أحدث الأخبار
كتب: عمرو حمزاوي
هما قاعدتان جليتان وعصيتان على المنازعة، استقلال الهيئات الرقابية وهيئات المساءلة والمحاسبة من جهة واستقلال منظومة إنفاذ القانون المستندة إلى عدالة وحيادية الإجراءات القضائية من جهة أخرى يمثلان الشرطين الأساسيين لشمول وفاعلية مكافحة الفساد.
جيد أن تنشط بعض المؤسسات والأجهزة الرسمية في مصر لمكافحة الفساد، جيد أيضا أن يساءل ويحاسب بعض شاغلي المواقع الحكومية بشأن شبهة استغلال المنصب والنفوذ وشبهة التورط في ممارسات فاسدة. غير أن الأمرين يظلان على طبيعتهما الجزئية وهويتهما المحدودة ما لم تقر قاعدة استقلال هيئات الرقابة والمساءلة والمحاسبة، وما لم يتم غل يد السلطة التنفيذية عن استتباع الهيئات هذه وعن توجيهها وفقا للمصالح والأهواء.
والشىء ذاته يرتبط باستقلال منظومة إنفاذ القانون وصون عدالتها وحيدتها إزاء التغول التقليدي للسلطة التنفيذية، وإزاء النزوع التقليدي أيضا لمراكز الحكم وللمؤسسات الأمنية ولأصحاب النفوذ الاقتصادي والمالي للحيلولة دون اقتراب هيئات الرقابة والمساءلة والمحاسبة منهم، بل وسعيهم المستمر لدفعها باتجاه تطبيق إجراءات انتقامية وعقابية بحق من يصنفونهم كمعارضين ومناوئين ومغضوب عليهم أو كضعفاء يسهل التضحية بهم.
دون ذلك يتراكم الفساد، ويرتبط عضويا ببعض مراكز السلطة والقوة والنفوذ، ويستعصى على المكافحة الشاملة والفعالة، وتكتسب شبكاته ــ التى تتداخل بها المستويات العامة عبر بعض شاغلى المناصب الرسمية مع المستويات الخاصة وثيقة الصلة ببعض عناصر النخب الاقتصادية والمالية – اعترافا واقعيا بحصانتها وبالعجز عن تفكيكها والتخلص منها.
هنا جوهر التحديات التي تواجهها مصر في الملف المتضخم للفساد. فالهيئات الرقابية وهيئات المساءلة والمحاسبة يرد على استقلالها الكثير من علامات الاستفهام، خاصة بعد أن تم تمرير تعديلات قانونية تستتبع عمل هذه الهيئات لرأس السلطة التنفيذية من خلال منحه صلاحية إعفاء رؤسائها وأعضائها من مناصبهم وإعفائه هو من كل رقيب أو حسيب. واستقلال منظومة إنفاذ القانون وصون عدالتها وحيدتها يرد عليه أيضا الكثير من علامات الاستفهام، من جهة فى ظل نزوع الحكم إلى العصف بمضامين سيادة القانون (تراكم غير مسبوق للمظالم والانتهاكات) وتمرير الكثير من النصوص القانونية الاستثنائية (من قانون التظاهر إلى تعديلات قانونى العقوبات والإجراءات الجنائية وقانون الإرهاب وقانون الخدمة المدنية) والتورط فى ممارسات استثنائية (تمكين لجنة حكومية من تجميد ومصادرة الملكية الخاصة لمواطنات ومواطنين دون إجراءات تقاضى تسبق إنزال العقاب)، ومن جهة أخرى فى ظل تحالف «التأييد نظير الحماية والعوائد» الذى يصل بين الحكم وبعض عناصر النخب الاقتصادية والمالية ويباعد فى التحليل الأخير بين هذه العناصر وبين التعرض لإجراءات رقابة ومساءلة ومحاسبة حقيقية تواجه الفساد وتفكك شبكاته.
جيد، إذن، أن تنشط الهيئات الرقابية وهيئات المساءلة والمحاسبة لمكافحة الفساد فى مصر، ولا ينبغى أبدا أن يبخس العاملون فى هذه الهيئات حقهم فى تقدير دورهم المهم . غير أن الاقتراب الجاد من شمولية وفاعلية مكافحة الفساد ومن تفكيك شبكاته ومن تجاوز استثناء «المرضى عنهم حكوميا» من أصحاب المال والنفوذ يستدعى حضور شرطين أساسيين هما على النقيض من توجهات وممارسات الحكم، استقلال هيئات الرقابة والمساءلة والمحاسبة وليس استتباعها واستقلال منظومة إنفاذ القانون وليس تجريدها من التماسك والمصداقية عبر العصف بضمانات العدالة والحياد. حين يحضر شرطا الاستقلال هذان، عندها سننجح فى التخلص من الفساد وسننجح فى إيقاف استثناء «الكبار» وستسبق النجاحين عودة بلادنا إلى مسار تحول ديمقراطي.