أحدث الأخبار
أصيب حزب النور بنكسة كبيرة فى الجولة الأولى من الانتخابات البرلمانية المصرية وهذه النكسة لم يتوقعها أكثر المراقبين تشاؤما.. خاصة أن النكسة لم تتوقف على مناطق الصعيد والقاهرة ولكنها أصابته فى معقله الرئيسى بمنطقة غرب الدلتا «الإسكندرية ــ البحيرة ــ مرسى مطروح» والتى يتركز فيها وجوده وكوادره وقيادات الدعوة السلفية التى دشنت ودعمت الحزب.
ولعل الجميع أخذ يبحث عن أسباب هذه الانتكاسة غير المتوقعة للحزب الذى كان وصيفا وتاليا لحزب الحرية والعدالة فى برلمان ثورة 25 يناير.. وأعتقد أن أهم أسباب هذه الانتكاسة ما يلى:
أولا: الحملة الإعلامية الضخمة ضد حزب النور والتى امتدت من بداية الدعاية الانتخابية لنهايتها.. وشملت معظم القنوات الأشهر فى مصر وامتدت منها لأكثر الصحف.. حتى أن بعض مانشيتات الصحف تغافلت أحيانا عن أحداث العالم الكبرى والانتفاضة الفلسطينية لتشن الحملة تلو الأخرى على الحزب.. وبعض هذه الحملات كان مجافيا للحقيقة والتاريخ مثل «ربط حزب النور بداعش» أو أنه «داعش المستقبل».. وأنه «والإخوان سواء».. أو ربطه بطريقة فجة برابعة رغم أنه لم يحضرها وكان ضدها.. أو ربطه بالتفجيرات فى سيناء وما أشبه ذلك.
ثانيا: تعرض حزب النور مع شيوخ الدعوة السلفية السكندرية لحملة ضارية من تحالف دعم الشرعية بقيادة الإخوان من كل القنوات والمنافذ الإعلامية الإخوانية.. فضلا عن مواقع التواصل الاجتماعى التى يدشنها أتباع التحالف بكل توجهاتهم.
وهذه الحملات كانت تسمى حزب النور بـ«حزب الزور» وتصفه بالخيانة والعمالة وتشتم قادته صباح مساء وفى بعض الأحيان كانت تشتم هؤلاء أكثر من شتمها للحكومة والنظام المصرى.
ثالثا: حالة الانقسام الخطيرة فى المعسكر السلفى الذى كان موحدا بعد ثورة 25 يناير، فهناك قسم كبير من الدعوة السلفية وخاصة فى القاهرة انضم إلى تحالف دعم الشرعية والإخوان مثل «مجموعة د. محمد عبدالمقصود ونشأت محمد أحمد» ومعظم المجموعات السلفية بالقاهرة باستثناء مجموعات قليلة منها مجموعة العالم الأزهرى أستاذ أصول الفقه د. أسامة عبدالعظيم، وهناك مجموعات كثيرة انضمت لحازمون ومنها لمجموعات التحالف أو المجموعات المسلحة.. ومنها مدارس اعتزلت العمل السياسى والانتخابات تماما مثل مدرسة الشيخ الحوينى والشيخ محمد حسان.. فضلا عن بروز السلفية المدخلية التى تعادى معظم التيارات الإسلامية الأخرى وتدين بالولاء المطلق لكل الحكومات مهما كان توجهها.
فضلا عن التمزق الذى أصاب المدرسة السلفية السكندرية بانضمام د. سعيد عبدالعظيم وتلاميذه إلى تحالف دعم الشرعية واعتزال د. محمد إسماعيل للدعوة والسياسة معا واعتزل آخرين مثله.
فضلا عن عزوف بعض أعضاء الدعوة السلفية السكندرية وأعضاء سابقين من حزب النور عن السياسة والانتخابات وهؤلاء لم يذهبوا للتصويت.. وبعضهم ينقم على حزب النور بعض مواقفه السياسية.
