أحدث الأخبار
كتبت: إيمان رسلان
العام الماضي، وفي أعقاب مطالبة الرئيس السيسي بضرورة تجديد الخطاب الديني، سارعت وزارة التعليم بالإعلان عن خطة لتطوير مناهج التربية الدينية في كل المراحل التعليمية، بل زيادة في التأكيد على جديتها تكونت لجنة لإعادة النظر في المناهج ضمت في عضويتها عدد من رجال الأزهر ووزارة الأوقاف طبقا للبيان الرسمي لوزارة التعليم.
وبعد عدة شهور، تخللها تعديلان وزاريان على منصب وزير التعليم، دخلت الكتب الجديدة المطورة فى التربية الدينية إلى حيز العمل الفعلى ويتسلمها الطلاب الآن مع بداية العام الدراسى الجديد. وطبقا للبيان الرسمى أيضا وعلى لسان رئيس قطاع التعليم العام الذى أكد فيه أن اللجنة قامت بمراجعة مناهج الدين الإسلامى لجميع المراحل الدراسية من الصف الأول الإبتدائى وحتى الثانوية العامة وأن أعمال التطوير فى المناهج تناولت قيم مثل التسامح وقبول الآخر!.
ومع تسارع وتيرة العمل وفى فترة الريبة الوزارية، وهل يبقى الوزير أم يرحل؟ انتهت الكتب المطورة للابتدائى والثانوى بينما الإعدادى مازال تحت إجراءات التسليم. فهل ستلبى المناهج رغبتنا جميعا فى التجديد؟ أو على الأقل تعطى الحد الأدنى من المعلومات التى تتناسب مع الرؤية الوسطية للإسلام وخاصة «قبول الآخر» كما يقول البيان الرسمى.
بقراءة سريعة لعدد ثمان كتب منها سنجد ملاحظتين.. والملاحظة الأولى خاصة بالشكل فكل الكتب عدد الصفحات به هزيل للغاية ويترواح ما بين 30 إلى أربعين صفحة خاصة كتب المرحلة الابتدائية بل إن جزءا كبير منها أسئلة وتدريبات والباقى مجرد عنوانين بالخط الكبير وأحيانا أسئلة بدون إجابات فى الكتاب! وبالتالى يترك أمر الإجابة إلى الاجتهاد وبالتأكيد نستنتج من إين سيحصل الطالب على الإجابة ! إما إذا انتقلنا إلى المضمون فسوف أترك للقارئ استنتاج الهدف من هذه الدروس والكلمات.
فعلى سبيل المثال فى كتاب الصف الأول الثانوى وتحديدا فى الوحدة الثانية يوجد درس بعنوان «الرسول صلعم زوجا» وفيه ذكر لأسماء زوجات الرسول «صلعم» من أمهات المؤمنين وحددهم بأكثر من عشر نسوة وتحديدا إحدى عشرة، ولا غبار على ذلك خصوصا أنه أعطى بعض المعلومات عن كل زوجة منهن وأسباب الزواج وأهدافه إلى آخره من معلومات مهمة، ولكن فى باب الأسئلة على الوحدة الثانية فهناك سؤال عن السيدة ماريا القبطية وأنها أنجبت للنبى محمد «صلعم» ابنه إبراهيم وبحثت فى الدرس بأكمله عن ماريا القبطية التى جاءت بالسؤال فلم أجد ذكرا لها على الإطلاق، ويصبح الاندهاش هو العنوان فلماذا وضعنا هذا السؤال إذا لم يكن هناك معلومات أو ذكر لها من الاساس فى الدرس؟ وهل الكتاب المدرسى لإعطاء المعلومات والمعرفة أم للبحث عنها لدى آخرين؟
لم تكن تلك هى المفاجأة الوحيدة للمناهج المطورة لتتلائم مع دعوة تجديد الخطاب الدينى بل المفاجأة الثانية كانت فى الكتاب المقرر على الصف الثالث الثانوى حيث يوجد درس كامل يحمل عنوان«عمل المرأة» فى الصفحة رقم 97، فيقول الدرس نصا«أن المرأة عليها أن تمارس وظيفتها الطبيعية كربة بيت ممتازة وتعطى من نفسها الكثير لمملكتها الصغيرة، فإذا تبقى شىء من وقتها فعليها أن تمارس هواياتها الخلاقة المثمرة من تطريز وخياطة وتفصيل وعمل مربات وحلوى ورسم وصناعات خفيفة وعليها أن تنتج وتتقدم بما تنتجه للأسر المنتجة». ثم فى فقرة مستقلة يقول: «وعليها ــ أى يقصد المرأة ــ أن تختار من الوظائف مايتلاءم مع طبيعة المرأة ويحفظ لها كرامتها وأن تبتعد عن الأعمال التى تتزاحم فيها مع الرجال وتحتك بهم؟!»، وعلامة الاستفهام والتعجب من عندى لأن السؤال المنطقى هنا إلى ماذا يدعو وتهدف هذه الكلمات فى درس مقرر لطلاب فى نهاية مرحلة المراهقة وعلى أعتاب دخول الجامعة، بالتأكيد أنهم سيفهمون من ذلك أن الدين الإسلامى ضد أنواع محددة من الأعمال خاصة التى بها اختلاط وأنها غير مفضلة لعمل المرأة خاصة الأعمال التى بها احتكاك بالرجال، وللحقيقة لم أفهم هنا المقصود تحديدا بلفظ «الاحتكاك بالرجال» وهل هو لفظ مناسب للمقصود أم لا؟
فهل المقصود التحذير من تحرش النساء بالرجال؟ وطبقا للمعلومات فليس لدينا فى مصر مثل هذه الشكاوى. أم أن المقصود هو عزل المرأة تماما أثناء عملها إذا اضطرت للعمل وبالتالى لا يحق لها مثلا تقلد وظائف فى إدارات مع الرجال، ناهيك طبعا عن وظائف ومراكز الوزيرة والسفيرة وحتى منصب رئيس الوزراء ولن نقول الترشح للمجلس النيابى أو منصب رئيس الجمهورية، وهل فتوى «إرضاع الكبير» تتوافق مع مفهوم كلمات الدرس حتى نعطى لها مشروعية للعمل مع الرجال كما جاء بالفتوى الشهيرة؟
لم يقف الأمر عند هذه المعانى فقط بل فى باب الأسئلة والتدريبات يأتى سؤال مباشر ونصه «اختر الأعمال المناسبة للمرأة من بين الأعمال الآتية مع بيان سبب الاختيار والمهن هى:الطب ــ الهندسة ــ المحاماة ــ التدريس ــ القضاء ــ الشرطة وأخيرا الجيش».. فما هو المتوقع من إجابات الطالب بعد شرح الدرس؟ وماذا لو جاء هذا السؤال بامتحان الثانوية العامة؟ وما هى الإجابة النموذجية طبقا للنموذج العام الذى يتم وضعه من الوزارة حول هذا السؤال؟ أم سيترك أمره اختيارى وفقا لرؤية وعقلية المصصح؟ وما هو موقف الطالبات من السؤال والإجابة خاصة أن الطالبات ينافسن زملاءهم الطلاب على المراكز الأولى وكثيرا منهن يفزن بأغلبية المراكز الأولى ويلتحقن بكل الكليات والتخصصات بما فيها الطب والهندسة، والآن المرأة تلتحق بالجيش والشرطة والقضاء؟
وفى درس آخر عنوانه التطرف والإرهاب فيقول إنهما من الظواهر البشرية وحينما نتعرض لها فإنما نقصد أن نعلم الطالب التوازن والاتزان حتى لا ينجذب إلى الإرهاب وحتى لا يخشى الإرهابيين! وثم فى فقرة أخرى يقول الدرس إننا فى هذا العصر قد نجد صورا للتطرف وعلينا ألا نضطرب من هذا ولا نفهم خطأ ان بعض المسلمين إرهابيون لأن التطرف ظاهرة بشرية إذن هو يوحد هنا بين الإرهاب والتطرف ونفهم من الكلمات أن ذلك من طبائع الناس إى بعبارة أكثر وضوحا علينا أل نصف بعض الاسلاميين بالإرهابيين ونتعامل معهم على غرار مقولة الحفاظ على حياة الخاطفين والمخطفوين الشهيرة وللحقيقة لم أفهم لماذا يدافع الكتاب المدرسى عن الإرهابيين الإسلاميين وكيف نفسر للطلاب ما يدور حولهم اليوم ليس من افعال إسرائيل بل من أفعال بعض المسلمين ضد المجتمع من حوادث قتل وخطف وحرق خاصة داخل حدود الوطن ولن نقول خارجه.
خطورة الأمر أن الطلاب من خلال هذه المناهج والدروس وأغلبها كما قلت عناوين بدون أمثلة أو شرح وهى أصلا تتناقض فعليا وعمليا مع الواقع اليومى المعاش يضعوا طلابنا (أى شبابنا) أمام تناقض رهيب إما برفض الواقع الذى يتعايش ويختلط معه وهو (لفظ أفضل من لفظ الاحتكاك الذى ورد بالمنهج الدراسى) ويتعامل فيه مع زميلته ولم تحدث جريمة أو تغيرلناموس الكون، أو الخيار الآخر برفض المجتمع والانعزال عنه وتكوين جماعة موازية (هذا إذا كان سلميا)، والمناداة بقصر تعليم المرأة على مرحلة محددة مع وضع مناهج خاصة بها لعمل المربى (مع أن شراءها أرخص اقتصاديا) كما قالت أم أيمن فى مجلس الشعب المنحل مع أنها طبيبة!! أو أن يحمل السلاح لتطبيق مفهومة كما تعلمه من كتب الدين وخارجها لأنها لا تعطى المعلومة المتكاملة وليس سلوكيات داعش والتيارات الإرهابية بل والمتطرفة ببعيد عن حياتنا الحالية.
والسؤال هل هذا هو التطوير المنشود (وما ذكرته بعض أمثلة فقط) وما هى التكلفة المادية التى ندفعها فى مثل هذا التطوير أم أن نظرية كله تمام يافندم هى التى تحكم مؤسسات التعليم سواء تغير الوزير أم لم يتغير.