أحدث الأخبار
قالت مجلة فورين بوليسي الأمريكية إن الرئيس عبد الفتاح السيسي ينفذ اجراءات أمنية مشددة قبيل الذكرى الخامسة لثورة يناير لكن التهديد الحقيقي الذي يواجهه ليس من احتجاجات الشوارع وإنما من داخل نظامه حيث ظهرت توترات جديدة في الشهور القليلة الماضية.
وأضافت أنه في ظل تباطؤ النمو الاقتصادي، وتراجع احتياطيات العملة، وارتفاع معدل التضخم، وبطالة الشباب المتزايدة، يشعر المصريون بالمعاناة، ويعبرون الآن عن شكواهم بوضوح أكبر من أي وقت آخر في السنتين الماضيتين. ومع ذلك لا يظهر حماس شعبي كبير لانتفاضة أخرى. فقد مال كثير من المصريين، وربما معظمهم، نتيجة لخبرة السنوات الخمس الماضية، إلى تجنب المخاطرة سياسياً، وأصبحوا بسبب غياب بديل واضح للسيسي، يخشون أن تؤدي انتفاضة أخرى إلى زعزعة هائلة في الاستقرار. ويزيد حذرهم بسبب الفوضى الشديدة التي سادت بلدان الربيع العربي الأخرى إذ ينظر المصريون عموماً إلى حالة الانهيار في سوريا وليبيا واليمن والعراق، ويقنعون، مع المقارنة، بوضعهم الراهن على مضض.
وأشار التقرير إلى توترات جديدة في نظام السيسي، قد تنم عن حالة مقبلة من زعزعة الاستقرار. ورغم أن المحللين يكررون الإشارة إلى "الدولة العميقة" كما لو كانت كيانا موحدا مسيطرا، إلا أنها في الواقع ائتلاف فضفاض لمراكز السلطة، يتضمن هيئات الدولة مثل الجيش والمخابرات والشرطة والقضاء – وأيضاً كيانات بخلاف الدولة، مثل العائلات القوية في دلتا النيل، والقبائل في الصعيد، ووسائل الإعلام الخاصة، ومجتمع الأعمال. ورغم وجود مصالح متنافسة لمراكز السلطة دائماً (على سبيل المثال تنافست وزراة الداخلية والجيش في السنوات الأخيرة من حكم مبارك)، إلا إنها توحدت بعد إطاحة السيسي بالرئيس المنتخب محمد مرسي المنتمي للإخوان المسلمين، لسبب واحد شامل: رؤيتها للإخوان المسلمين بوصفهم تهديداً لمصالح كل منها.
وأشار التقرير إلى تراجع الخوف من عودة الإخوان المسلمين في الشهور الماضية، إذ يقبع عشرات الآلاف منهم بالسجن، فضلاً عن الانقسام المتزايد لقياداتهم بالخارج، وعدم رغبة أغلب من هم بداخل مصر في التعرض للقتل بالمظاهرات، ولم تعد المنظمة قائمة ككيان متماسك على الأرض. ويذكر التقرير أن لواء بالجيش قال في نوفمبر إنه لم يعد يسمع شيئاً عنهم، فقد تسببوا في بعض المشاكل ورأوا عدم جدوى ما يقومون به. وهكذا، فمع غياب تهديد الإخوان، الذي يوحد مراكز القوى الأساسية في نظام السيسي، ستظهر التوترات الكامنة على السطح.
ويعتبر التقرير أن تدهور علاقات السيسي مع مجتمع الأعمال مثل ساطع على ذلك. فبينما كانت لبعض رجال الأعمال شكوك حول السيسي عندما تولى الحكم في منتصف 2014، إلا أن اعتقال رجل الأعمال صلاح دياب في بداية نوفمبر، بتهمة الفساد المالي وحيازة أسلحة دون ترخيص، أفزع مجتمع الأعمال بالكامل. ونقل التقرير عن أحد رجال الأعمال المصريين قوله إن المشكلة بالنسبة له لم تكن في اعتقال دياب، حيث يؤيد اتباع القانون، ولكن في الطريقة التي تم بها اعتقاله إذ اقتحم مسلحون تابعون لقوات مكافحة الإرهاب غرفة نومه في الخامسة صباحاً، وقيدوه وابنه، وسربت بعدها الصور إلى الصحافة. وقال رجل أعمال بعد اعتقال دياب، أن ما حدث يعيد ذكرى أيام عبد الناصر عندما كان "زوار الفجر" يأخذون الناس من منازلهم فجراً. ونقل التقرير عن رجال أعمال ترجيحهم أن اعتقال دياب يتطلب تصريحا مباشرا من السيسي. وبينما توقعوا جميعاً أن يهتم السيسي بالموضوع ويتدخل، ظهر بدلاً من ذلك كأنما ينذر مجتمع الأعمال اثناء كلمته في بورسعيد إذ سألهم "لماذا تقلقون؟ لماذا تتشككون؟ اشتغلوا وابنوا وعمروا.. مما تخافون؟
وقال التقرير إن رجال الأعمال لا يرون بديلاً للسيسي حيث يجدونه صاحب اليد العليا حالياً. ونقل عن أحدهم قوله "الناس لا تحبنا، الناصريون واليسار ووسائل الإعلام – كلهم يكرهون رجال الأعمال". ومع ذلك أثارت الواقعة الخوف داخلهم، كما أثارت قلق المسؤولين الاقتصاديين من خروج الاستثمارات المحلية والأجنبية إلى مكان آخر.
ورفعت محكمة الجنايات يوم الأحد اسم دياب من قوائم الممنوعين من السفر.
وأشار التقرير إلى علامات توتر بين السيسي والأجهزة الأمنية. وقال إن تلك الأجهزة تمارس نفوذاً من وراء ستار على شبكات وسائل الإعلام الخاصة بالبلاد، ومن المرجح أنها أجازت، إن لم تكن شجعت، النقد المتصاعد فجأة الذي واجهه السيسي في الشهور الأخيرة. وفي هذا السياق، بعد اعتقال دياب وحسام بهجت ناشط حقوق الإنسان في أول نوفمبر، وجهت المذيعة لميس الحديدي اللوم إلى الحكومة إذ قالت مشيرة إلى ميل النظام إلى الاعتماد على نظرية المؤامرة لتبرير الإخفاقات المختلفة لسياسته "لا نحتاج مؤامرات خارجية، نحن المؤامرة نفسها. نتآمر بأنفسنا ضد أنفسنا!"
وبعد تحذير السيسي للمصريين من التظاهر في 25 يناير، انتقده المذيع عمرو أديب (زوج لميس الحديدي) مستخدماً كلمات غير متوقعة. إذ قال على الهواء "مصر لن تموت إذا رحلت، يوجد كثير من الأبناء جاهزين لخدمة البلاد".
وأشار التقرير أيضاً إلى شواهد على التدافع بين أجهزة الأمن المختلفة، التي تنافس بعضها عادة على التمويل والنفوذ السياسي. ويدور بعض هذه الاحتكاكات في البرلمان المنتخب حديثاً. على سبيل المثال، انسحب على نحو مفاجئ الشهر الماضي حزب مستقبل الوطن، الذي كان نجاحه في الانتخابات الأخيرة منسوباً إلى حد بعيد إلى جهاز الأمن الوطني، من الكتلة البرلمانية المؤيدة للسيسي، التي يرأسها لواء جيش سابق. وعندما عاد والتحق بالكتلة مرة أخرى بعد بضعة أيام، أوضح متحدثه الرسمي أن الحزب كان ينتظر نفوذا أكبر في المكتب السياسي للكتلة، مما يوحي بأن البرلمان الجديد قد يكون موقعاً للتوسط في تلك الاختلافات داخل النظام.
وقال التقرير إن التوتر بين الأجهزة الأمنية بدا أكثر وضوحاً على الشبكات الفضائية المصرية، حيث يوجه النقد فجأة إلى وكالات أمنية محددة بصراحة تامة. ففي أواخر ديسمبر، خلال مقابلة تليفزيونية بالبث المباشر مع المذيع يوسف الحسيني، زعم المذيع توفيق عكاشة، الذي طالما دعم نظريات المؤامرة المؤيدة للنظام، أن جهاز المخابرات العامة وجهاز الأمن الوطني تحولا ضده بعد عرضهما للدعم في السابق.
وقال "أخذوا مايريدون، ثم أصبح عكاشة مشكلة! كانوا يختفون ورائي" موضحاً أن معارضته القوية للإخوان أثناء رئاسة مرسي كانت محل تقدير تلك الأجهزة الأمنية. وفي اليوم التالي، اقترح الحسيني على السيسي وقف تدخل جهاز الأمن الوطني في السياسة المصرية.
ويؤكد التقرير أن تدخل أجهزة الأمن في السياسة المصرية لا يعد شيئاً عجيباً ولا جديداً. ولكن واقع، أن تسمح حكومة منفردة بالسلطة فجأة بنقد أجهزة أمنية بعينها، إنما يعكس صدعاً داخلياً.
ويرى التقرير أن الأهم، هو رصد مسؤولين أجانب لتوترات بين السيسي والجيش. فبينما قد يبدو الجيش قاعدة الدعم الطبيعية للرئيس، يرجع مسؤولون التوتر إلى دائرة السيسي السياسية الضيقة، التي تثير الريبة وربما الحسد وسط كبار المسؤولين الآخرين. ولم تؤد التحديات الأمنية والاقتصادية المتزايدة في مصر سوى لزيادة مخاوف الجيش. ونقل التقرير عن أحد المسؤولين قوله إن اللواءات يرون أن السيسي معزول ومحاط بأناس لا يمتلكون إجابات. وأضاف أنهم يشرعون في طرح أسئلة مثل.. "لماذا تغرق الأسكندرية في مياه الأمطار؟ ولماذا قتل السائحون المكسيكيون؟ وهذا شيء مربك".
ويشير التقرير أيضاً إلى ما يلمح لوجود خلاف بين كبار الضباط، بسبب إظهار لواءات كبار، درجة من اللامبالاة برؤسائهم أثناء الاجتماعات مع المسؤولين الاجانب. ويرى التقرير أنه من الصعب تقدير عمق أو إلحاح تلك الخلافات داخل النظام. ومع هذا، يصعب أن تظهر دواخل نظام السيسي أمام المراقبين الخارجيين، وحتى أعضاء مراكز السلطة الأساسية يجدون الوضع الحالي مربكا. وينقل التقرير عن أحد رجال الأعمال من أصحاب العلاقات الجيدة قوله إن "هناك بالقطع صراع سلطة، ولكن من يكون اللاعبون الرئيسيون؟ كان هناك نظام قائم [في ظل مبارك] تتم فيه موازنة المصالح. ثم انهار أثناء الثورة [2011]، ولايزال الأمر في فوضى"
ويختم التقرير بأن القريبين من النظام لا يتوقعون في الوقت الحالي أي تعديل سياسي مهم، ناهيك عن تغيير النظام. وينقل عن أحد المذيعين البارزين في نوفمبر قوله "إذا حدث شيء لهذا الرجل، ستغوص البلاد في الوحل." واستدرك المذيع قائلاً إن السيسي وإن بدا مؤهلا للبقاء على القمة، إلا إنه لا يمكنه الاطمئنان لذلك بسهولة. وحذر من تفاقم المشاكل الاقتصادية في البلاد، حيث سيؤدي بدرجة كبيرة إلى تقليص هامش الخطأ أمام السيسي. وتوقع أن تبدأ المشاكل السياسية خلال عام.