أحدث الأخبار
كتابة وتصوير: نهلة النمر
داخل أحد مكاتب منطقة وسط البلد بالعاصمة المصرية القاهرة، تجمعت توابيت خشبية تحمل رمز الصليب إلى جوار أكفان إسلامية بيضاء. لافتة كبيرة تحمل اسم "رضا العريف - مكتب حانوت قصر النيل" تعلو الباب الرئيسي للمكتب الذي علقت عليه ايضا لافتة "مغلق للصلاة".
المسمى العالمي هو شركة جنازات، أما في مصر فيطلق عليه مكتب تكريم الإنسان أو"الحانوتي".
في مهمة عاجلة توقفت عربة إسعاف أمام المكتب، لنقل تابوتين تم تجهيزهما ليحملا جسدي متوفيين روسيين، فارقا الحياة بأحد المستشفيات.
إجراءات متتالية تقوم بها مجموعة من العاملين التابعين للمكتب داخل المستشفى. وقف بينهم "رضا العريف" مالك المكتب الذي تحدث إلينا عن طبيعة مهنته، حيث يعتقد البعض أنها تتوقف عند حد توفير الأكفان أو التوابيت، لكنها كما اعتبرها "رسالة عنوانها الحفاظ على المتوفــَى".
يبدأ التحضير بالغُسل الذي يتولاه رجل دين يستدعيه المكتب بحسب ديانة المُتوفى، وتتم إجراءت الدفن بحسب رغبة الأسرة بشرط ألا تخالف أحكام الشريعة الإسلامية، حيث يرفض المكتب مهام مثل حرق الجثمان.
في حال المتوفى الأجنبي فإن مهام المكتب تمتد إلى إتمام إجراءات المطار وحجز الطائرة التي ستنقل الجثمان.
"محمد حسن" الذي كان حانوتي سرايا عابدين، هو الجد الرابع للحاج رضا الذي بدأ حياته المهنية كموظف باحدى الجهات الرسمية المرموقة، ثم دفعته ظروف مرض والده إلى الانتقال لمساعدته والاشتغال بهذه المهنة المتوارثة في العائلة منذ عام ١٨٩٠، وهو ما لا يندم عليه حيث يقول إنه يفضل العمل غير التقليدي، وهو ما يميز هذه المهنة بالنسبة له إلى جانب عدد من المميزات مثل أنها تذكره بالله وتجعله يرى الموت بشكل "موضوعي".
"مش عايز اتدفن بشكل مختلف عن الآخرين، عامل وصية شرعية بسيطة زيي زي أي حد". هكذا قال الحاج رضا الذي قد يتخيل البعض أنه سيوصي بمظاهر إضافية مثل التي تطلبها بعض الأسر، يتذكر من بينهم أسرة اشترطت وجود عشر منظمين في سرادق العزاء يرتدون زيًا موحدًا حددته سلفًا.
تُصنع التوابيت بواسطة ورش صناعية يتعاقد معها المكتب، تعمل بمواصفات محددة. والفروق الطبقية لم يسلم منها حتى الموت، فالتوابيت تقسم إلى درجات من الفخامة. يأتي على رأسها التابوت الأمريكي المصنوع من الستانلس ستيل، الذي يحافظ على الجسد أطول مدة ممكنة، وله رافعة خارجية تنقل الجثمان إلى داخل الصندوق آليًا.
مشاهير تولى دفنهم مكتب حانوت قصر النيل، من بينهم المطربتان وردة الجزائرية وذكرى، وقد صحب حادث مقتل الأخيرة ضجة إعلامية كبرى، وتسابقت حينها الصحف للحصول على صور الجثمان من الحاج رضا، لكنه رفض بشدة.
يعكس هذا ثقة العديد من الجهات به، ويُحمله في المقابل مسئولية يومية يصحبها التوتر والقلق لإتمام العمل على أكمل وجه، وهذا هو أصعب ما في مهنته كما يرى.
"الحانوتي" لقب لا يرفضه الحاج رضا، لكنه يأسف لما يحمله من انطباع سيء داخل المجتمع المصري، بينما في دول أخرى لا يحمل اللقب سوى صفته الطبيعية كعمل يرتبط بالبشر واحتياجاتهم، مثل عمل الضابط والطبيب والمسعف الذين يتعاملون مع الموت ولا ترتبط بمهنهم انطباعات سيئة، تطاردهم مثلما تطارد أصحاب هذه المهنة وأسرهم في مصر.
لكن هذا لم يمنع الحاج رضا من أن يحب مهنته، وأن يخطط من أجل أن يعمل معه ابناه في المستقبل.