أحدث الأخبار
كتب ناجح إبراهيم (الشروق) - تعيش مصر طوال تاريخها نوبات من الإقصاء المتبادل.. وتغيب عنها دوما معانى المشاركة السياسية والمجتمعية وفلسفة التعاون والتآزر.. ومع قدوم ثورة 25 يناير زادت نوبات الإقصاء المتبادل.. واندلعت معه نيران أخذ الناس بالشبهات وتعميم الأحكام والعقاب.. فبعد الثورة مباشرة تصايح القوم بهتاف «امسك فلول اعزل وشوه فلول».. لكل من عمل ولو يوما فى عهد مبارك أو انتمى للحزب الوطنى حتى لو كان سجله نظيفا.. ثم تحول إلى «امسك شرطة.. حاصر ودمر شرطة».. ثم تحول سريعا إلى «امسك عسكر.. حاصر وزارة الدفاع».. ثم تحول إلى «امسك إخوانى.. حاصر اضرب اسجن اعزل كل إخوانى».
ومع كل شعار يهلل الكثيرون ويصفقون دون أن يخجلوا من تعميم الأحكام والعقاب فشعار الشريعة « أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى» وشعار القانون «شخصية الحكم والعقوبة».
ويزداد الأمر خطورة إذا أصاب الإقصاء العلماء وأساتذة الجامعات وعمداء الكليات ورؤساء الجامعات الذين أهين أكثرهم بعد ثورة 25 يناير بحجة أنهم فلول.. وأهين بعضهم فى مظاهرات الإخوان بحجة أنهم ضد الشرعية».
والآن يهان ويظلم بعضهم بحجة «أنهم خلايا إخوانية نائمة».. وكأن دور العلم والجامعات قدر عليها دوما أن تكون نهبا للسياسة.. وخادما لها.. بدلا من كونها حاملة للعلم وخادمة له.
ولعل قصة أ.د/ رجب عثمان الذى انتخب عميدا لآداب بنى سويف فحرمه رئيس الجامعة من حقه فى التعيين بحجج واهية وأكاذيب مختلقة دليلا صارخا على ما نقول.
وقد حصل د/ رجب على حكم نهائى من القضاء الإدارى بعودته إلى العمادة وحبس وعزل رئيس الجامعة وتغريمه 11 ألف جنيه لعدم تنفيذه للأحكام الصادرة بتعيين د/ رجب عميدا.
والغريب أن د/ رجب ذهب إلى رئيس الجامعة بعد الحكم من تلقاء نفسه وتنازل له عن القضية والتعويض قائلا له: لا أريد أن ألقى الله وقد حبست رئيس الجامعة.. ولكنى أردت فقط إظهار الحق.. وأنا لا أريد العمادة ولا أى شىء فى الدنيا.. فقال له رئيس الجامعة: «لقد شمت فىَّ الكثيرون فى هذه الأزمة إلا أنت رغم أنك صاحب المظلمة.. وهذا يدل على أصلك وكرمك».
وقد تعرض د/ رجب لمظالم كثيرة من رئيس الجامعة ونائبه ووكيل الكلية الذين رفضوا تعيينه بعد انتخابه لتظل بلا عميد عاما كاملا وذلك لكراهيتهم له وشكهم أنه إخوانى الهوى رغم أنه لا علاقة له بأى تنظيم سياسى أو إسلامى طوال حياته.. وهو بطبيعته كأستاذ للغة العربية يدرس كل علوم اللغة والقرآن وما يتعلق بهما.. وقد أحالوه إلى مجلس تأديب جامعى فقرر أن وقف تعيينه كعميد غير قانونى فأحالوه بحجج واهية للنيابة العامة فأقرت سلامة موقفه وحقه فى التعيين.
فشعر د/ رجب بالظلم العظيم والإهانة الكبيرة، خاصة حينما أراد نائب رئيس الجامعة منعه من التدريس فرفع القضية على رئيس الجامعة ونائبه وكسب الأولى وفى طريقه لكسب الأخرى.
وقد قال لى: لو أنى أعلم أن منصب العميد تحوطه الصراعات والكراهية والنزاع ما ترشحت له.. ولولا زملائى وتلاميذى الذين شجعونى لذلك ما ترشحت ولولا الظلم الذى كابدته ما رفعت أى قضية.
وقد أفادنى هذا الظلم أن جعلنى أقوم الليل وأدعو الله أن يظهر الحق ويبطل الباطل.. واستعيذ بالله من غلبة الدين وقهر الرجال.
وحينما صدر الحكم تذكرت كلمة الشيخ الشعراوى: «إن الله لا يميت المظلومين حتى يروا مصارع ظالميهم فى الدنيا.. وأن الله يمهل أى مذنب ليحاسبه فى الآخرة إلا الظالم والباغى فيحاسب فى الدارين».. إننى لم أتصور أن الجامعة أصبحت كالغابة فلم أعرف الصراعات طوال حياتى فقد كنت أستاذا فى الكويت عشر سنوات.
قلت له: إن أسوأ شىء هو أخذ الناس بالشبهات وتلطيخ سمعة الشرفاء عامة.. والعلماء خاصة «فطوبى للمساكين والمحرومين»، كما قال عيسى بن مريم.. وويل للظالم فى كل حين.