أحدث الأخبار
كتب: محمد عاطف
"الصحفي الذي يخشى كشف تجاوزات الحكومات يماثل الجرّاح الذي يرفض إجراء عملية لإنقاذ حياة مريض"، الإعلامي البريطاني، تيم سيباستيان، في واحدة من نصائحه للصحفيين، للعمل الاستقصائي، لكشف الحقيقة.
حالة من الغموض والارتباك سيطرت على الجماعة الصحفية والإعلاميين على مدى الأيام الثلاثة الماضية، بعدما استدعت المخابرات الحربية، الصحفي والحقوقي، حسام بهجت، لمواجهته باتهامات بنشر معلومات كاذبة في تقريره لشهر أكتوبر عن 26 ضابطا قال إن محكمة عسكرية أدانتهم بتدبير انقلاب.
وأثار ما تعرض له حسام بهجت موجة من الانتقادات، من قِبَل منظمات دولية ومحلية من بينها الأمم المتحدة، والتي اعتبرته "يتوج لسلسلة من الانتهاكات والتضييق ضد الصحفيين والإعلاميين، يتوقع أن تستمر".
وكان الرئيس عبد الفتاح السيسي انتقد مؤخراً الأداء الإعلامي في مصر، مؤكداً أن بعض الممارسات الإعلامية "مش لصالحنا"، وأن القطاع الإعلامي "به كوارث"، مثل قطاعات أخرى ينتقدها الإعلام.
والتساؤل الذي يعيد طرح نفسه من واقع تجربة حسام بهجت، وتجارب كثيرة سابقة: ما هو المفروض عمله حينما يكون لدى الصحفي، قصة خبرية متكاملة، ولديه أسانيدها وأدلتها، ولكن نشرها قد يجلب له مشكلات سياسية وأمنية، قد تصل إلى حد المحاكمة العسكرية؟.
الشق الأول من الإجابة على هذا التساؤل يعود بنا إلى جلسات مؤتمر أريج السابع الذي أقيم في الأردن، ديسمبر 2014، وبالتحديد لقاء جمع بين الصحفيين العرب والاستقصائي العالمي، سيمور هيرش، الذي تلقى سؤالاً، من الصحفي والحقوقي، حسام بهجت، وربما الأمر لم يكن محض صدفة فتساؤل حسام بهجت وقتها وإجابة سيمور هيرش، هما شارح الأزمة التي عَلَق فيها، بهجت، مؤخرًا.
بدأ حسام بهجت حديثه مع سيمور هيرش، قائلا: "لقد تحدثتم عن قصص كثيرة في الشرق الأوسط لا يتم الحديث عنها، ونحن في مصر ليس لدينا غير القصة الحكومية، مصر بالطبع واحدة من الدول التي لا نعرف ما يحدث فيها، لا نعرف ما الذي يحدث في سيناء، سواء على الجانب العسكري، أو على الجانب الآخر، ولا نعرف هل هناك تدخل مصري في ليبيا؟، والحرب على الإرهاب حاليًا لا يتم مسألتها".
يستكمل حسام بهجت، حديثه، "الصحفيون في مصر المستعدون للتعايش مع المخاطرة، لا يكتبون قصصهم، لأنه لا يتم نشرها، لأن الناشرين إما أنهم مع النظام، أو يعتقدون أن الخطورة عالية لنشر هذه القصص".
ويقول حسام بهجت، "الفرق أن هذه القصص ذات الخطورة العالية تم نقلها عن طريق صحفيين أجانب في مصر، الذين قد يواجهون نفس الخطر.. يواجهون خطر السجن، ومنهم من تم سجنه، أو خطر الترحيل من مصر"، ويضيف حسام بهجت، "الفارق أنهم يمتلكون دعم "الناشرين" في بلادهم، ويقومون بنشر هذه القصص بعد تقييم المخاطرة".
