أحدث الأخبار
كتبت: فيولا فهمي
أبرز ملامح الخريطة السياسية لعام 2015 الذي يلملم أوراقه الأخيرة استعدادا للرحيل، ربما يكون اختفاء نشاط الحركات المعارضة التي تأسست بعد ثورة يناير 2011 أو نظيراتها الكبرى التي دشنت نشاطها قبل ذلك بسنوات.
وشهدت الأعوام الثلاثة التالية على ثورة يناير ميلاد العديد من الحركات الثورية المعارضة والتي تبنى أغلبها مطالب سياسية ومدنية، لكنها سرعان ما بدأت في التواري وفقدت بريقها تحت تأثير التحولات والتحديات السياسية في مصر خلال عام 2014، حتى شهد عام 2015 الاختفاء الكامل لها.
وتباينت آراء خبراء سياسيين حول أسباب اختفاء نشاط الحركات المعارضة في مصر خلال عام 2015، حيث اعتبر البعض أن هذا الاختفاء نتاج منطقي لتضييق هوامش التعبير السلمي عن الرأي، بينما اعتبر آخرون أن مثل هذه الحركات الاحتجاجية ظاهرة ملازمة للمراحل الانتقالية يختفي وجودها وينحسر نشاطها مع اتجاه الأوضاع للاستقرار.
- لا للمحاكمات العسكرية للمدنيين
تأسست حركة "لا للمحاكمات العسكرية للمدنيين" عقب فض اعتصام ميدان التحرير بالقوة في 9 مارس 2011، ودشن نشاطها مجموعة من المحامين وممثلي الجمعيات الحقوقية والنشطاء السياسيين.
وكانت الحركة تركز على تقديم الدعم القانوني للمدنيين الذين يواجهون أحكاما عسكرية من خلال مجموعة من المحامين، إضافة إلى رصد جميع أشكال التعذيب في أماكن الاحتجاز.
كما عملت الحركة على توثيق حالات الاعتقال والاختفاء القسري والتعذيب في أماكن الاحتجاز من خلال التواصل مع ذوي الضحايا وجمع معلومات عن ملابسات وتفاصيل تلك الوقائع وإعلانها في وسائل الإعلام.
ويقول أحمد حشمت، وهو محام وعضو الحركة، إن اختفاء نشاطها خلال العام الجاري يرجع إلى إغلاق المجال العام أمام القوى المعارضة، وتجاهل الإعلام لأنشطة الحركة، وتراجع عدد المؤيدين لها في الشارع.
ويوضح حشمت أن المجال السياسي العام لم يعد يسمح بوجود فاعلين معارضين لسياسات النظام الحاكم، مدللا على ذلك بإعداد الحركة لتقرير بشأن حالات المحاكمات العسكرية للمدنيين مطلع العام الجاري وعرضه في مؤتمر، لكن لم يحضره أي من وسائل الإعلام بناء على "تعليمات أمنية"، على حد تعبيره.
- عسكر كاذبون
تأسست حركة "عسكر كاذبون" في 18 ديسمبر 2011 عقب وقوع اشتباكات دامية بين متظاهرين وأفراد من قوات الأمن والجيش في الواقعة المعروفة إعلاميا بـاسم "أحداث مجلس الوزراء" والتي جرت في نوفمبر 2011 بشارع القصر العيني.
وتميزت الحركة بتنظيم عروض"مقاطع فيديو" بالشوارع الرئيسية والميادين في عدد من المحافظات لعرض وقائع اعتداء أفراد من الجيش على المتظاهرين السلميين أثناء الفترة الانتقالية الأولى التي حَكم فيها المجلس العسكري البلاد.
وعقب تولي الرئيس الأسبق محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين السلطة في مصر في يونيو 2012،تحول اسم الحركة إلى "كاذبون باسم الدين" ونظمت عروضا مصورة لاعتداءات أنصار جماعة الإخوان على المتظاهرين السلميين ومن بينها "أحداث الاتحادية" التي قُتل فيها الصحفي الحسيني أبو ضيف في ديسمبر 2012.
لكن "كاذبون باسم الدين" لم تنل آنذاك نفس القبول والزخم الذي حظيت به "عكسر كاذبون"، ما ساهم في خفوت بريق الحركة واختفاء نشاطها تماما بالتزامن مع تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي الحكم في البلاد في يونيو 2014.
وتقول الناشطة السياسية ومؤسسة حركة "عسكر كاذبون"، رشا عزب، إن نجاح الحركات السياسية يكمن في عدد القائمين على تأسيسها ومدى إصرارهم على استمرارها، لكنها أكدت أن الظرف السياسي الذي تولد فيه أي حركة سياسية هو العامل المهم والقادر على منحها قبلة الحياة.
