أحدث الأخبار
كتب: عبد القادر رمضان
قالت مؤسسة عالم واحد للتنمية، في تقرير حديث لها، إن المبادرات واللجان التي أعلنت عن تشكيلها بعض الوزارات والمحافظات لمكافحة الفساد خلال الفترة الماضية غير فاعلة لأنها تقع تحت المسؤولية المباشرة لسلطة مسؤولي الحكومة بما يفقدها استقلاليتها.
"على الرغم من الاهتمام بالمبادرات الرسمية وإصدار القرارات التي بموجبها يتم تشكيل اللجان المعنية بمتابعة تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، إلا أنه لا تزال هذه اللجان تقع تحت إشراف الوزارات والمحافظين بشكل مباشر، مما يعني عدم استقلاليتها عن الجهة التي تقوم بتنفيذ توجيهات الخطة الاستراتيجية"، على حد قول المؤسسة في تقريرها " مؤشر الفساد في مصر للفترة من إبريل وحتى يونيو".
ويعد هذا التقرير الثالث التي تصدره المؤسسة لقياس التقدم الذي تحرزه الحكومة المصرية في مكافحة الفساد، وذلك بعد إطلاق الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد في ديسمبر.
و"عالم واحد للتنمية" هي مؤسسة أهلية غير حكومية تهدف إلى إجراء الدراسات الميدانية المكتوبة والمرئية والمسموعة التي تركز على المجتمع وتطوره في مجال حقوق الإنسان وحقوق المرأة والطفل وفق منهج علمي، وتوسيع دائرة المعرفة بمبادئ الديمقراطية والشفافية والنزاهة ومكافحة الفساد، والقيام بمشروعات تساهم في إدماج النساء في عملية التنمية.
كانت الحكومة قد أعلنت في ديسمبر الماضي عن إطلاق "الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد"، والتي وافقت عليها اللجنة الوطنية التنسيقية لمكافحة الفساد برئاسة رئيس الوزراء إبراهيم محلب. وقالت الحكومة إن الاستراتيجية تهدف لرفع قدرات أجهزة مكافحة الفساد، والتعاون مع كافة الجهات المعنية المحلية والإقليمية والدولية فى مكافحة الجرائم المتعلقة به، لمواجهته والحد من آثاره السلبية.
إلا أن مؤسسة عالم واحد للتنمية تقول إنه "لم تصدر أية تصريحات أو بيانات تفيد بعزم اللجان (المعنية بمتابعة تنفيذ الاستراتيجية) على اتخاذ إجراءات فعلية للإصلاح الإداري، أو تسليط الضوء على قضايا فساد أو ممارسات غير سوية، أو رصد أية وقائع بمخالفة القوانين والقرارات واللوائح المنظمة".
وهو ما أكده أسامة دياب، رئيس وحدة مكافحة الفساد في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، لأصوات مصرية، قائلا إن "الحكومة لم تتخذ إجراءات حقيقية لمواجهة الفساد، بل ما حدث هو العكس تماما".
ودلل على ذلك بـإصدار قانون يجيز لرئيس الجمهورية إقالة رؤساء وأعضاء الجهات الرقابية، وقال إن هذا القانون "من شأنه المساعدة على تكريس الفساد.. فحتى لو لم يستخدم في إقالة المسؤولين فإنه يظل سيفا على رقابهم.. وينتج عنه ما يعرف بالرقابة الذاتية التي تمنعهم من كشف الفساد خشية الإطاحة بهم".
وأصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي، الشهر الماضي، قراراً بقانون يحدد فيه الحالات التي يجوز فيها لرئيس الجمهورية إعفاء رؤساء وأعضاء الهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية من مناصبهم.
وهي إذا قامت بشأنهم دلائل جدية على ما يمس أمن الدولة وسلامتها، أو إذا فقد أحدهم الثقة والاعتبار، أو إذا أخل بواجبات وظيفته بما من شأنه الإضرار بالمصالح العليا للبلاد أو أحد الأشخاص الاعتبارية العامة، أو إذا فقد أحد شروط الصلاحية للمنصب الذي يشغله لغير الأسباب الصحية.