ومتحدثًا عن قاعة المؤتمر يقول حسام بهجت، "هناك صحفيون كثيرون، من الموجودين في غرفة نقاشنا هذه يعتقدون أنه إذا لم يستطعوا نشر قصصهم في وسائل إعلام رئيسية لن يكون لها تأثير يبرر المخاطرة، وهذا ما أريد إجابتك عليه".
الرد على هذا أنه "عليك أن تكمل طريقك.. أن تدفع في اتجاه صناعة القصة" يقول ذلك سيمور هيرش، ردًا على سؤال حسام بهجت.
ويضيف سميور هيرش، "من الصعب أن أقول هذا الآن، وبرغم أنني كنت صحفي جيد جدًا، إلا أنه حينما غادرت الأسوشيتد برس، كانوا في منتهى السعادة لأنهم تخلصوا مني، لأنهم لا يريدون صانع مشكلات".
ويجيب سيمور هيرش، "أرى أنه عليك أن تستمر في فعل ما يجب عليك أنه تفعله، ما هو الاختيار الآخر أمامك؟ أن تستمر في الصراخ لأن الناشرين جبناء؟، الناشرون هم جزء من الجنس البشري، في أمريكا لدينا نفس المشكلة، في أمريكا نسير وراء خط الحزب، وروايته للقصة، وسرد الرئيس للقصة، ما يقوله الرئيس دائمًا هو الأقوى".
ويضيف سيمور هيرش، "الحل قلته وأقصده، الحل أن نتخلص من 90% من الناشرين، ولكي أكون واقعي أكثر، لنقل، 70%، ولتعلموا أن الناشرين دائمًا جبناء، ولهذا السبب هم ناشرون".
ويستطرد سيمور هيرش، قائلاً، "لو أنك تمتلك جريدة فلن ترغب في أن يكون أحد الحاضرين في هذه القاعة ناشراً لديك،لأنهم سوف يتحركون في اتجاهات ليست على أهواء المديرين أو الحكومة، الجرائد في أمريكا والشبكات الإعلامية تمتلكها الشركات الكبرى، وأكيد هذا هو نفس الوضع لديكم في مصر، فروع الإعلام الرئيسية يتم التحكم فيها".
يستكمل سيمور هيرش، حديثه قائلاً "الاختيار الثاني لمن يقول إنه لا يعرف نشر قصصه الإخبارية هو "الدخول إلى الجحر واللطم"، لابد أن تقولها، أن تنشرها، أن تكتبها أونلاين، أن تحاول نشرها على شبكات اجتماعية عبر الإنترنت، أن تفعل ما تقدر على فعله، ولابد أن تكون حذرا، لأنك لا تريد أن يقوموا بالقبض عليك منتصف الليل كما يحدث الآن".
يعدد سيمور هيرش، نصائحه ردًا على حسام بهجت، بقوله "عليك عدم الاستسلام أو إيجاد مخارج أجنبية، أو أن تكتب تحت أسماء مستعارة، الكثير في الشرق الأوسط يكتبون بأسماء مستعارة، أو أن تجد طرقا أخرى لنشر هذه القصص، أن تبحث عن أشخاص يتشاركون معك في نفس القيم، يتقبلون تحمل المخاطرة في النشر".
ويتساءل سيمور هيرش "أريد أن أرى دراسة عن ماذا حدث للشباب الذي بدأ الربيع العربي، الذين كانوا يخاطرون بحياتهم بينما الإخوان كانوا منشغلين بالسياسة".
وموجهًا حديثه إلى حسام بهجت، "لا تستطيع أن تتراجع، أنا سمعت سؤالك جيدًا وأعرف مدي صعوبته، تقريبًا هو مستحيل، هو صعب للغاية، لكن لابد عليك أن تنشر المعلومات التي تحصلت عليها، وبعد أن تقوم بالنشر عليك أن تدعو كي يحدث ذلك تغييرًا، وهذا لن يأتي بسهولة".
