ماذا يجرى داخل الجمعية التأسيسية؟

الخميس 27-09-2012 AM 09:57

أكدت مجموعة من التطورات الأخيرة الانطباع الذى تكون لدى كثيرين بأن ثمة أزمة كبيرة داخل الجمعية التأسيسية. من هذه التطورات تلك التصريحات الواضحة التى صدرت عن بعض أبرز أعضاء الجمعية التأسيسية ممن دأبوا على الدفاع عنها منذ البداية.

من ذلك تصريح د. وحيد عبدالمجيد بأنه فى حالة إصرار ممثلى التيار السلفى على بعض النقاط المختلف عليها فإن هذا قد يؤدى لانسحابات جماعية من ممثلى القوى المدنية. ثم تصريح د. أيمن نور على تويتر بأنه غير مطمئن لمسار العمل خلال الأيام الأخيرة بالجمعية التأسيسية وإن عاد للحديث عن بارقة أمل بعد اللقاء بشيخ الأزهر. وتصريح أحمد ماهر عن سعى بعض التيارات فى الجمعية لفرض مواد مختلف عليها.

التطور الآخر يتمثل فى استقالة د. منال الطيبى بشكل نهائى من عضويتها بالتأسيسية احتجاجا على ما اعتبرته إنتاجا لدستور دولة دينية.

التطور الثالث هو الهجوم العنيف على رئيس مجمع اللغة العربية وأحد ممثلى الأزهر داخل الجمعية التأسيسية الدكتور حسن الشافعى فى الجلسة العامة يوم الثلاثاء الماضى لقوله إن مبادئ الشريعة الإسلامية أعم من أحكامها، وهو الرأى الذى وافقه عليه د. نصر فريد واصل.

التطور الرابع هو التعديل المستمر فى باب الحقوق والحريات الذى يفترض أنه الباب الوحيد الجاهز للتصويت عليه داخل الجلسة العامة، وآخر تعديلاته ما مس حق التنظيم حيث أضيفت لحق المواطنين فى تكوين الجمعيات والأحزاب بمجرد الإخطار جملة تقول «ما دامت تحترم السيادة الوطنية» وهى جملة مطاطة.

وصولا فى الأخير إلى نشر الباب الخاص بمقومات الدولة على موقع الجمعية رغم كل ما حفل به من مواد ملغمة، الأمر الذى يثير الاستفهام حول صاحب الحق فى نشر باب لم يتم الانتهاء من مواده بعد، وما إذا كان القصد من النشر هو إطلاق بالونة اختبار لمعرفة اتجاهات الرأى العام، أم أن القصد هو إحراج الأعضاء المعترضين على تلك المواد داخل الجمعية.

 الأزمة الحالية داخل الجمعية التأسيسية، التى تبدو مختلفة نوعيا عن كل ما سبقها، مُرشحة للتفاقم مع قرب انتهاء مهلة الستة أشهر المخصصة لوضع مسودة الدستور.

هنا سيظهر الأثر القبيح لاعتماد منطق الأغلبية البرلمانية فى تشكيل الجمعية التأسيسية وهو المنطق الذى أعطى التيار الدينى رسميا 41 مقعدا بواقع 24 للحرية والعدالة و17 للنور وبشكل غير رسمى عددا أكبر من المقاعد من خلال المحسوبين على هذا التيار من غير الحزبيين، كما أن هذا المنطق هو الذى سمح بالتلاعب فى مقاعد الأقلية بتضمينها نصيب الأزهر والكنيسة.

هذا فضلا عن أن الأعضاء المنسحبين وهم محسوبون على القوى المدنية لم يتم تعويضهم بالانتخاب من داخل الأعضاء الاحتياط الـ50 بالمخالفة مع نص المادة الأولى من لائحة عمل الجمعية، وهذه من النقاط الغامضة والخطيرة فى الوقت نفسه. أولا لأنه غير مفهوم لماذا لم يتم تعويض النقص فى عدد أعضاء الجمعية من 91 عضوا (قبل انسحاب د. منال) إلى 100 ولماذا يماطل رئيس الجمهورية فى إعادة التوازن للتشكيل المختل؟.

وثانيا لأن الجمعية سوف تضطر للانتخاب من بين الأعضاء الاحتياط حتما قبل التصويت النهائى فى الجلسة العامة، وهنا يمكن أن تفعل قاعدة الأغلبية مفعولها مجددا ويُضاف إلى قائمة التيار الدينى مزيد من الأعضاء. فكيف يمكن أن يحل التوافق فى هكذا سياق؟

 ●●●

 فى محاولة للخروج من هذا المأزق، استضاف برنامج بهدوء للإعلامى عماد أديب ثلاثة من أعضاء الجمعية، أحدهم يمثل التيار السلفى وهو محمد سعد الأزهرى، والآخر يمثل التيار المدنى وهو د. أيمن نور، والثالث يمثل تيار الوسط إن جاز التعبير وهو د. معتز عبدالفتاح.

وطرحت هذه الحلقة مجموعة من الأفكار الجديرة بالمناقشة والتحليل. طرحت مثلا فكرة تحديد المواد المختلف عليها وعرضها دون سواها على الاستفتاء الشعبى، وهى فكرة تعكس نظرة شديدة التشوه لعملية وضع الدستور وعلاقتها بالتطور الديمقراطى.

افترض السيد الأزهرى صاحب الاقتراح أن الجمعية التأسيسية بكل ما أحاط تشكيلها من انتقادات هى جمعية تمثل المجتمع تمثيلا سليما، وبما أن لها هذه الصفة فإن ما توافق عليه يُفترض بالتبعية أن يوافق عليه الشعب وما تختلف عليه هو وحده القابل للاختلاف الشعبى من حوله. وهذا فتح فى مجال صنع الدساتير فى دول الثورات العربية.

طرح العضو نفسه أيضا فكرة التعاطى مع مرجعية الأزهر فى المادة الثانية ـ وهى أم القضايا الخلافية ـ من منطلق وظيفى بحت، بمعنى أنه كما نرجع إلى المهندس فى المعمار، وإلى الطبيب فى الداء والدواء، فلابد من الرجوع للأزهر فى التشريع ضمانا لعدم تعارضه مع الشريعة.

ونفى السيد الأزهرى أنه بذلك يجعل للأزهر دورا يشبه دور مجلس تشخيص مصلحة النظام فى إيران، هو فقط يحفظ للتخصص حقه ويحول دون الوقوع فى فخ التفسيرات السياسية للمحكمة الدستورية العليا.

عذرا سيد أزهرى فمجمع تشخيص مصلحة النظام لا شأن له بالدستور لكنه مجلس صيانة الدستور هو صاحب الاختصاص. لكن ما علينا من المسميات، فالأهم هو أن تطبيق هذا الاقتراح أى الاحتكام للأزهر فى تفسير مبادئ الشريعة يجعلنا فى وضع أسوأ من إيران، سواء لأن المجلس هناك يتكون من ستة فقهاء وستة قضاة فيما الأزهر مؤسسة دينية بامتياز، أو لأن المجلس فى إيران يطابق القوانين على الشريعة والدستور فيما الأزهر مطلوب منه مطابقتها على الشريعة فقط.

أما علاقة المؤسسات الرسمية بالسياسة فمن ينكر أن الأزهر لعب دورا سياسيا فى عهود التبعية للنظام وأفتى فى قضايا جوهرية كقضية السلام مع إسرائيل بما يرضى هوى الحاكم ؟ تغير الحال ونحن نحتاج لبناء أزهر قوى ومستقل وليس إلى جره مجددا لأتون السياسة.

 طرحت أيضا فكرتان من د. معتز، إحداهما تتعلق باعتماد دستور مؤقت لمدة عشر سنوات طالما أنه يتعذر إنتاج دستور يعبر عن الإرادة الشعبية وبالتالى يكتب له الدوام.

الفكرة من حيث جوهرها معمول بها، وسبق أن طرحها د. معتز فى مقالاته، لكن إن نحن أخذنا بمدة عقد من الزمان لتجربة الدستور الجديد فعلينا فى ظل المواد الخلافية الخاصة بعلاقة الدين بالتشريع، ومرجعية الأزهر، وسيادة الشعب، والحريات العامة، وحقوق المرأة، وجباية الزكاة بواسطة الدولة... إلخ علينا أن نستعد للتعامل مع مصر غير التى نعرفها تكون أقرب إلى فكر طالبان منها حتى للفكر الوهابى!.

أما إن نحن أخذنا بمدة قصيرة بحثا عن تحقيق التوافق المفقود فما هو الفارق بين الدستور فى هذه الحالة وبين الإعلان الدستورى المعدل أو المكمل أو المكبل؟ نأتى أخيرا للفكرة الثانية التى طرحها د. معتز التى تتعلق بإرجاء الخلافات طالما هناك صعوبة حاليا فى حلها، بمعنى الإبقاء على مواد دستور 1971 التى ثار خلاف حول تعديلها وإدخال التعديل على ما عدا ذلك من المواد، وهذه فكرة جيدة، ولو نذكر فإنها من أوائل الأفكار التى طُرحت بعد الثورة بحيث اقتُرِح تعديل باب نظام الحكم دون غيره لإحداث توازن بين السلطات.

 ●●●

 هكذا يجرنا مأزق التأسيسية إلى المجهول، ويفتح أفق الصلاحيات التشريعية للرئيس إلى أمد غير معلوم. وما لم يصدر حكم الدستورية العليا بحل الجمعية لتُشكل أخرى جديدة عبر انتخاب شعبى كما جرى فى تونس وليبيا وليس بإرادة الرئيس وإعلانه المكمل، فإن تعديل دستور 71 فى الحد الأدنى يظل هو طوق النجاة الأخير لثورة يناير.

تعليقات الفيسبوك