أحدث الأخبار
كتبت: مي قابيل
شهد 2015 دفعة لقطاع البترول والغاز بعد أن عانى من التراجع خلال السنوات القليلة السابقة، وتم فيه الإعلان عن ضخ استمارات كبيرة من الشركات العالمية في القطاع، كما شهد الإعلان عن كشف كبير للغاز الطبيعي، إلا أن مصر ستظل خلال 2016 معتمدة على الاستيراد في سد الفجوة بين إنتاجها المتراجع واستهلاكها المتزايد.
ووصلت قيمة تعاقدات القطاع التي تم الإعلان عنها في مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي، الذي عقد في مارس الماضي، حوالي 21.3 مليار دولار، شملت عقودا قديمة تم تعديلها وأخرى جديدة تم الاتفاق عليها مع عدة شركات عالمية.
أكبر هذه العقود كان عقد شمال الإسكندرية، الذي بلغت قيمته 12 مليار دولار، ووقعته مصر مع شركة بي بي البريطانية، وشريكتها آر دبليو إى الألمانية، بعد تعديل شروط الاتفاقية التي يرجع تاريخها لما قبل ثورة يناير.
وتعد تلك الاتفاقية هي الأولى التي تتخلى فيها مصر عن نظام تقاسم الإنتاج مع الشريك الأجنبي، والمعمول به منذ عقود في هذا المجال، لتصبح مشترية لكامل الإنتاج، بسعر يتراوح بين 3 دولارات و4.1 دولار للمليون وحدة حرارية بريطانية.
ومن المنتظر أن يبدأ الإنتاج من هذه المنطقة في بداية عام 2017، بكميات تصل إلى 200 مليون قدم مكعب من الغاز الطبيعى يوميا، بينما يصل الإنتاج إلى مليار قدم بحلول 2019، هو أعلى حجم للإنتاج من شمال إسكندرية، بحسب التقدير الوارد في الاتفاقية.
أما الاستثمارات الباقية التي تم الاتفاق عليها في المؤتمر الاقتصادي لقطاع البترول، فتضمنت ضخ 4 مليارات من شركة بي جي لتنمية حقول وإصلاح آبار في امتيار تابع لها في البحر المتوسط، على مدى عامين، وهو اتفاق توصلت إليه وزارة البترول مع الشركة بعد زيادة سعر الغاز الذي تتم محاسبة بي جي عليه بنحو 48%.
وكانت الهيئة العامة للبترول والشركة القابضة للغازات الطبيعية «إيجاس»، قد تفاوضت مع عدد من شركات الطاقة مثل إينى الإيطالية، وبى. جى البريطانية، ودانة غاز الإماراتية، لتحسين السعر الذى تتقاضاه مقابل الغاز.
وقال وزير البترول، طارق الملا، في تصريحات لجريدة الفاينانشيال تايمز البريطانية إن "المرونة في العقود وتحسين الشروط السعرية"، من أهم عوامل التحفيز التي تم تقديمها للمستثمرين لتنشيط الإنتاج في القطاع.
وأعلنت دانة غاز خلال المؤتمر الاقتصادي عن ضخ 350 مليون دولار لتنمية آبار جديدة، كما وقعت إيني رؤوس اتفاقات بقيمة 5 مليارات دولار لعدة مشروعات على مدى خمس سنوات.
القطاع ينتعش لكن النتائج في 2017
وكما كان تعديل العقود والأسعار المتفق عليها لشراء الغاز من الشركاء الأجانب، لاستخدامه في الاحتياجات المحلية، محفزا للشركات للإقبال مرة أخرى على الاستثمار في القطاع، فإن تسديد المستحقات المتأخرة لهؤلاء الشركاء كان عنصرا هاما في إعطاء دفعة للاستثمارات.
فتراكم المستحقات المتأخرة للشركات الأجنبية لدى الحكومة، والتي وصلت إلى 6.2 مليار قبل أن تبدأ في سدادها على دفعات في نهاية 2013، أدى إلى تأخير الشركات في تنفيذ خططها للإنتاج وتنمية حقول الغاز، مما ساهم في تفاقم أزمة الطاقة.
وكانت المتأخرات قد بدأت في التراكم قبل ثورة يناير، لكن الأزمة التي دخل فيها الاقتصاد المصري وتراجع موارده من النقد الأجنبي بعد الثورة، أدت لارتفاع تلك المديونيات بشكل كبير.
وساهم في زيادة المديونيات اتجاه الحكومة لشراء المزيد من الغاز من حصة الشركات الأجنبية، والذي كان يتم تصديره قبل ذلك، لمواجهة الطلب المحلي المتزايد، مما رفع مستحقات الشركات لديها من جانب، وحولها إلى مستوردة للغاز بعد أن كانت مصدرة له، من جانب آخر.
وتراجعت مستحقات الشركاء الأجانب بقطاع البترول لنحو 2.7 مليار دولار بنهاية شهر أكتوبر الماضى.
هبط الإنتاج المحلي من الغاز القابل للتداول في العام المالي 2014/2015 بنحو 10.8%، ليبلغ 4.526 مليار قدم مكعب، وفقا للتقرير السنوي للشركة القابضة للغازات الطبيعية، والذي يضم أحدث بيانات متاحة عن الغاز.
بينما بلغ الاستهلاك خلال العام المالي نفسه، والذي يشمل الشهور الستة الأولى من 2015، 4.547 مليار قدم مكعب يوميا، ليزيد عن الإنتاج بنحو 21 مليون قدم يوميا.
ورغم استمرار الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك، فقد تراجع استهلاك الغاز الطبيعي خلال العام المالي الماضي، وتحمل قطاع الصناعة معظم هذا الانخفاض، حيث قلت إمدادات الغاز للمصانع بنحو 22% خلال تلك الفترة عن مستواها في العام السابق.
بدأت 7 مشروعات لتنمية حقول الغاز الإنتاج في 2014/2015، لتضيف حوالي 630 مليون قدم يوميا للإنتاج، من المنتظر دخول 8 مشروعات أخرى في 2015/2016.
إلا أن الطفرة المنتظرة ستبدأ في 2017، مع بداية الإنتاج من كل من حقول شمال الإسكندرية، وحقل ظُهر الذي أعلنت شركة إيني الإيطالية عن اكتشافه قبالة السواحل المصرية في أغسطس الماضي.
وكان الإعلان عن ظُهر، أكبر الحقول المكتشفة في البحر المتوسط، هو الحدث الأبرز في قطاع البترول خلال 2015، إذ تبلغ احتياطياته المحتملة نحو 30 تريليون قدم مكعبة من الغاز، وهو تقريبا مثلي حجم حقل لوثيان المقابل للسواحل الإسرائيلية.
وقال كلاوديو ديسكالزى، الرئيس التنفيذي لشركة إينى، بعد الإعلان عن الكشف الجديد إنه سيحقق "تحولاً محورياً فى سيناريو الطاقة في مصر".
واتفقت هيئة البترول مع إيني على بدء الإنتاج خلال عام ٢٠١٧، بكمية تصل إلى مليار قدم مكعب من الغاز يوميا، بحسب ما قاله الرئيس التنفيذي للهيئة، وهو ما يمثل 20% من حجم انتاج مصر الحالي من الغاز الطبيعي.
كما يتضمن الاتفاق زيادة الإنتاج إلى ٢.٧ مليار قدم مكعب يوميا بحلول عام ٢٠١٩، وبذلك يضاف إلى إنتاج الغاز في مصر ما يعادل 80% من الحجم الحالي من كل من ظُهر وحقول شمال إسكندرية.
سد الفجوة في 2016 معتمد على الاستيراد
ليس من المتوقع أن تحدث طفرة كبيرة في الإنتاج خلال 2016، حيث يتوقع تقرير الشركة القابضة للغازات أن يضاف للإنتاج نحو 365 مليون قدم مكعب من الغاز خلال العام المالي الجاري، بزيادة 7% عن العام السابق، بينما يقدر زيادة الاستهلاك بنحو 25%.
ويستمر الاعتماد على استيراد الغاز من الخارج، الذي بدأ خلال 2015، في تغطية الفجوة بين الاستهلاك والإنتاج خلال 2016.
وقال وزير البترول في نوفمبر الماضي إن مصر ستضاعف وارداتها من الغاز المسال ثلاث مرات خلال العامين المقبلين، لترتفع من 500 ألف قدم مكعب في اليوم إلى 1.5 مليون قدم.
وكانت مصر قد استقبلت في أبريل الماضي أول مركب لتحويل الغاز المسال المستورد إلى صورته الغازية، حتى يمكن ضخه إلى الشبكة القومية واستخدامه في السوق المحلي.
ثم بدأ تشغيل مركب ثان لمعالجة الغاز نوفمبر الماضي، وأعلنت وزارة البترول عن اتفاقها مع عدة شركات على توريد 55 شحنة من الغاز الطبيعي المسال اعتباراً من أول نوفمبر الماضي وحتى ديسمبر 2016.
كما قال رئيس الشركة القابضة للغازات الطبيعية "إيجاس"، خالد عبدالبديع، في تصريحات صحفية، إن مصر ستحتاج لاستئجار مركب ثالثة لمعالجة الغاز المستورد بنهاية 2016، أو بداية 2017.
وأعلنت إحدى الشركات المتخصصة في تجارة الغاز المسال عبر العالم، Trafigura Beheer، عن مضاعفة كميات الغاز التي تبيعها نتيجة لاستيراد كل من مصر وباكستان للغاز المسال، بحسب ما نقلته عنها وكالة بلومبرج الاقتصادية.
وقال وزير البترول في تصريحات لجريدة الفاينانشيال تايمز البريطانية أنه يتوقع عودة مصر لوضعها السابق كمصدّر صافي للطاقة (بحيث تزيد صادراتها على وارداتها)، بعد 7 سنوات من الآن، "بعد عام 2022". أما قبل ذلك فـ"الاكتفاء الذاتي" أولوية.
هل الاستيراد من إسرائيل ضرورة؟
رغم الاكتشاف الضخم للغاز في حقل ظُهر، وانتهاء أزمة توفير الغاز اللازم للمصانع بعد الانتظام في استقبال شحنات الغاز المسال المستوردة، عقد القطاع الخاص المصري اتفاقيات مبدئية خلال 2015 لاستيراد الغاز من إسرائيل.
وتعادل احتياطيات الغاز في حقل ظُهر تلك التي يحتويها كل من تمار ولوثيان الإسرائيليين مجتمعين.
ففي مارس 2015 وقعت شركة دولفينوس، التي تعرف نفسها بأنها ممثلة لمستهلكين صناعيين وتجاريين مصريين غير حكوميين، اتفاقا مع شركاء حقل تمار الإسرائيلي، مدته سبع سنوات، تشتري بموجبه الشركة نحو 175مليار قدم مكعب من الغاز، خلال السنوات الثلاث الأولى من العقد.
كما وقعت نفس الشركة المصرية اتفاقا مبدئيا في نوفمبر الماضي، مع الشركاء المستثمرين في حقل لوثيان الإسرائيلي، المتوقع أن يبدأ في الإنتاج في 2019، لاستيراد نحو 140 مليار قدم مكعب من الغاز سنويا، لفترة تتراوح بين 10 إلى 15 عاماً.
الشركة التي أسسها كل من رجل الأعمال علاء عرفة، والممثل الإقليمي للاتحاد الدولي للغاز ورئيس شركة طاقة عربية، خالد أبوبكر، لا تسعى فقط لسد احتياجات القطاع الصناعي المصري، الذي تقدم دولفينوس نفسها كممثل له، ولكنها تسعى لتحويل مصر إلى مركز لتجارة الغاز الطبيعي في المنطقة، كما قال خالد أبو بكر، الشريك المؤسس لشركة دولفينوس، لوكالة بلومبرج الاقتصادية.
فخط الغاز الواصل بين مصر وإسرائيل، والذي كان يستخدم سابقا لتصدير الغاز المصري للدولة العبرية، يمكن استخدامه حاليا لنقل الغاز في صورته الغازية مباشرة من إسرائيل إلى مصر.
ويوجد في مصر مصنعين لتسييل الغاز، في إدكو ودمياط، بحيث يمكن إعادة تصديره كغاز مسال لدول العالم، وبذلك تكون البنية التحتية متوافرة للعب دور الوسيط التجاري بين الأطراف في المنطقة.
وسمحت الحكومة للقطاع الخاص باستيراد الغاز الذي يحتاجه تحت ضغط أزمة الطاقة التي عانت منها في السنوات الأخيرة، إلا أن هذه الخطوة لم تبدأ عمليا بعد.
وأبدى رئيس الوزراء الحالي، شريف إسماعيل، وقت توليه لوزارة البترول في 2014، ترحيبه باستيراد الغاز من إسرائيل. وأكد وزير البترول الحالي، طارق الملا، أن الشركات يجب أن تحصل على موافقة الحكومة المصرية على الاستيراد، والتي تراعي المصالح الاقتصادية والأمن القومي.
لكن صدور حكم دولي يلزم الهيئة المصرية العامة للبترول وشركة إيجاس بدفع 1.76 مليار دولار لشركة الكهرباء الإسرائيلية، كتعويض عن قطع إمدادات الغاز عنها، غير موقف الحكومة، لتعلن عن تجميد أي محادثات لاستيراد الغاز من إسرائيل، إلى أن يتم التنازل عن هذا التعويض.
وتوقع أبو بكر أن يتم التوصل لاتفاق نهائي لاستيراد الغاز من حقل لوثيان خلال ستة أشهر (يونيو المقبل)، بحسب ما قاله لوكالة بلومبرج الإخبارية، وذلك قبل أن تقول الحكومة المصرية إنها طلبت من شركات القطاع الخاص التوقف عن أي مفاوضات لاستيراد الغاز الإسرائيلي.
وكانت مصر تصدر الغاز إلى إسرائيل منذ عام 2008، بموجب اتفاق مدته 20 عاما، لكن الاتفاق انهار في 2012 بعد تعرض خط الأنابيب لهجمات متعددة من مسلحين في سيناء.
وكانت تنمية حقل تمار الإسرائيلي، معطلة لسنوات بعد اكتشافه، لأن أسعار بيع الغاز المستخرج منه كانت تزيد كثيرا عن سعر الغاز المستورد من مصر. وتم البدء في تنمية الحقل فعليا بعد توقف إمدادات الغاز المصري لإسرائيل.
وفي حالة سماح الحكومة المصرية لاحقا للشركات بالاستيراد من حقلي تمار ولوثيان، ستصبح مصر الدولة الرئيسية التي تبيع لها إسرائيل إنتاجها من الغاز.
مساعي شركة دولفينوس في 2015 لاستيراد الغاز الإسرائيلي، سبقها توقيع مذكرة تفاهم في 2014 بين شركتي بريتش جاز البريطانية ويونيون فينوسا الأسبانية، الشريكتين الأجنبيتين في مصنعى إدكو ودمياط لإسالة الغاز، مع مسئولي حقلي تمار ولوثيان الإسرائيليين. وتوقع موقع جلوبز الإسرائيلي توقيع الاتفاق بين لوثيان وشركة بريتيش جاز، خلال الشهر المقبل.
ما كانت مصر تحتاج لاستيراد الغاز لتشغيل محطتي الإسالة في ادكو ودمياط، اللذين استثمرت فيهما شركات أجنبية، بهدف تحويل الغاز للصورة السائلة وإعادة تصديره، لكن مصر عجزت عن توفير الغاز لهما بسبب حاجتها لتوجيهه للسوق المحلي.
وأدت أزمة الطاقة التي دخلتها مصر مع تراجع إنتاج الغاز في مقابل تزايد احتياجات السوق المحلي إلى توقفها عن توجيه الغاز إلى مصنعي إسالة الغاز، واللذين تم إنشائهما بالتعاون مع الشريكين الأجنبيين للتوسع في تصدير الغاز المصري للخارج بعد تسييله.
ورفعت شركة يونيون فينوسا قضية تحكيم دولى ضد الحكومة المصرية في 2014، مطالبة بتعويض عن الخسائر التي لحقت بها نتيجة توقف ضخ الغاز للمصنع منذ منتصف 2012.
ثم أبدت الشركة استعدادها للتنازل عن القضية إذا سمحت لها الحكومة المصرية باستيراد الغاز من إسرائيل، أو وفرت لها حصة من إنتاج حقل ظُهر المكتشف حديثا، بما يمكنها من تشغيل المصنع.