ومرة أخري مستغربًا يتحدث سيمور هيرش، "يا إلهي ما الذي فعلناه بالإتيان بالإخوان إلى السلطة؟، مرسي أخفق إخفاقا رهيبا لدرجة أنه لم يعد مضحكًا، كانت أمامه فرصة ولم يستطع استغلالها، وهذه حقيقة، لقد كان هناك تقدم كبير في مصر بخروج الجنرالات من الصورة.
ويختتم سيمور هيرش إجابته بقوله: "الفكرة حينما يكون لديك جنرالات يديرون أعمالا وأموالا وشركات ويتحكمون في الاقتصاد، فأنت في مشكلة، وهذا ما يحدث في مصر الآن، هذا هو العبث".
يمكنكم مشاهدة المناقشة كاملة عبر الفيديو التالي ( باللغة الإنجليزية)
واليوم الأربعاء، أكد الصحفيون ورؤساء التحرير والإعلاميون، الذين اجتمعوا بمقر نقابة الصحفيين بدعوة من مجلس النقابة، استشعارهم لحجم المخاطر التي تحيط بالدولة المصرية الآن "وتستهدف حصارها اقتصاديا وسياسيا".
وقال الصحفيون والإعلاميون - في بيان حصلت أصوات مصرية على نسخة منه - إنهم يقفون صفا واحدا مع الدولة في مواجهة الأزمات والمخاطر التي تحيط بها، وأن وقفتهم هي "وقفة أحرار.. وليست وقفة خائفين".
على جانب آخر يرى الكاتب والمصور، المقيم في القاهرة، تيم قلدس، زميل معهد التحرير لدراسات الشرق الأوسط، أن اعتقال حسام بهجت يرسل إشارة للصحفيين، الهدف منها العمل على زيادة تخويف مهنة الصحافة ومحاصرتها في مصر.
ويضيف تيم قلدس، في تصريحات لأصوات مصرية " ذهاب حسام بهجت، إلى النيابة العسكرية من المرجح أن يشجع المزيد من الصحفيين على تقرير مصير قصصهم المماثلة، وهو ما يؤدي لفرض رقابة على كتاباتهم عند تغطية الموضوعات المتعلقة بالجيش المصري".
يستكمل تيم قلدس، حديثه بقوله، "ما قيل إن حسام بهجت، طلب منه التوقيع على وثيقة يتعهد فيها بوقف تغطية الأخبار المتعلقة بالجيش، هو مؤشر مقلق، يعيد إلى الأذهان فكرة أن أخبار المؤسسة العسكرية خط أحمر على الصحفيين".
ويختتم تيم قلدس حديثه بقوله، "في مصر منذ أن بدأ الجنرالات في لعب دور بارز في الحياة السياسية والاقتصاد، وهم يفرضون قيوداً على تغطية الشؤون العسكرية، بهدف منع وصول المعلومة الحقيقية إلى الجمهور".
وفي استطلاع رأي سريع، أجرته أصوات مصرية، على 10 من الصحفيين الشباب، يتنوع عملهم ما بين جرائد خاصة ووكالات أجنبية ومواقع إلكترونية، اختار خمسة منهم خيار البحث عن شركاء يملكون نفس المبادئ ويتقبلون الخطورة الناتجة عن النشر، فيما اتجه الخمسة الآخرون إلى اختيار نشر القصة ذات الخطورة العالية، باسم مستعار عبر الإنترنت للهرب من مخاطر النشر، في كل الإجابات، اتجه المصوتون إلى حسم قرار النشر وعدم التراجع فيه.
وينصح الحقوقي جمال عيد، رئيس الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، الصحفيين بنشر القصة، طالما يملكون مستندات تثبت ما جاء في أخبارهم المنشورة، وعدم التراجع عن حق المواطن في الحصول على المعلومة، لأن وجود مستندات تثبت القصة الخبرية يمنع ملاحقتهم، ويعزز موقفهم القانوني، أما في حالة عدم قدرة الصحفي على نشر تقريره في وسيلة إعلام رئيسية، كالصحف والفضائيات، فينصحه جمال عيد، بنشرها عبر الإنترنت وإيصالها إلى الناس.