أحدث الأخبار
كتبت: ياسمين سليم
"الخس بجنيه" ينادي سيد الصعيدي، بأعلى صوته ليجذب المارة، بينما يقول مصطفى إبراهيم، لصديقه وهما يجلسان على إحدى مقاهي المنيرة، بالقرب من الصعيدي: "عارف كيلو البصل بقى بكام، وهيبقى بكام بعد الانتخابات".
يضحك الصعيدي عندما يسمع كلمة انتخابات ويقول "أنا ما بروحش الانتخابات ومش مهمة بالنسبة ليا، أنا مهتم بس إزاي أجيب الجنيه لبنتي ومراتي".
منذ عدة سنوات، غادر الصعيدي قريته في محافظة أسيوط، واتجه إلى القاهرة ليعمل بائع خضروات، في منطقة المنيرة.
اتخذ الصعيدي قراره بمقاطعة كل الانتخابات منذ سنوات، بناء على عدة أسباب: "أنا جيت مصر، علشان اشتغل واطلع قرش، مش علشان أضيع وقتي وأروح انتخابات وبعدين مش هستفيد منها في حاجة، لما الرئيس يجي ولا ما يجيش".
كل ما يعلمه الصعيدي، عن الانتخابات الرئاسية التي ستجرى خلال أيام هي أنها "بين اتنين، السيسي وصباحي، ومعرفش مين كويس فيهم ومين وحش".
بائع الخضروات ليس حالة فريدة، كما يتضح من أرقام الاستحقاقات الانتخابية العديدة التي جرت في مصر على مدى الأعوام الماضية. في انتخابات الرئاسة عام 2012 كانت نسبة الحضور 46% في الجولة الأولى، وارتفعت إلى 52 % في جولة الإعادة بين محمد مرسي واحمد شفيق.
وفي الاستفتاء على الدستور في ديسمبر 2012 كانت نسبة المشاركة حوالي 34%، بينما كان لخلفه نصيب أعلى قليلا عندما شارك حوالي 39% من الناخبين في استفتاء يناير 2014.
معنى ذلك أن حوالي نصف الناخبين المصريين على الأقل لم يشاركوا في أي من هذه الاستحقاقات الانتخابية. وإن كان بعض هؤلاء لم يذهب لصناديق الاقتراع لأسباب سياسية جعلته يتخذ قرارا بالمقاطعة، فإن البعض الآخر لديه أسباب أخرى لعدم المشاركة في الانتخابات.
علي محمد، مالك لمحل ملابس، قرر عدم الذهاب للانتخابات لأنه لا يستطيع أن يتحمل تكاليف السفر لبلدته في سوهاج والعودة مرة أخرى، كما يقول. "لا أستطيع دفع ٢٠٠ أو ٣٠٠ جنيه، من أجل أن أذهب لأدلي بصوتي ثم أعود مرة ثانية إلى مقر عملي في القاهرة".
يقول محمد "عندما أكون في بلدتي أدلي بصوتي وأذهب لانتخب، ولكن لا يمكن أن أذهب خصيصا للإدلاء بصوتي".
لم يذهب محمد لتسجيل اسمه ضمن لجان الوافدين التي خصصتها اللجنة العليا للانتخابات: "لم أعلم بوجود هذه اللجان، ولو كنت علمت ما ذهبت لأنه ليس لدي وقت".
محمد، صاحب الثلاثين عاما، لديه معلومات عن المرشحين للرئاسة من البرامج التلفزيونية: "عندما أجلس أمام التلفزيون، أشاهد أحيانا لقاءات للمرشحين، وكل ما أريده ممن سيفوز، أن تستقر البلد وتنتهي الانتخابات بسلام".
"أروح ليه، في كل مرة بانتخب لا ابشتغل في الحكومة ولا مرتبي بيزيد"، هكذا يشرح محمود فتحي، عامل نظافة، الأسباب التي ستدفعه لعدم الذهاب للانتخابات الرئاسية.
فتحي، ذو الأربعين عاما، يعمل في شركة خاصة للنظافة ويحصل على مرتب 700 جنيه شهريا: "يعني المفروض أسكن بيهم وأكل ولادي التلاتة، ولا عندي أرض أزرعها ولا دخل تاني".
ذهب فتحي للانتخابات كثيرا ولكنه لم يشعر بأي تحسن في حياته بعد الانتخاب: "روحت كتير انتخبت في مجلس الشعب، وبعد كده ما بشوفش المرشح تاني في المنطقة، ولا بيعمل حاجة لي ولا لأهل بلدي".
لا يعرف فتحي عن المرشحين سوى أنهما "اتنين واحد اسمه السيسي، والتاني اسمه صباحي، أصل أنا عندي تلفزيون صغير أبيض وأسود وما بيجبش غير تلات أو أربع قنوات".
يتفق مصطفى عوض الله، مع فتحي بأن المشاركة في الانتخابات لا تفيد "فالحال أصبح أسوأ مما كان عليه سابقا، والشعب أصبح يعاني أكثر وأنا لا أتوقع أن يتحسن الأمر".
يصف عوض الله، الموظف في إحدى الشركات الخاصة، الوضع الحالي قائلا "من كان يحصل على أجر يومي 30 أو 40 جنيها، ويكفيه هو أسرته، أصبح لا يكفيه ولا يجد الآن ما يستطيع به إطعام أطفاله".
لا يهتم عوض الله كثيرا، ببرامج المرشحين ويقول "مادمت قررت المقاطعة لماذا أشاهد ما يقولونه، وفي النهاية لن يتحقق شيء مما يقال".
ويرجع أستاذ علم الاجتماع السياسي، سعيد صادق، إقدام بعض الناخبين على مقاطعة الانتخابات إلى "أسباب تاريخية، حيث بقى الشعب لمدة 60 عاما ماضية لا يذهب للانتخاب، ويعرف أن ذهابه من عدمه لن يفيد، وعانى طول هذه الفترة من إحباط"، بحسب قوله.
ويضيف صادق "بعد ثورة يناير، بدأ البعض يشعر بقيمة صوته، لكن بقى جزء كبير يعاني من هذا الإحباط"، مدللا على ذلك بأن "جولة الإعادة في انتخابات الرئاسة في 2012، سجلت نسبة الغياب بها أكثر من 49% من عدد الناخبين، رغم أنها كانت أول انتخابات رئاسية بعد الثورة".