وأضاف دياب أن الحكومة عندما أطلقت الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد اعترفت أن أكبر مشكلة تواجه مكافحة الفساد هي أن الأجهزة الرقابية لا تتمتع بالقدر الكافي من الاستقلالية لتمكينها من العمل بشكل جاد لمكافحة الفساد، وبالتالي "طالما أن مؤسسات الرقابة غير مستقلة فلن تتمكن من المراقبة على الحكومة".
واعتبر دياب أن ما يعلن من مبادرات أو تشكيل لجان لمكافحة الفساد تصريحات "للاستهلاك الإعلامي"، فهي تابعة بشكل كامل للسلطة التنفيذية التي من المفترض أن تراقب عليها.
وقد أطلقت هيئة الرقابة الإدارية مبادرة بعنوان “الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد” في إطار الاستراتيجية الكبرى التي تبنتها الحكومة في ديسمبر، إلا أن مؤسسة عالم واحد للتنمية تقول إن تلك المبادرة لم تتضمن الإجراءات والأهداف المقرر اتباعها للقضاء على الفساد، واقتصرت على "تعبيرات فضفاضة لا تحوي أية التزامات تجاه تنفيذ إجراءات بعينها".
ملفات معلقة بدون إنجاز
أشارت مؤسسة عالم واحد للتنمية إلى عدد من الملفات الهامة في مجال مكافحة الفساد والتي لم يتم إحراز أي تقدم بها، مثل قانون تداول المعلومات.
وقالت إنه "على الرغم من أهمية قانون تداول المعلومات في تمكين الأجهزة الرقابية المعنية بمكافحة الفساد، ودعم مبادئ الشفافية والنزاهة، وهو ما تم الإشارة إليه في الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد... فإن الفترة محل التقرير لم تشهد أية معلومات أو تصريحات من جانب لجنة الإصلاح التشريعي التابعة لوزارة العدالة الانتقالية، حول قانون ينظم ويتيح تداول المعلومات".
كما لم تعلن الحكومة ما إذا كان قانون مكافحة غسيل الأموال على أجندتها التشريعية قبل تشكيل البرلمان.
ورصدت المؤسسة عدم اتخاذ الحكومة أية إجراءات أو آليات لحماية الشهود والمبلغين على المستوى الجنائي فيما يتصل بالجرائم الاقتصادية وممارسات الفساد وإهدار المال العام.
ولم تشهد أيضا الفترة محل التقرير أية إجراءات من جانب الحكومة بشأن إشكالية تداخل اختصاصات الجهات الرقابية، الأمر الذي يحد من مدى فاعلية أعمال الرقابة من جانب الجهات والمؤسسات الرقابية في مصر، التي تصل إلى أكثر 30 جهة رقابية، والتي يقع تحت نطاق اختصاصاتها المؤسسات الحكومية والقطاعات العامة وقطاعات الأعمال العامة والقطاع الخاص.
وبالرغم من أن الفترة من إبريل حتى يونيو شهدت صدور قرار جمهوري بإنشاء وتنظيم اللجنة القومية لاسترداد الأموال والأصول والموجودات في الخارج برئاسة النائب العام، إلا أنه لا يوجد أي "تطورات إيجابية أو آليات إجرائية مشتركة مع الأطراف الخارجية والدولية فيما يتعلق باستعادة الأموال المنهوبة من الخارج"، بحسب التقرير.
وأوصت المؤسسة بإنشاء هيئة عليا مستقلة لمكافحة الفساد، بدلا من الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد التي يترأسها رئيس الوزراء، والمعنية بوضع الأطر الأساسية المنظمة لمكافحة الفساد والتي قامت بدورها بتوجيه الأجهزة والوزارات بمتابعة تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد من خلال تأسيس اللجان المعنية بإداراتها المختلفة.
وتحسن وضع مصر على مؤشر الفساد، الذي تصدره منظمة الشفافية الدولية، خلال العام الماضي، حيث احتلت المركز 94 من بين 175 دولة شملها المؤشر، مقابل المركز 114 خلال العام 2013.
لكن لمياء كلاوي، المنسقة الإقليمية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المنظمة، التي تقيس مستويات النزاهة سنويا في مختلف دول العالم، كانت قد قالت لأصوات مصرية تعليقا على تحسن تصنيف مصر، إن "التشريعات المتعلقة بمكافحة الفساد في مصر مازالت في حاجة إلى إعادة نظر.. فهي قاصرة وغير متوافقة مع الاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها".