليس أكثر".
وكان زعماء مصر والسودان وإثيوبيا وقعوا، في مارس الماضي، على وثيقة اتفاق مباديء بشأن سد النهضة، تشمل مبادئ تحكم التعاون فيما بين الدول الثلاث للاستفادة من مياه النيل الشرقي وسد النهضة الإثيوبي، الذي أثار إنشاؤه مخاوف شديدة في مصر من حدوث جفاف مائي محتمل خلال ملء خزان السد الذي تقيمه إثيوبيا لتوليد الطاقة الكهربائية.
وتصاعدت الأزمة بين مصر وإثيوبيا بشكل حاد منذ عام 2011، عندما شرعت إثيوبيا في تشييد سد النهضة على نهر النيل. وتقول مصر إن السد يهدد حصتها من المياه -التي تبلغ 55.5 مليار متر مكعب بما يصل لأكثر من 10 في المائة- كما سيؤدي أيضا إلى خفض كمية الكهرباء المولدة من السد العالي، وهو الأمر الذي تنفيه إثيوبيا وتقول إن "مشروع سد النهضة يخدم أغراضا تنموية لها كما يخدم مصلحة كل من مصر والسودان أكثر من إثيوبيا".
* توجيه ضربات لمعاقل تنظيم "داعش " في ليبيا
تصدر الملف الليبي أولويات السياسة الخارجية لمصر في عهد السيسي خاصة في ظل اقتتال فصائل مسلحة على الأراضي الليبية منذ الإطاحة بنظام معمر القذافي، فضلا عما تمثله ليبيا من بعد استراتيجي هام لمصر على حدودها الغربية.
وكانت القوات المسلحة المصرية شنت ضربات جوية مركزة ضد معسكرات ومخازن أسلحة وذخائر تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" في ليبيا منتصف فبراير الماضي، ردا على بث تسجيل مصور عبر حساب تابع للتنظيم يظهر عملية إعدام جماعي ذبحا لـ20 مصريا مسيحيا.
وانتقد السفير أمين شلبي "عدم المتابعة الجيدة" منذ بداية اختطاف الأقباط المصريين، ولكنه أشاد بالرد "الحاسم" للقيادة المصرية على الحادث بتنفيذ ضربات جوية ضد مواقع تابعة للتنظيم.
ويرى عبد ربه أن الرد بالضربات العسكرية كان "قطعا مهما وقلل من التأثير السلبي لحادثة قتل المصريين هناك".
* العلاقات مع الدول العربية
اقتربت مصر أكثر في عهد السيسي إلى كل من دول الخليج والأردن والجزائر والتونس، ويقول السفير أمين شلبي إن "تحركات السيسي على هذ الصعيد بكثافة ساهم في زيادة الدعم العربي لمصر خارجيا مع الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية أيضا، ورغم التغيرات التي شهدتها السعودية بوفاة الملك عبد الله بن عبد العزيز، إلا أن السيسي استطاع أن يثبت وقوف مصر بجانب المملكة في أي تهديد لها"، قاطعا بذلك الشائعات التي ترددت عن التوتر في العلاقات المصرية السعودية.
ورأى شلبي أن إحياء فكرة تشكيل قوة عربية مشتركة –قامت الجامعة العربية بتبنيها خلال قمتها الأخيرة- هو قرار حاسم اكتسب به السيسي المزيد من الدعم العربي.
من ناحية أخرى، فسّر أستاذ العلوم السياسية أحمد عبد ربه، تقارب السيسي مع دول الخليج بأن"هذه الدول لديها قوة ضغط (لوبي) على صناع القرار في أوروبا وأمريكا وتستطيع أن توفر لمصر دعما دوليا أيضا أو على الأقل تمنع تخلي الغرب عن النظام الحالي وهو ما حدث في أكثر من مناسبة".
ولم يعتبر عبد ربه أن اقتراح مصر بتشكيل القوة العربية المشتركة قرار يحسب لها، إذ يتوقع بأن يكون مصيره الفشل مدللا على ذلك بأن "الدول التي لا تستطيع أن تنسق اقتصاديا أو سياسيا لا يمكن لها أن يكون لديها قوة عربية مشتركة، الموضوع قد ينجح بشكل مؤقت وسيكون للجيش المصري الدور الأكبر فيه وسيحصد النظام السياسي بعض المكاسب السياسية وربما الاقتصادية ولكنه سيفشل سريعا مع أول خلاف، وعلينا أن نترقب مستقبل العلاقات المصرية السعودية الفترة المقبلة".
* قطـــر وتركــيا
شهدت علاقة مصر بكلتا الدولتين توترا عقب عزل الرئيس الأسبق مرسي، ما أدى إلى تخفيض التمثيل الدبلوماسي والسحب المتبادل للسفراء.
وأشاد السفير شلبي بموقف السيسي في تعامله مع قطر، حيث تم الترحيب بالأمير تميم بن حمد سواء على هامش انعقاد أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة وفي القمة العربية التي انعقدت في شرم الشيخ، إلا أن الجانب القطري لم يبد أي استعداد لتغيير موقفه.
وأشار شلبي إلى أن هذا "هو نفس الموقف التي اتخذه السيسي مع تركيا ولكن لم يكن على نفس مستوى قطر، التي تعتبر شقيقة لمصر كدولة عربية، كما أن تركيا هي التي بدأت بالمواقف العدائية وضد اختيارات الشعب المصري وأن الرئيس التركي الحالي يتحالف مع جماعة الإخوان على حساب علاقات بلاده مع مصر".
ومن جانبه، رأى أستاذ العلوم السياسية أحمد عبد ربه أن "السيسي لم ينجح بمعنى أنه لم يصلح العلاقات مع أي من قطر أو تركيا لكنه لا يحتاجهم حاليا على الأقل".
* مصر والقارة الأوروبية
خلال العام الذي تولى فيه السيسي الرئاسة، شهدت مصر أيضا تقاربا مع عدد من دول أوروبا مثل فرنسا وإيطاليا وأسبانيا وألمانيا وقبرص واليونان والمجر.
وأسفر هذا التقارب عن توقيع عدة اتفاقيات وبروتوكولات تعاون في مختلف المجالات أبرزها توقيع صفقة طائرات "رافال" العسكرية مع فرنسا، وتشكيل تحالف ثلاثي بين مصر وقبرص واليونان للحد من التوسع التركي في مياه البحر المتوسط من أجل التنقيب عن الغاز.