أحدث الأخبار
كتب: حسين عبد الفتاح
برزت مسألة ملكية وسائل الإعلام وتأثيرها على أداء القنوات أو الصحف مع ظهور أولى القنوات الفضائية الخاصة في مصر وانطلاق القمر الصناعي نايل سات في التسعينات من القرن الماضي .. حيث أصبح السؤال المتداول في الأوساط الإعلامية: من يملك ماذا في الإعلام المصري؟
فمع قيام ثورة 1952 وتأميم الصحف والإصدارات ثم قيام الدولة بإنشاء التلفزيون المصري كانت الملكية موحدة؛ الدولة هي التي تسيطر على الإعلام وبالتالي هي التي تحدد الأجندة لكل ما يطبع أو يقال في البلاد.
وفي السبعينات عاودت الصحف الحزبية الظهور مرة أخرى، وكانت بالتالي ملكيتها للأحزاب التي أنشأتها. ولكن استمرت الصحف التي تملكها الدولة هي الأكثر تداولا وانتشارا في مصر.
ومع اقتراب أولى انتخابات رئاسة الجمهورية في تاريخ مصر، عام 2005، كانت مصر مهيئة لـ"ثورة إعلامية" فأنشأ رجال أعمال قنوات تلفزيونية خاصة، كانت بالأساس تعتمد على الترفيه وقليل من السياسة والأخبار.
وأصبح نمط ملكية وسائل الإعلام في مصر إما إعلام "قومي" تمتلكه وتدعمه الدولة، أو إعلام خاص أسسه رجال أعمال وإعلاميون.
برز في تلك الفترة اسم رجل الأعمال أحمد بهجت مالك قنوات دريم، وحسن راتب مالك قناة المحور، ثم تبعهم نجيب ساويرس مالك قناة أو تي في (التي أصبحت فيما بعد قناة أون تي في) والسيد البدوي مؤسس قنوات الحياة وتوفيق عكاشة مؤسس قناة الفراعين.
وبالرغم من السقف المنخفض -قبل ثورة يناير- لهذه القنوات في تغطية الأحداث السياسية التي تمر بها البلاد، إلا أنها تمكنت من آن لأخر من انتقاد الحكومة والمسئولين في البلاد بشكل واضح.
من جهة أخرى، فتح الباب على مصراعيه أمام رجال أعمال ومستثمرين لإنشاء صحف خاصة، فظهرت صحف مثل المصري اليوم والشروق والدستور وصوت الأمة وغيرها، واعتمدت هذه الصحف بالأساس على جيل شاب من الصحفيين لم يجد فرصته في الصحف القومية المملوكة للدولة.
ومع زيادة حدة الاستقطاب في البلاد، مع قيام ثورة 25 يناير 2011 وما تبعها من أحداث، ضخت المليارات، بمعدل غير مسبوق، كاستثمارات جديدة في الإعلام الذي تحول بشكل واضح من تناول الفنون والترفيه إلى السياسة والأخبار.
وتضاعف عدد القنوات الخاصة، فظهرت قنوات سي بي سي التي أنشأها رجل الأعمال محمد الأمين وقناة التحرير التي ساهم في تاسيسها الصحفي إبراهيم عيسى، بالإضافة لقناة النهار وقناة صدى البلد التي يمتلكها رجل الأعمال محمد أبو العنين. وأنشات قنوات عربية كبيرة قنوات خاصة بالشأن المصري بينها إم بي سي مصر وروتانا مصرية.
وكان تأثر أداء القنوات بمصالح وآراء ملاكها بالغ الوضوح خاصة بعد الثورة عام 2011.
واتضح ذلك جليا في أزمة برنامج "البرنامج" الساخر لباسم يوسف على قناة سي بي سي في أكتوبر 2013، الذي أعلن بيان لرجل الأعمال محمد الأمين عن توقفه بسبب "مخالفة يوسف لعقده مع القناة وسياستها".
وأثارت الحلقة الأولى والأخيرة من الموسم الثالث للبرنامج على سي بي سي جدلا واسعا، حيث سخرت من الشعبية التي يحظى بها وزير الدفاع المشير عبد الفتاح السيسي، كما سخرت من أداء وسياسات بعض العاملين في القناة.
ولكن يوسف أوضح أنه لا يوجد دليل أن المشير السيسي أو الحكومة مارست ضغوطا على الأمين لإصدار البيان ووقف "البرنامج"، وانتقل يوسف لقناة وفرت سقفا أعلى من الحرية وهي إم بي سي مصر.
ولكن الصحفي محمد علي خير، الذي التحق بفريق عمل سي بي سي مع اطلاق قناتها سي بي سي تو قبل أسبوعين، لا يرى أن مالك القناة يمارس ضغوطا على العاملين بها.
وأضاف خير في اتصال مع أصوات مصرية، "نحن أولا وأخيرا بشر.. عندما استثمر عشرات الملايين فعلى الأقل يجب ألا أضر بمصالحي".
وِأشار إلى أنه لم يلتق بمالك سي بي سي إلا مرة واحدة وكان اللقاء عابرا، ووصف إدارة القناة خلال الأسبوعين السابقين بالجيدة.
وعمل خير صحفيا وكاتبا في عدد من الصحف المصرية الخاصة، وانتقل مؤخرا من العمل في محطة راديو مصر المملوكة للدولة إلى راديو 9090 الخاص إلى جانب عمله في سي بي سي تو.
وقال خير إنه يميل إلى العمل في الإعلام الخاص موضحا "صاحب وسيلة الإعلام يبحث عن الإجادة ويحتاج دائما للمبدعين وممكن يغامر.. على عكس الإعلام الرسمي الذي يضمن استقراره الوظيفي" وأضاف أن هامش أكبر من الاستقلالية متوفر في الإعلام الخاص ولكنها ليست مطلقة على حد قوله.
وتأثرت الصحف والتلفزيون المصري "القومي" بالدعم الكبير الذي تقدمه الحكومة ماديا والذي يغطي خسائر فادحة لمعظمها.
وبلغت خسائر الصحف القومية عام 2012 أكثر من 3.3 مليار بحسب فتحي شهاب رئيس لجنة الثقافة والإعلام والسياحة بمجلس الشوري المنحل.
فيما بلغت خسائر اتحاد الإذاعة والتلفزيون المصري العام 2011\2012 ثلاثة مليارات و319 مليونًا، بحسب رئاسة الجمهورية في 6 ديسمبر 2012. وبلغ الدعم الذي قدمته رئاسة الجمهورية لاتحاد الإذاعة والتلفزيون لتغطية عجزه عن توفير مرتبات العاملين 724 مليون جنيه.
وقال ياسر عبد العزيز، الخبير الإعلامي في حوار سابق مع أصوات مصرية إن الدستور المصري الجديد يضع أساسا تشريعيا مرضيا لمستقبل الإعلام المصري، وأضاف أنه يحل مشكلة ملكية وسائل الإعلام للدولة ويخضعها لمؤسسات مستقلة ويقضي بإنشاء هيئة ضابطة تقوم بالإشراف على صناعة الإعلام.
وينص الدستور الجديد، على إنشاء المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام وهو هيئة مستقلة تتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال الفني والمالي والإداري ويتولى وضع الضوابط والمعايير اللازمة لضمان التزام الصحافة ووسائل الإعلام بأصول المهنة وأخلاقياتها.
كما تنص المادة 212 على إنشاء الهيئة الوطنية للصحافة وهي هيئة مستقلة، تقوم على إدارة المؤسسات الصحفية المملوكة للدولة وتطويرها.