أحدث الأخبار
أكد باحث في علم الاجتماع السياسي أن جماعة الإخوان المسلمين التي أسست قبل 80 عاما والتي تمر بتجربة للانتقال من المعارضة إلى المشاركة في السلطة، قادرة دائما على التحور.
وقال عصام فوزي في لقاء مع أصوات مصرية إن الجماعة لم تعرف الانهيار، وبعد حظرها عام 1949عند أعلى نقطة صعود لها بدأ ما اعتبرته الجماعة محنة مؤقتة لا انهيارا، واستطاعت النهوض من جديد والتضحية بالنظام الخاص "العسكري"، بل وتوسعت عضوية الجماعة وتواجدها في المؤسسات القانونية والقضائية، والذي منحها حماية من نوع ما في العقود التالية حتى الآن.
وأضاف فوزي – كاتب الفيلم التسجيلي "اغتيال حسن البنا" - أن عبد الناصر حاول احتواء الجماعة ضمن محاولة احتواء كل القوى السياسية، بينما احتاج لهم السادات - وفتح أبوابا جديدة لصعود ونفوذ سياسي واقتصادي للجماعة - في مواجهة قوى اليسار والناصرية، في سياسة استمر فيها مبارك من بعده لكن بحساب.
وقال فوزي إن بعض تكتيكات الإخوان ثابتة لا تتغير مع الزمن والتاريخ، ومنها قدرة واسعة على احتواء السلطة والتعامل معها، والتشكك في حركة الشارع والجماهير، وتجنب الصدام، والتعامل في الكواليس لانتزاع بعض المكاسب.
ويشير إلى أن المسألة لم تعد مجرد اللعب في الكواليس بل مشاركة في القرار، وأسس حسن مالك القيادي بالجماعة جمعية "ابدأ" لرجال الاعمال تمهيدا لتعظيم نصيب الإخوان في مجال الاستثمار والبورصة ولقيادتها للطبقة الحاكمة والمشاركة في صنع السياسات الاقتصادية.
وأكد الباحث أن مرسي كرئيس سيندمج بمؤسسات الدولة كرأس للسلطة التنفيذية لكن ستظل رؤيته السياسية مرتبطة بالإخوان، وكأنه مبعوثها في الدولة.
وتنبأ بأن الجماعة ستعدل أوضاعها للتوافق مع قانون الجمعيات، مع استمرار ذراعها السياسي "الحرية والعدالة"، رغم أن البنية السياسية للإخوان لا تصلح لأن تكون جزءا من مؤسسات عامة، ولذا ستكون المسألة شكلية، وستقطع الجماعة من جسدها جزءا تقدمه للدولة وقانونها ويستمر الجسد الحقيقي ويدير كل هذه الأمور، وتستمر الجماعة في حالة من التحور بخلق أشكال جديدة لنفس المضمون.
وأكد أن مؤسسة الرئاسة لن تصبح إخوانية؛ يريد الإخوان الانتشار في مؤسسات الدولة، لكن الاستمرار في الرئاسة مع قبول فكرة تداول السلطة، يجعل الرئيس يصارع مؤسسات مثل الجيش والداخلية ولن يحقق نجاحات، والموقف يبدو كمن أكل ما لا يستطيع هضمه أو أكل ثمرة متعفنة.
وأضاف أن الإخوان موجودون في كل مؤسسات الدولة إلا مؤسسات سيادية كالداخلية والخارجية والمالية، ولكنهم لا يهدفون لبناء مؤسسات جديدة بل فقط التحكم في الجهاز القديم للدولة، ويقبلون الاقتصاد الحر، وكل ما سيحدث هو وضع غطاء أخلاقي على هذه المؤسسات لتكون أقل فسادا، ولن يكونوا أسوأ في الإدارة من نظام مبارك.
ويقول إنه منذ سنوات يحاول الإخوان طمأنة الغرب باتصالات في الداخل أو عبر رجال التنظيم الدولي، وهناك رؤية في الغرب بأن صعود الإسلاميين للحكم يؤدي لتراجع صورة "المناضل الإسلامي"، وتحويلهم لأصحاب مصالح بوجودهم في السلطة.