رابعا: حزب النور والدعوة السلفية السكندرية والسلفيين عامة أضعف بكثير من الإخوان فى القدرة على الحشد وتجييش الأتباع والأنصار واستخدام تكتيكات الانتخابات.. فمن أهم مواهب الإخوانى أنه كائن سياسى وانتخابى نشط جدا.. وينتمى لتنظيم محكم.. أما السلفية فهى ليست تنظيما ولن تكون ولكنها مدرسة علمية فقهية تركز فى الأساس على العلم والعبادة وهى حديثة العهد بالسياسة التى لم تعرف دهاليزها بعد ولم تستطع بعد تربية أبنائها على الشأن السياسى.
خامسا: المرأة الإخوانية تختلف تماما عن المرأة السلفية.. فالإخوانية تنظيمية سياسية تلتزم بالسمع والطاعة ولها دور إيجابى جدا فى كل أعمال الجماعة التى ترتبط ببعضها بقوة دعويا وأسريا واجتماعيا واقتصاديا.. والمرأة الإخوانية تعتبر الجماعة هى الأب والأخ والشقيق وكل شىء.. وأمر الجماعة مقدم عندها على أمر الآخرين.
أما المرأة السلفية فهى كائن منزلى بالدرجة الأولى.. تهتم بزوجها وأولادها فى المقام الأول والأخير.. ولا ترتبط بالجماعة السلفية إلا بقدر دفع أو منع زوجها لها.. والمرأة السلفية غير مسيسة بطبيعتها ونشأت على كراهية السياسة والانتخابات.. وطريقة ملبسها ونقابها الأسود يحول بينها وبين التواصل مع الآخرين وخاصة مع المختلفين معها دينيا وفكريا.. وهى بطبيعتها تحب الانعزال وخاصة فى هذه الظروف الحالية الصعبة التى لا تساعدها على التعارف أو التواصل.. ولا تستطيع الوقوف فى الشوارع لاستيقاف الفتيات وتوزيع الدعاية كما كانت تفعل الفتاة الإخوانية التى تعد أنشط كائن نسائى سياسى فى مصر.. ولذلك غاب الدور النسائى للمرأة السلفية التى اكتفت الكثيرات منهن بحضور بعض ندوات الدعاية وحسب.
سادسا: هناك قوى بكاملها لن تعطى صوتها لحزب النور أبدا ومنهم المسيحيون والليبراليون والاشتراكيون والثوريون وكذلك رجال الأعمال ومعظم العشائر والأسر حتى الذين أعطوا للإخوان من قبل لن يعطوهم.. يضاف إلى ذلك معظم الإسلاميين.. وكذلك الذين يدينون بالولاء لمؤسسات الدولة المختلفة، وبالتالى فإن معظم الشعب المصرى حجب صوته عنهم.
سابعا: ظهر من أجواء الانتخابات الأخيرة أن الدولة ومؤسساتها المختلفة لا تريد ظهيرا لها من التيار الإسلامى مهما كان ولاؤه لها.. وأنها قبلت دعم حزب النور لها فى 30 يونيو كظرف طارئ خاص غير قابل للتكرار.. وأنها لا تطمئن لهذا الظهير مهما بدا مخلصا لها.. وأنها تشك فى نواياه حتى وإن نال فى سبيل دعمها الشتيمة والسب واللعن والطعن.
ويبدو أن الدولة الآن لا تحتاج إلى ظهير أصلا.. فإن احتاجت فى أى وقت إلى ظهير فهى لا تفضل الظهير الإسلامى السياسى لأنها قد تراه متقلبا أو لا تريد أن تتركه يكبر فيطمع فيما لا يطمع فيه الآن.. أو يقفز المتشددون فجأة على كراسى المعتدلين.. وقد بدا لكثيرين أن جميع الساسة حكوميين وغير حكوميين رسميين وشعبيين لا يحبون الظهير الإسلامى مهما كان لونه.. وعلى الدعوة السلفية أن تقرأ المشهد السياسى المصرى بعناية وتنسحب من دوامات السياسة بصراعاتها وإحنها وضغائنها قبل أن تنهار الدعوة السلفية تماما.. وتتمزق تمزقا يصعب رتقه.