أحدث الأخبار
كتب: محمد جاد
في قاعة بفندق يطل على النيل دارت مناقشات بين ممثلي كبرى شركات البترول الأجنبية العاملة في مصر حول قضايا فنية كنظم تسعير الغاز والمناطق المرشحة لاستخراج النفط.
وهي نقاشات وإن بدت نخبوية لكنها ترتبط مباشرة بقضايا تهم رجل الشارع الذي يبحث عن العملة الأمريكية في مكاتب الصرافة أو يعاني من انقطاعات الكهرباء.
نقاشات الشركات الأجنبية في مؤتمر "مصر للغاز والبترول 2015"، الذي يختتم أعماله اليوم، حملت العديد من العبارات المتفائلة، والتي جاءت مدفوعة بمساعي الحكومة للتسريع باعتماد اتفاقيات الاستكشاف وسداد الديون بعد أن تأثر القطاع بالاضطرابات السياسية الماضية.
وإن كانت تعليقات ممثلي القطاع، الذي يمثل نحو ثلاثة أرباع صافي الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي تتدفق على البلاد، تعكس تطلعه إلى امتيازات إضافية حتى يستعيد شهيته الاستثمارية مرة أخرى.
"منذ 2011 وحتى منتصف 2013 لم يتم توقيع أي اتفاق او امتياز (لاستكشاف البترول والغاز) رغم أن هناك أكثر من 50 اتفاقية تم توقيعها في العام الماضي" كما قال ياسر طوسون، مدير القطاع المالي بشركة أباتشي مصر، في كلمته خلال المؤتمر، في إشارة إلى تعطل عملية اعتماد اتفاقيات استكشاف النفط قبل التحولات السياسية في 30 يونيو 2013.
وأشار إلى أن تلك المشكلة تسببت في تباطؤ معدلات إنتاج الطاقة في مصر.
وكانت معدلات إنتاج الزيوت البترولية شبه ثابتة خلال السنوات التي تلت ثورة يناير 2011، بينما تراجعت معدلات إنتاج الغاز لتصل في 2014-2015 إلى نحو 5 مليارات قدم مكعب يوميا بعد أن كانت تجاوزت الـ6 مليارات في 2010.
وشهدت البلاد في تلك الفترة تزايدا في معدلات استهلاك الغاز الذي يعد مصدرا أساسيا لإنتاج الكهرباء ما تسبب في تفاقم انقطاعات التيار الكهربائي.
وأرجع أبو بكر إبراهيم، رئيس شركة جنوب الوادي التابعة لوازارة البترول، في تصريح لأصوات مصرية على هامش المؤتمر، تأخر اعتماد الاتفاقيات إلى عدم استقرار المنظومة التشريعية بعد الثورة.
"الأعداد الكبيرة للاتفاقيات الاستكشافية التي تم توقيعها خلال الستة أشهر الأخيرة ستساهم في زيادة الاستثمارات الأجنبية المباشرة المتدفقة على مصر، لكن الإنتاج لن يرتفع في الأجل القصير"، قال باسكال دوفو، كبير الاقتصاديين لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بوحدة البحوث ببنك بي إن بي باريبا، لأصوات مصرية في تعليق بالبريد الإلكتروني.
ويتوقع صندوق النقد الدولي أن يرتفع صافي الاستثمارات الأجنبية المباشرة لمصر خلال العام المالي الجاري بنسبة 81% مقارنة بالعام السابق، لتصل إلى 6.9 مليار دولار.
وقد مثلت الاستثمارات البترولية 73.3% من الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي تدفقت على مصر في الفترة من يوليو 2013 إلى مارس 2014، بحسب أخر إفصاحات البنك المركزي.
التطور الإيجابي الثاني الذي أبرزه ممثل شركة أباتشي في كلمته بالمؤتمر، بقدر من التحفظ، هو سداد الحكومة لجزء من مديونياتها للشركات الأجنبية العاملة في مصر "قبل الثورة كانت المستحقات تدور حول مليار دولار وفي 2013 وصلت إلى 6 مليارات.. الآن أعتقد أنها بين 3 و4 مليارات.. لكن لايزال الرقم كبيرا".
وكانت أباتشي قد باعت 33% من أصولها بمصر خلال النصف الثاني من 2013، بعد تراجع قوي في سعر سهمها في السوق الأمريكية بسبب المخاطر السياسية التي واجهت استثماراتها في مصر.
ويتلهف المستثمرون الأجانب على رفع الحكومة للأسعار التي تشتري بها من الشركات مقابل الغاز المستخرج من أراضيها، حيث تكررت التساؤلات حول رؤية الحكومة لإعادة التسعير خلال جلسات المؤتمر.
ورغم تحفظ سامح صبري، مدير الأعمال التجارية والتنمية بشركة أر دبليو أي، في الإفصاح عن تفاصيل اتفاق شركته على إعادة تسعير الغاز -لم يعتمد بعد من رئيس الجمهورية- لكنه قال إنه الاتفاق الأول من نوعه في مصر، ووصفه بـ "الكفء".
"من المهم أن يكون هناك فرصة لإعادة التسعير (بالنسبة لباقي الشركات العاملة في القطاع).. وأن يُفتح الباب للمناقشة بعد أن كان السعر ثابتا لمدة 20 عاما"، يقول صبري لأصوات مصرية.
وذكرت تقارير صحفية سابقة لوكالة رويترز أن شركتي إيني الايطالية ودانة غاز الإماراتية خاضتا مفاوضات مع الحكومة لإعادة تسعير الغاز.
وبحسب محلل بي إن بي باريبا، فإن بريتش جاز التي استثمرت أكثر من 3.5 مليار دولار في مصر منذ الثورة، قالت إنها "من الممكن أن تعيد الاستثمار في الإنتاج (بمصر) عندما يتم الوصول إلى حلول بشأن ملفات الديون المستحقة والتسعير".
وكانت بي جي قد أعلنت في 2014 أنه بسبب توسع الحكومة في استخدام الغاز المستخرج من أراضيها محليا، فأنها عجزت عن تلبية الاتفاقات التصديرية التي كانت متعاقدة عليها.
ورغم أن إجمالي الاستثمارات في قطاع البترول بمصر قد ارتفعت بنحو 800 مليون دولار خلال 2013-2014، لتصل إلى 6.9 مليار دولار، لكنها لا تزيد بأكثر من نحو 200 مليون دولار مقارنة باستثمارات القطاع في 2008-2009، العام الذي شهد تذبدبات بسبب الأزمة المالية العالمية، وفقا لبيانات عرضتها أباتشي خلال المؤتمر.
وكان ممثل الحكومة في المؤتمر حريصا على إبداء مرونة في الرد على أسئلة المستثمرين حول إمكانية تعديل شروط تعاقد الحكومة معها.
وقال أبو بكر إبراهيم، لأصوات مصرية على هامش المؤتمر، إن التعديلات التي تدرسها الحكومة حاليا لا تقتصر على إعادة تسعير الغاز، لكنها تمتد إلى تيسيرات فنية تتعلق بشروط استرداد المستثمر الأجنبي لتكاليف الاستثمار ومدة تنمية الحقول.
لكنه أشار إلى أن الدستور الجديد يضع ضمانات للحكومة بألا تتجاوز مدة عقد تنمية الحقول 30 سنة منذ توقيع العقد، بما يضمن للحكومة ضبط العملية الإنتاجية.
إلا أن رئيس شركة جنوب الوادي، المسؤولة عن عمليات الاستكشاف في 740 ألف كم مربع من الأراضي المصرية، لا ينكر أن الحكومة تواجه تحديات في الوقت الحالي لجذب إستثمارات في عمليات الاستكشاف البترولية، في ظل تراجع أسعار النفط العالمية.
"أنت في تحدي لأنه عندما تنخفض أسعار النفط فإن نشاط البحث بالشركات العالمية يقف بعض الوقت أو يؤجل"، على حد قوله.
وأوضح ممثل أباتشي، في كلمته بالمؤتمر، أن معظم الشركات العالمية ستخفض من نفقاتها الرأسمالية هذا العام بسبب تراجع أسعار النفط، لكنه استدرك بقوله إنه بالنسبة لأباتشي فإن "مصر من أقل البلدان التي ستخفض استثماراتها فيها هذا العام بسبب فرص الربح المرتفعة".
وقال ايمرن ماكميلان، الباحث المتخصص في قطاع النفط بمجلة أويل أند جاز يير، إنه يتوقع أن يصل إنتاج الغاز في مصر إلى مستوى 6 مليارات قدم مكعب يوميا في 2020.