أحدث الأخبار
التف بحركة نصف دائرية معطيا ظهره لجنود الأمن المركزي، ساقطًا علي ركبتيه رافعا يده اليسري وجبهته لأعلى والدماء تتدفق من عينه، وقال في ثبات: "عيني التانية راحت".
بعدها انتقل ثبات نبرة صوته إلى من حوله، وتوقفت المعركة الدائرة بين الثوار والأمن في شارع محمد محمود لوهلة، لإدراك فقدان أحمد حرارة لعينه الثانية.
أحمد حرارة ذلك الشاب الذي ظهر كأيقونة من أيقونات الثورة، واضعا علي عينه اليمنى ذكري فقدانها فى جمعة الغضب 28 يناير، ليلتصق في أذهان الثوار بالرجل القوي الذي تحدي فقد نور عينيه بابتسامة العزة والكبرياء، يزداد تألق الأيقونة في الأذهان حين يفقد حرارة عيناه الثانية، وينتقل نور عينيه إلي قلبه.
بمجرد أن اختليت بنفسي وأنا في سيارة الإسعاف ناجيت الله قائلا:"الحمد لله يارب إنك طهرتني".. هكذا وصف حرارة إحساسه بعد فقده عينه الثانية وفقد آخر خيط نور ربطه برؤية الكون بعينيه.
راودت حرارة قلق قلب والدته عليه حينما بادر مسرعا للميدان، ومجئ أخيه "غير المسيس" لشارع "عيون الحرية" ليحاول إثنائه عن البقاء، وذكرى مغادرة بيته يومها وهو طالب الشهادة فكان صوت الثورة غالب.
والابتسامة تعلو وجهه، والكبرياء والكرامة يتخللان صوته.. روى حرارة بعد مرور 3 سنوات علي ذلك اليوم قائلا: "لم يكن يفرق معي ماحدث، فمن بداية أحداث الثورة تشكل لدي مبدأ بأنه لابد للشخص أن يقف في وجه الطغيان وما مررنا به جعلني أعرف أن الخوف هو عدوي الأساسي وأصبحت أفرح لأي شخص يستشهد، فإما العيش بكرامة أو الموت".
محمد محمود كانت ملحمة صمد الثوار فيها قرابة الـ10 أيام، وكانت بمثابة انتصار علي "المجلس العسكري" وألزمته بتحديد موعد لتسليم السلطة، لذا لن يتم ذكرنا في التاريخ، هكذا وصف حرارة أحداث محمد محمود.
كانت المفارقة أن أول من أسعف حرارة هو شاب يدعي محمود الجارحي، من الإخوان المسلمين شارك بصفة فردية برغم تشويه التنظيم لثوار شارع محمد محمود، ونقله على موتوسيكل للمستشفي الميداني وذهب معه لـ4 مستشفيات محاولا إنقاذه لإيقاف النزيف.
"الإخوان بايعين من بدري أوي، كانوا موجودين في موقعة الجمل وباعونا بمفاوضاتهم مع عمر سليمان والمجلس العسكري".. لم ينس حرارة خيانة جماعة من أسعفه، قائلا: هم بالنسبة لي فصيل إرهابي واستغلالي ولا يمكن الثقة بهم واعتذارهم عن تخليهم عنا فى "محمد محمود" غير مقبول.
عقب الموجة الثورية الثانية ضد الإخوان، تظهر بين الحين والآخر دعوات للمصالحة معهم هدفها قبول المجتمع لهم والقضاء على ظاهرة العنف المتواترة بين أطراف الشعب.
يقول حرارة: المصالحة معهم قد تتم إعلاميا أو علي ورق ولكن في حقيقة الأمر الشعب لافظ للإخوان المسلمين، ولكي تتم المصالحة فعليا لابد من الاعتراف بالجرم ومحاسبة كل من أخطأ علي مستوي كل الأطراف والاعتراف لأم وأب الشهيد بالخطأ، وبعد ذلك من الممكن أن تتم المصالحة بين أطراف الوطن جميعا.
عقب سقوط الإخوان أطل قانون التظاهر على الساحة السياسية، رفضته بعض القوى الثورية، وحبس بناء عليه عدد من النشطاء الثوريين، وظهرت دعوات للإفراج عن والتنديد بالقانون.
من وجهة نظر حرارة، فإن قانون التظاهر تم عمله من أجل إسكات أي شخص يتعارض مع رؤية النظام، قائلا: أصبح مطلوب منا كمواطنين الصمت عن أي انتهاك يحدث أمامنا"، مؤكدا أن التظاهر حق كفله الدستور، وهو مكتسب للثوار منذ 25 يناير، وما جعل السلطة موجودة اليوم هو التظاهر.
"كان من الأولي قبل عمل قانون التظاهر، الاتجاه لعمل قوانين تخص العدالة الانتقالية وتطبيق العدالة الاجتماعية وبعدها يأتي قانون التظاهر"، حسب رأيه، ويكمل بأسى: "حتي من نزل للتعبير عن رفضه للقانون تم القبض عليهم، ويقبع الآن داخل السجون في ظل أحكام غريبة من القضاء، ويخوضون معركة الأمعاء الخاوية في محاولة للتحدي".
وحول القضاء قال حرارة: إن ما يحدث تجاوز الحدود ولا يوجد عدل، فليس من الطبيعي أن يتم حبس شخص احتياطيا في أحد الأقسام لمدة عام، مشددا على أن القانون والدستور يتم انتهاكهما من خلال القضاء، على حد قوله.
"هناك 104 مواطنين ماتوا في السجن في الفترة من أغسطس 2013 وحتي سبتمبر 2014 ولم يحاسب سوي أمين شرطة فقط" وفق المعلومات التى بحوزة حرارة لطبيعة عمله فى المجال الحقوقى، مؤكدا أنه تكملة لقانون التظاهر لإسكات الحقوقيين. والجمعيات الأهلية التى تتحمل عبئا كبيرا بدلا عن الدولة في مجال التأهيل والتنمية، ويكافأوا بمسودة قانون لتقييد تعاملاتهم فى الدولة، ويتحكم فيهم ضابط أمن الدولة وهو من سيحدد الذي يعمل.
لم يندهش حرارة كثيرا حين أطل الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك من إحدي وسائل الإعلام بتصريحاته الصحفية في أكتوبر الماضي، ففي رأيه أن النظام القديم لم يسقط مرورا بالرئيس المعزول محمد مرسي، والذي كان حلقة في نفس النظام، موضحا أن أول من ركب الطيارة مع مرسي كان رجال أعمال نظام مبارك.
يتابع حرارة: النظام كله فاسد لأنه لم يبن علي 3 أشياء مهمة وهي الشفافية والرقابة والحساب، والنظام لم يسع لتطبيق هذا لأنه كده بيفتح علي نفسه النار.
ويستطرد: النظام الذي نزلت الناس لإسقاطه يعود مرة أخري ولم يتغير والشارع يعلم ذلك تمام العلم.. المواطن محبط وليس لديه قوت يومه والإرهاب منتشر، وعايزين يخلوا المواطن يقول ولا يوم من أيامك يا مبارك.
قدم الدكتور محمد البرادعي استقالته من منصب نائب رئيس الجمهورية عقب أحداث فض اعتصام رابعة. وفي رأيه يري حرارة أن النظام أجبرنا كشعب علي إغماض عيننا عن ما وصفه بـ"مجزرة تانية" حدثت في رابعة واتفرض علينا الصمت، لأن الإعلام لم يقل الحقيقة، ومن كان يصف أحداث فض رابعة بالمجزرة كان يتم تخوينه.
ويضيف حرارة: الإخوان إرهابيون ولكن كان لابد أن يتم التعامل معهم بطريقة أفضل خلال أحداث الفض، فالنظام يريدنا أن نري الدم ونصمت، في رأيي طالما الدم مهان أصبح كل شىء مستباح بعده.
يؤكد حرارة أن تشويه البرادعي يحدث منذ أيام المخلوع مبارك، وإن كنت أختلف مع البرادعي في بعض النقاط، فهو بالنسبة لي ليس خائنا أو عميلا بل علي العكس هو رجل وطني.
ويستطرد: لا أعرف إن كنت قد اتخدعت في تمرد أم لا، ولكني كنت أحد الذين عملوا معهم من أول يوم، وكل ما اتفقنا عليه تغير تماما في آخر أسبوع.
ويتابع: كنا متفقين علي دستور جديد، فأصبح هناك تعديلا للدستور، وبدلا من لجنة تنسيقية من إسكندرية لأسوان أصبحت لجنة 30 يونيو وبها أقل من 80 شخصا فقط.
مرت الذكري الثالثة علي أحداث ماسبيرو قبل شهر مضي، تلك الأحداث التي قتل فيها 23 قبطيا ودهس بعضهم بالمدرعات، يعبر حرارة عن اندهاشه واستغرابه من صمت الكنيسة عن حق هؤلاء قائلا: "هما عايزين يسامحوا في ده براحتهم، لكن أنا كمواطن مسامحتش في حق اللي راح".
جاءت الانتخابات الرئاسية لتمثل الخطوة الثانية في خارطة الطريق وترشح لخوضها الرئيس عبد الفتاح السيسي وحمدين صباحي ليفوز الأول بها ويصبح رئيسا للجمهورية.
وعن مشاركة صباحي يقول حرارة: مشاركة حمدين صباحي في الانتخابات الرئاسية تمثيلية معروف أحداثها مسبقا، وكنت لا أتمني أن يقدم على هذه الخطوة ومشاركته لم تجعل منه زعيما للمعارضة... كما أن النظام يريد معارضة لطيفة، معارضة التطبيل وأحزاب كارتونية مثل (التجمع والوفد).
وتابع حرارة: بمجرد مجيء الرئيس عبد الفتاح السيسي، سارع الإعلام بتشويه أحزاب المعارضة الحقيقية، ووصفهم بالعملاء والخونة، والعمل على إعادة الإخوان إلى الحكم، حتي لا تصبح هناك معارضة علي الساحة السياسية ولا يوجد لهم منبر إعلامي يعبرون من خلاله عن آرائهم.
وأكد أن ما يجعل قوي المعارضة الحقيقية غائبة عن الساحة عدم وجود منفذ إعلامي لهم وعدم وجود فرصة للعمل علي الأرض لهذه الأحزاب.
وأوضح أن ما يحدث أن الإعلام يعمل مع السلطة ويزيف الحقائق، ويجمل النظام ويتجاهل الحديث عن ملفات بعينها ويلمع القرارات والوزراء، مشيرا إلى أن هذا التوجه من الإعلام يهدم الدولة ولايبنيها.
ولفت إلى أن الواقع غير ما يصوره الإعلام مضيفا: فحياة المواطنين (زي الزفت) ومازالت الشرطة تعامل المصريين والأجانب بـ(قلة أدب).
وردا علي سؤال هل الوطنية تتعارض مع انتقاد النظام في ظل الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد في حربها ضد الإرهاب؟ قال: مصر تحارب الإرهاب وجميعنا فداء الوطن، ولكن هناك مؤسسات ووزارات لابد أن تعمل علي خدمة المواطن.
ويستطرد: وفي حالة وجود خلل بعمل هذه المؤسسات والوزارات لابد من انتقادها لتصحيح الخلل والمساءلة، ليصبح القانون سائدا علينا جميعا المسئول قبل المواطن.
ويضيف: الوطن بالنسبة لِي هو المواطنون.. ما جعلني أستمر في هذا البلد هم: المواطنون وما جعلني أنزل في الثورة هو حُبي لهؤلاء المواطنين، وما يهمني أن الغلابة يعيشوا حياة آدمية وكي يعيشوا هذه الحياة لابد من وجود الشفافية والرقابة والحساب في المجتمع.
وبسؤاله عن الإرهاب في سيناء قال حرارة: الحل في تنميتها وتعميرها ولابد من تأمين هذه البقعة الغالية على كل المصريين، ولابد من غلق وحرق كل الأنفاق ولكنه في نفس الوقت يهمني الصالح العام، فمن الضروري أن قرار التهجير يتم بطريقة ترضي المواطن وتعوضه.
وانتقد حرارة قرار اشتراك الجيش في تأمين المنشآت المدنية بصيغته المطاطية الحالية، مشيرا إلى أنه يؤيد ضرورة وجود التأمين ولكن بشيء من التحديد.
ويضيف: إشكالية القرار بصيغته الحالية أنه من الممكن أن يؤدي بمواطنين عاديين للمحاكمة العسكرية، لو ذهبوا مثلا للوحدة المحلية اعتراضا علي انقطاع المياه لديهم أو وجودهم في شركة الكهرباء وحدوث أزمة هناك.
وعن إمكانية خوضه للانتخابات البرلمانية المقبلة قال: من المستحيل أن أخوض الانتخابات البرلمانية، مرجعا قراره لقناعته بأن البرلمان المقبل سيعمل على إعادة دولة مبارك بالتشريعات التي تحتاجها والتي ستكون ضد المواطن.
واختتم حرارة حواره مع "بوابة الأهرام"، بالتأكيد أن تشويه الثوار والثورة أمر طبيعي، مشيرا إلى أن الأمر لم يتوقف عند التشويه وإنما الهدف أصبح سجنهم وإقصاءهم ونفيهم.