ويضيف إنهم جاءوا بقبول دولي ورقابة أجنبية على الانتخابات، وهناك صعوبة في اتخاذ قرارات تحد من حقوق المرأة او الاقباط من شأنها أن تثير المجتمع الدولي، وسيتآكل بالتدريج برنامجهم، وستقبل الجماعة بشروط وضغوط المجتمع الدولي وستكون جزءا من منظومة عالمية على المستوى الاقتصادي والسياسي والالتزام بالمعاهدات الدولية.
وكما تتعرض الجماعة لضغوط خارجية، فإنها تتعرض أيضا لضغوط من جهات مختلفة داخلية؛ مثل شباب الإخوان الذي اصبح في السنوات الماضية أكثر انفتاحا على القوى السياسية والتقاليد الأخرى، والتعامل مع الاقباط والنساء والصحافة برؤى تتجاوز الرؤية التقليدية لقيادات تمارس ضغوطها من جهة أخرى.
ويرى فوزي أن الجماعة لا تنوي تغيير السياسات الاقتصادية وتقول إنها فقط "ستدير الاقتصاد دون فساد".
وأشار إلى ضغوط تكنوقراط ورجال أعمال منتمين للجماعة اقرب للمجتمع الحديث وأكثر عملية بشأن قرارات تخص البنوك "الربوية" والسياحة مثلا أو إنتاج الخمور قد تؤثر على الاقتصاد بمخاطر تهدد استثماراتهم في مجالات أخرى.
وأشار أيضا إلى أن هناك ضغوطا من قبل التيارات السلفية التي ستكون عبئا على الجماعة، وقد يصل الأمر إلى صدام بسبب خلاف أيديولوجي وتوزيع أنصبة في النظام السياسي.
وقال إن هناك أيضا ضغوط المؤسسة العسكرية، التي تم تقليص دورها السياسي ونفوذها لصالح الأمن الداخلي بدءا من عهد السادات مرورا بمبارك، لكن تم إلهاؤها بنفوذ اقتصادي ضخم كبديل.
ويقول فوزي إن المؤسسة العسكرية الآن تستعيد نفوذها السياسي، ولن تستمر في السلطة لو وصلت لاتفاق يحمي نفوذها الاقتصادي وإدارة شؤونها الذاتية، وسيكفي الجماعة وقوف الجيش على الحياد في الصراعات السياسية ولن تحاول اختراقه او تحويله لجيش عقائدي أو ايديولوجي.
ويؤكد أن هناك جيلا جديدا ووسائل اتصال ومتغيرات ووجودا لحركة الشارع سيؤثر على علاقة الجيش بالسياسة التي لن تكون بالضرورة مماثلة لنمط تركي أو حتى باكستاني، ولكن نموذجا جديدا يعتمد على توازن القوى دون سيطرة كاملة لإحداها.
ويؤكد أنه ،على عكس المتصور، كان وجود عمر سليمان أو شفيق في الرئاسة أكثر خطرا على الجيش، فكل منهما يمكنه بسهولة استعادة السلطة المطلقة بدعم من رجال مبارك، أما مرشح الجماعة فمن السهل محاصرته في قصر الرئاسة وفرض صفقة عليه.
ويتنبأ الباحث بأنه في السنوات القادمة سيكون هناك حراك سياسي واسع يصعد فيه نجم القوى الديمقراطية، مع اشتعال الصراعات الاجتماعية التي تظل حتى الآن في الخلفية، مع تصدر الصراع السياسي للمشهد، وهذه الصراعات ربما تضع الإخوان في موقف ضعيف لعجزها عن تلبية مطالب الجماهير الاقتصادية وتؤدي لصعود اليسار.
وأشار فوزي إلى أن يقظة القوى الديمقراطية والأقباط ورقابة المجتمع الدولي ستقلل من فرص لجوء الإخوان إلى القمع باسم الدين أو تأسيس "فاشية دينية"، ولن تتكون ميليشيات "إسلامية"، ولكن الجماعة قد تشجع وجود ميليشيات متطرفة لإسلاميين آخرين وهو ما يشكل خطرا على الجماعة نفسها.
ويرى فوزي إن مناصري الإخوان ونفوذها الجماهيري سيتراجعون باستمرار الجماعة في السلطة مع عجزها المتوقع عن تحقيق نجاحات ترضي الناس في ظل ضغوط عديدة، ولن تحقق نجاحات في الانتخابات البرلمانية المقبلة وسيتآكل فيها النفوذ السياسي لها، ولكنها ستسيطر على المجالس المحلية الأكثر اقترابا من الناس والخدمات المباشرة في الأحياء.