أحدث الأخبار
كتبت: منى عزت
اعتادت نساء قرية "البحاروة" التجمع يوميا على ضفاف النيل لغسل ملابسهن وأواني الطعام، فكان اللقاء اليومي غير المنظم بمثابة اجتماع نسوي للثرثرة وتبادل الحديث عن الواقع المؤلم الذي يجمعهن نتيجة نقص المياه النظيفة.
ويكتفي أهل القرية بشراء المياه النظيفة للشرب والطهي فقط، حيث تبلغ قيمة "جركن" المياه نصف جنيه، بينما يلجأ معظمهم إلى مياه النهر لتلبية باقي احتياجاتهم.
السيارات تحصد الأرواح
السنوات تمر وحال قرية "البحاروة"، التابعة لمركز العياط، لا يتغير بل يزداد الوضع سوءا، وتكثر الأمراض والموت يلاحق الأطفال، فالترعة القريبة من المنازل والسيارات المارة على الطريق تحصد الأرواح يوميا.
"البحاروة" كغيرها من مئات القرى والنجوع المنسية تعاني نقصا في معظم الخدمات، لكن نساءها قررن تغيير هذا الواقع المؤلم بمبادرة اقترحتها إحداهن، أثناء اجتماعهن اليومي عند أطراف النهر، لتعليم النساء حتى يعرفن حقوقهن ويطالبن بها لتحسين أحوالهن المعيشية.
وتبعد "البحاروة" ساعة تقريبا عن منطقة المنيب، ويعيش بها حوالي ثلاثمائة أسرة، نصفهم من أصول قبلية، تضع قيودا على النساء وتجبرهن على ترك التعليم والزواج المبكر، بالإضافة إلى التضييق عليهن في الخروج من المنزل حتى في حالة المرض.
محو أمية النساء
بدأت فكرة محو أمية نساء القرية منذ عدة أشهر، لكن صعوبات واجهتهن عند تنفيذها، بدءا من إيجاد مكان يصلح لإقامة فصل تعليمي، مرورا بتوفير المناهج التعليمية ومستلزمات الدراسة، ووصولا لمتطوع يقوم بتعليم النساء.
كان نصف الحل لدى مي محمود، التي وافقت على التطوع لتعليم نساء القرية عندما لجأن إليها، حيث إنها السيدة الوحيدة في القرية الحاصلة على مؤهل عال، فهي من منطقة الصف ومتزوجة من أحد أبناء البحاروة، إلا أن إيجاد المكان لم يكن سهلا حتى اقترحت مي عليهن اللجوء إلى "ديدي" وهي سيدة ألمانية أقامت في القرية منذ خمس سنوات.
ديدي الألمانية هي الحل
وكانت ديدي تعمل في هيئة إغاثة دولية قبل أن تتقاعد، إلا أنها قررت الإقامة في البحاروة بعد زيارة صديق لها لديه فيلا بالقرية تطل على النيل، وخصصت في فبراير الماضي غرفة بمنزلها وجزءا من الحديقة لإقامة حضانة لأطفال القرية، وهو نفس المكان الذي يتحول في المساء إلى فصل لمحو أمية النساء بدءا من أول يناير الجاري، بعد أن تبرعت جمعية "من أحياها" الخيرية بتوفير المناهج ومستلزمات الدراسة.
"من أحياها"هي إحدى الجمعيات الخيرية التي تقوم برحلات في مختلف نجوع وقرى المحافظات، وتقدم مساعدات لأهالي هذه الأماكن الفقيرة وبعض الخدمات لقرية البحاروة منذ أكثر من عام بسبب انعدام الخدمات وتدني المستوى المعيشي لأهالي القرية.
وتقول مي إن "نساء القرية يؤمنّ أن التعليم هو السبيل الوحيد لمعرفة حقوقهن والارتقاء بأوضاعهن المعيشية"، مشيرة إلى أن معظم النساء يعملن في تربية الطيور وبيع الجبن والبيض، بينما يعمل معظم الرجال باليومية في الزراعة.
آفة الزواج المبكر
يمثل الزواج المبكر أكبر مشكلات نساء القرية كما أوضحت (ر.أ)، وهي واحدة ضمن عشرات الفتيات اللاتي تركن التعليم بسبب الفقر وتزوجن في سن الثالثة عشر تقريبا، وتقول "كانوا بيقولولنا البنت مسيرها للجواز، والجواز سترة وهي ديه عاداتنا فمكانش عندنا حل تاني".
وأوضحت (ر.أ) أنها قررت التعلم من أجل حماية ابنتها من الزواج المبكر حتى لا تواجه نفس المصير، فهي تحلم بأن تتعلم ابنتها وتعمل في مهنة أفضل من مهنتها ومهنة والدها الأرزقي، مشيرة إلى أن معظم عقود الزواج غير موثقة، حيث يتم توثيق الزواج بعد بلوغهن السن القانونية -ثمانية عشر عاما- ويتم ذلك بالاتفاق مع المأذون.
لو كان لي أن أعيد البداية
وتعتبر (ر.أ) أن الزواج المبكر يحرم المرأة من حقوق كثيرة، متمنية أن يعود بها الزمن للخلف حتى ترفض الزواج مبكرا وتكمل تعليمها.
(م.ر) تذهب إلى السوق كل ثلاثاء لبيع اللبن والبيض لتعود لأبنائها بعشرات الجنيهات لمساعدة الزوج في الإنفاق، إلا أن "الحال ضيق" كما عبرت، قائلة "أنا وجوزي أرزقية ومهما كسبنا الفلوس ما بتكفيش أصرف على ولادي التلاتة".
وترى (م.ر) أن التعليم سيمكنها من تطوير مشروعها في تربية الحيوانات والطيور، فهي تتمنى أن تمتلك مزرعة صغيرة تدر لها دخلا كبيرا.