أحدث الأخبار
كتبت: لين نويهض
من مشروعات عملاقة إلى إصلاحات ضريبية.. قدم وزراء مصريون في الأسبوع الماضي مبادرات تفصيلية لإنعاش الاقتصاد الذي تضرر بسبب ثلاث سنوات من الاضطرابات وعقود من الإهمال. لكن عندما سئلوا عن التحديات السياسية التي تواجهها مصر لم يكن لديهم الكثير ليقولوه.
وفتح ثمانية وزراء مصريين أبوابهم لصحفيين في قمة رويترز للاستثمار في الشرق الأوسط في الأسبوع الماضي، وهو ما كان في حد ذاته تغيرا عن العقود الماضية عندما كان الاتصال محدودا والمسؤولون متحفظين في ذلك.
ويقول منتقدون إن الحكومات السابقة قطعت وعودا كبيرة بخصوص الاقتصاد لكنها لم تنفذ منها شيئا يذكر. وساعد الاستياء من انفصال الحكومات السابقة على ما يبدو عن الناس في إشعال انتفاضة العام 2011، التي أطاحت بحسني مبارك بعدما قضى 30 عاما في السلطة.
وتحدث الوزراء بصراحة عن حجم التحديات التي تواجهها مصر وسردوا الحلول بالتفصيل. ونفذوا بالفعل تخفيضات في الدعم وإصلاحات ضريبية كانت الحكومات السابقة قد أحجمت عن القيام بها خشية تأجيج السخط الشعبي.
وساهمت تلك الخطوات في إقناع مؤسسة موديز للتصنيف الائتماني بتعديل توقعاتها لمصر هذا الشهر من سلبية إلى مستقرة. لكن بخلاف الوعود بإجراء انتخابات برلمانية طال انتظارها واستعادة الاستقرار كان الحديث عن الإصلاحات السياسية عاما في أفضل الأحوال.
وردا على سؤال بشأن كيف يمكن لمصر جذب المستثمرين مرة أخرى دون تنفيذ إصلاحات سياسية، قال وزير الاتصالات عاطف حلمي "ثقوا بنا كمصريين. نحن نسعى للسلام حقا. نسعى للاستقرار. نسعى لتحقيق الرخاء لمواطنينا ... لكننا نريد أن يعرف الناس حدودهم ... هناك فرق كبير بين الحرية والإرهاب."
والتحديات كبيرة في مصر حيث كثف المتشددون هجماتهم على الشرطة والجيش في شبه جزيرة سيناء، منذ عزل قائد الجيش السابق عبد الفتاح السيسي الرئيس المنتخب محمد مرسي الذي ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين قبل أكثر من عام.
وبعد يوم من إبلاغ وزير المالية هاني قدري دميان رويترز بخططه لتنفيذ إصلاحات ضريبية وخفض الدين، قتل ما لا يقل عن 33 من أفراد الأمن في بعض أسوأ أعمال العنف ضد الدولة التي شهدتها مصر منذ عزل مرسي.
وسارعت مصر إلى فرض حالة الطوارئ مؤقتا في شمال سيناء، ووسعت نطاق المحاكمات العسكرية لتشمل المدنيين الذين يهاجمون منشآت الدولة أو يسدون الطرق وهو ما أثار مخاوف من العودة إلى الاستبداد.
وشن السيسي -الذي انتخب رئيسا للبلاد في مايو آيار- حملة واسعة بالفعل على الإخوان المسلمين. واعتقلت السلطات الآلاف من أعضاء الجماعة وحكم بالإعدام على الكثيرين في محاكمات جماعية أثارت انتقادات من الحكومات الغربية وجماعات حقوق الإنسان.
وبرغم الاضطرابات الأخيرة، بقي أغلب الشركات المتعددة الجنسيات في مصر التي ما زالت تتيح أمامها هدوءا نسبيا في منطقة أنهكها الصراع في ليبيا والعراق وسوريا ومناطق أخرى.
وتغاضى كثير من المصريين عما يقول منتقدون إنه انتهاكات واسعة لحقوق الانسان على أمل أن يرسي السيسي الاستقرار في البلاد بعد الاضطرابات التي أعقبت الاطاحة بمبارك. لكن إلى متى سيدوم صبرهم يبقى سؤالا بلا إجابة.
وقالت مابلكورفيت للاستشارات -في تقرير عن مصر صدر في الآونة الأخيرة- "برغم تحسن ثقة المستثمرين بفضل الاستقرار النسبي الذي تحقق في ظل رئاسة السيسي.. فإن استمرار الاستقطاب السياسي وانعدام الأمن والتحديات الاقتصادية الهيكلية يعقد عملية صنع القرار لدى المستثمرين."
وعندما سئلت وزيرة التضامن الاجتماعي غادة والي بخصوص مسودة قانون جديد ينظم عمل المنظمات غير الحكومية -وتخشى المنظمات المدافعة عن حقوق الانسان أن يقيد أنشطتها وتمويلها- لم تذكر الوزيرة تفاصيل بخصوص محتواه.
ووعدت بنشر المسودة قبل إحالتها إلى البرلمان، لكنها أصرت في الوقت الحالي على أن تسجل المنظمات أنشطتها بموجب قانون لا يحظى بقبول صدر في عهد مبارك وهو ما يثير مخاوف من أن تعرض العاملين في الدفاع عن حقوق الإنسان للاضطهاد.
والانتخابات البرلمانية هي الخطوة الأخيرة في خارطة الطريق التي أعلنها السيسي بعد عزل مرسي، لكنها قد تتجاوز المهلة التي حددتها الخارطة في ظل عدم تحديد موعدها حتى الآن. وكان من المقرر إجراء الانتخابات في غضون ستة أشهر من انتخابات الرئاسة التي جرت في مايو آيار.
ورحب وزير الخزانة الأمريكي جاكوب ليو -خلال زيارة للقاهرة اليوم الإثنين- بما قال إنها "خطوات أولية قوية" من جانب مصر من أجل الإصلاح الاقتصادي لكنه حث على مزيد من الانفتاح السياسي.
وقال للصحفيين في القاهرة "ناقشنا سيادة القانون وكيف أن خلق بيئة سياسية منفتحة تحترم فيها تماما حقوق الأفراد من شأنه أن يعزز قدرة مصر على جذب الاستثمار الدولي."
وفيما يخص الاقتصاد يراقب المصريون عن كثب أداء رئيس الوزراء إبراهيم محلب بخصوص التوظيف والإسكان وهي قضايا ساهمت في تفجير الغضب الذي أشعل انتفاضة 2011.
وتحدث محلب بواقعية عن مدى سرعة حل المشكلات التي تراكمت على مدى عقود ودعا إلى الصبر.
وقال محلب لرويترز "هناك نوع من فتح الملفات المغلقة.. وقد تحتاج جراحات ربما تكون مؤلمة ولكن لو جراح ماهر عملها فان المريض يشفى."
وأضاف "أهم ما يشغلني هو توفير فرص العمل للشباب والحد من البطالة وعودة الأمن للشارع المصري ومواجهة الإرهاب."
وأضاف "نحن مصرون على الإصلاح... ليس مجرد عملية تجميل ولكن نصلح من الجذور لأننا لم نعد نملك رفاهية البناء على أساس خطأ."
لكن التغييرات ليست عميقة كما تبدو حتى فيما يتعلق بمشروعات البنية التحتية الكبرى، والتي من المنتظر عرض بعضها على المستثمرين في مؤتمر اقتصادي في فبراير شباط.
ويتولى الجيش - الذي طالما لعب دورا رئيسيا في اقتصاد البلاد - دورا رائدا في مشروع بعدة مليارات الدولارات لتوسعة قناة السويس.
وستشارك أيضا شركات مملوكة للجيش في شركة جديدة يجري إنشاؤها لتطوير البنية التحتية للاتصالات والإنترنت في مصر، برغم أن حلمي قال إن تلك الشركات لن تهيمن أو تسيطر على الكيان الجديد.
وقال وزير الإسكان مصطفى مدبولي -الذي تعمل حكومته على سد الطلب المتضخم وإيجاد حل للمساكن العشوائية في البلاد- إن الجيش يمكن أيضا أن يدير برامج تنمية موازية.
وعندما اتفقت أرابتك القابضة - أكبر شركة إنشاء مدرجة في دبي - على بناء مليون وحدة سكنية في مصر في مشروع يتكلف 40 مليار دولار أبرمت شراكة مع الجيش بشكل مباشر وليس الحكومة.
وقال حلمي "الجيش له أذرعه الاقتصادية والمالية التي لها الحق أيضا في عمل ذلك."
ويمتلك الجيش إمبراطورية تجارية تتراوح من شركات صناعة السيارات إلى أجهزة الكمبيوتر ولا يمكن مناقشة ميزانيته علنا. وتتراوح التقديرات لحجم عملياته المربحة من بضع نقاط مئوية إلى حوالي نصف حجم الاقتصاد.
ويرى البعض أن الجيش أكفأ من الحكومة، ويشير وزراء إلى أنه يمنح كثيرا من أعماله بعقود من الباطن لشركات خاصة لكن منتقدين يقولون إنه يزاحم القطاع الخاص ويعرقل النمو.
وردا على سؤال عما تغير بالفعل في مصر مع عودة الإخوان المسلمين للعمل السري بعدما تولوا السلطة لفترة قصيرة، وعودة ضابط سابق بالجيش إلى الرئاسة، قال وزير الاستثمار أشرف سالمان "المصريون".
وأضاف "التغيير الكبير هذه المرة يأتي من المصريين. لن يقبلوا بعد الآن أن يصبح شخص آخر مثل مبارك يبقى في السلطة 30 عاما. لن يقبلوا بعد الآن أن يجلس وزير مثلي على هذا الكرسي 20 عاما. لن يقبلوا هذا أبدا."