وتضيف عزب أن الظرف السياسي الذي ولدت فيه حركة "عسكر كاذبون" هو الذي منحها الجاذبية والجماهيرية في الشارع، مؤكدة أن "تفريغ الساحة السياسية من الحركات المعارضة قد يتسبب في حالة إحباط عام بين صفوف الشباب وجنوح بعضهم للعنف انتقاما".
- تمرد
أعلنت حركة "تمرد" عن نفسها كحركة سياسية معارضة في 26 أبريل2013، بهدف واضح ومحدد وهو سحب الثقة من الرئيس الأسبق مرسي من خلال جمع توقيعات على استمارات حملت نفس اسم الحركة.
وارتبطت "تمرد" في بداية انطلاقها بأسماء ثلاثة نشطاء سياسيين هم محمود بدر ومحمد عبد العزيز وحسن شاهين، قبل أن ينضم إليها شباب من كافة التوجهات السياسية التي عارضت استمرار حكم جماعة الإخوان المسلمين للبلاد آنذاك.
وقال المؤسسون بعد أقل من شهرين على انطلاق الحركة إنها نجحت في جمع أكثر من 22 مليون توقيع لسحب الثقة من مرسي، ودعت إلى تنظيم تظاهرات شعبية حاشدة في الذكرى الأولى لحكمه، والتي وافقت يوم 30 يونيو 2013.
كما شارك بعض مؤسسي الحركة في مشهد عزل الجيش لمرسي يوم 3 يوليو 2013، عندما أعلن السيسي، حين كان يشغل منصب القائد العام للقوات المسلحة ووزير الدفاع، خارطة الطريق للمرحلة الانتقالية.
واستمرت حركة تمرد في التواجد على الساحة السياسية من خلال عقد مؤتمرات وإصدار بيانات تتبنى مواقف مؤيدة للرئيس السابق عدلي منصور والرئيس عبد الفتاح السيسي، حتى اختفت تماما وتوارى نشاطها آواخر 2014 .
ويرجع حسن شاهين، أحد مؤسسي حركة تمرد، اختفاء الحركة إلى ضعف هيكلها التنظيمي وعدم قدرتها على مواجهة تحديات الواقع السياسي بعد انتخاب السيسي في يونيو 2014.
ويقول شاهين إن "تمرد" كانت حالة شعبية أكثر من كونها حركة سياسية معارضة، وبالتالي بمجرد أن حققت هدفها بإزاحة نظام الإخوان المسلمين والدعوة لانتخابات رئاسية مبكرة انتفى الغرض منها وتفرق مؤسسيها إلى جبهات.
- 6 أبريل
اقتبست حركة "6 أبريل" اسمها من يوم الإضراب الذي دعا إليه عمال المحلة الكبرى في السادس من أبريل 2008، وتوسع بعض الشباب في الدعوة لإضراب عام يشمل جميع المواطنين وليس العمال فقط، وانطلقت الحركة المعارضة بعد أن شهد الإضراب الذي كان شعاره "خليك بالبيت" نجاحا تنظيميا معقولاً في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك.
بعد شهور قليلة جددت الحركة نشاطها بتنظيم عدة فعاليات احتجاجية في القاهرة والإسكندرية قوبلت أغلبها بالقوة والعنف من السلطات، ودأبت الأجهزة الأمنية على اعتقال عشرات الشباب المشاركين فيها، كما تماتهام أعضائها بالعمالة والخيانة والتمويل من جهات أجنبية قبل عام 2011.
لكن الحركة هوت في بئر التمزق والانشقاقبعد شهور قليلة من اندلاع ثورة يناير، حيث انفصل عنها كبار مؤسسيها في أغسطس 2011 بسبب صراعات داخلية على تداول المناصب، وسمي المنشقون أنفسهم "حركة 6 أبريل الجبهة الديمقراطية".
ويحاكم حاليا مؤسس الحركة أحمد ماهر "35 عاما"، وعضو مكتبها السياسي محمد عادل "27 عاما"على خلفية اتهامهما بارتكاب أعمال عنف في محيط محكمة عابدين في ديسمبر 2014، وقضت المحكمة بسجنهما 3 سنوات وغرامة 50 ألف جنيه.
وتقول الناشطة السياسية أمل شرف،عضو حركة 6 أبريل "جبهة أحمد ماهر"، إن الهيكل التنظيمي للحركة لايزال متماسكا ولكن دون حراك بسبب الظرف السياسي الحالي، مؤكدة أن النظام السياسي فرض قيودا على التحركات الميدانية قد تقود المعارضين إلى السجون.
وتضيف شرف أن معظم المواطنين لم يعد لديهم استجابة للدعوات التي تطلقها الحركات المعارضة بسبب فزاعات التخوين والأخونة والإرهاب، قائلة إن "8 سنوات من عمر حركة 6 أبريل ذهبت هباءً... علينا البدء من جديد".
- الحركة المصرية من أجل التغيير "كفاية"
يعتبر المحللون والمتابعون لتجربة التحول الديمقراطي في مصر حركة "كفاية" الحركة السياسية الأم لنشأتها في ديسمبر 2004 ووقوفها في طليعة القوى المعارضة لتجديد فترة رئاسة خامسة للرئيس الأسبق حسني مبارك، والتمهيد لتولي نجله جمال مبارك الحكم من بعده من خلال رفع شعار "لا للتمديد...لا للتوريث".
نظمت "كفاية" أولى تظاهراتها يوم 12 ديسمبر 2004 أمام دار القضاء العالي بوسط القاهرة، وارتدى العشرات من مؤسسيها ملابس سوداء ورفعوا شارات صفراء كتب عليها "كفاية" ليعلنوا بذلك ميلادها رغما عن ملاحقة وحصار الأجهزة الأمنية لرموزها ومؤيديها.
ساهمت الحركة الأم في رفع هامش الحريات في المجتمع، كما زادت شعبيتها بعد نجاحها في اجتذاب العديد من المفكرين والسياسيين المعتدلين.
شاركت "كفاية" في تظاهرات ثورة يناير التي مهدت لإسقاط نظام مبارك، واختتمت نشاطها الاحتجاجي في ديسمبر 2014 بإطلاق حملة توقيعات لمحاكمة مبارك بعنوان "حاكموهم 30 سنة فساد"، في إطار الاحتفال بمرور 10 سنوات على تأسيسها، لكن خفت نشاطها وتوارت نهائي اكحركة معارضة خلال عام 2015.
يقول المنسق العام والمتحدث الرسمي باسم حركة كفاية على مدى 10 سنوات، جورج إسحق، إن الحركة أدت واجبها تجاه المجتمع، ومهدت لثورة 25 يناير من خلال كسر ثقافة الخوف، واقتناص حق التظاهر وحق نقد رئيس الدولة.
ويضيف إسحق، في مقابلة مع "أصوات مصرية"، أن "الحركة انطفأ بريقها بسبب تضييق المجال السياسي في مصر خلال العام الجاري، لكن (كفاية) ولدت فكرة والفكرة لا تموت وسيظل للمعارضة أشكال أخرى".
ظاهرة صحية
يقول رئيس وحدة المجتمع المدني بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أيمن عبد الوهاب، إن انحسار نشاط الحركات المعارضة ظاهرة صحية تدل على الانتقال من حالة الثورة إلى مرحلة بناء الدولة.
ويضيف عبد الوهاب، في مقابلة مع "أصوات مصرية"، أن الحركات الثورية يكثر تواجدها في المراحل الانتقالية، بينما يختفي نشاطها في مراحل التحول الديمقراطي.
ويوضح أن الحركات الاحتجاجية بإمكانها أن تخرج من مجال المعارضة الفوضوية إلى إطار المعارضة الرشيدة إذا نجحت في بناء خبرة مؤسسية في التعامل مع قضايا المجتمع لتحظى بدعم مجتمعي مقبول.
هدوء خادع
وبالمخالفة للرأي السابق أرجع أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية، مصطفى كامل السيد، أسبابانحسار نشاط الحركات المعارضة في مصر إلى نجاح النظام السياسي في اتخاذ إجراءات احترازية لمنع تجدد الاحتجاجات على نطاق واسع، مدللا على ذلك بتشديد الرقابة على مواقع التواصل الاجتماعي وإلقاء القبض على عدد من الشباب المعارضين.
ويؤكد السيد أن هناك نوعا من الاستسلام لدى قطاع عريض من المواطنين حيال سياسات السلطة الحاكمة، أملا في أن ينجح ذلك في تحقيق الاستقرار، وهو ما ساهم في انحسار نشاط الحركات الاحتجاجية المعارضة.
ويقول السيد إن "المسرح السياسي المصري يتسم بهدوء خادع.. لأن استمرار سياسات التضييق علىالحقوقالمدنية والسياسية والعجز عن الوفاء بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية سيعزز احتمالات تنامي العنف في المجتمع".