أحدث الأخبار
ظللت أحلم طويلا بوزارة عملاقة يرأسها رئيس الجمهورية، وتتكون من أسماء كبرى لا شك فى قدرتها على العطاء وتمتعها بقاعدة شعبية كعمرو موسى للخارجية وعبدالمنعم أبوالفتوح للصحة وحمدين صباحى للإعلام وسليم العوا للأوقاف وهشام البسطويسى للعدل وخالد على للشباب مع بقاء المشير طنطاوى وزيرا للدفاع، وكان ممكنا بسهولة إيجاد موقع مؤثر للدكتور محمد البرادعى قد يكون وزارة التنمية المحلية، واختيار عناصر وطنية شبابية على درجة عالية من الكفاءة لباقى المواقع.
كنت أعلم وأنا الباحث فى السياسة وشئونها أن ما حدثتنى به نفسى أضغاث أحلام، ومع ذلك بقى أملى فى وزارة قوية ــ أيا كان لونها السياسى ــ تكون قادرة على تحمل التحديات الهائلة التى تواجه الوطن وفى مقدمتها تحدى الأمن. ثم أفقت من هذا كله على تكليف د. هشام قنديل بتشكيل الحكومة الجديدة، وكل ما أعرفه عنه من خلال سيرته الذاتية أنه صاحب مؤهلات محترمة فى مجاله وربما خبرة سياسية وإدارية فى حدود دوره كوزير للرى.
لفت نظرى سواء فى اختيار شخص رئيس الوزراء ثم فى مشاوراته لتشكيل الوزارة أن الموقف برمته ينطبق عليه القول المأثور «ما أشبه الليلة بالبارحة!»، فمرسى يفاجئنا باختيار شخصية غير متوقعة كما فعل مبارك طيلة حكمه، ورئيس الوزراء يقابل شخصيات محترمة يتحدث الإعلام عن ترشيحها لمنصب وزارى، ثم تتغير الترشيحات ويصرح رئيس الوزراء بأنه ليس كل من استقبله مرشحا لمنصب وزارى، ويذكرنا هذا الموقف بوزارة رجال الأعمال برئاسة أحمد نظيف التى توسطت تشكيلها اعتراضات كثيرة، وقيل حينذاك القول نفسه.
لفت نظرى كذلك أننا ما زلنا محافظين على فكرة وزارة المجموعة القريبة من صانع القرار. هكذا فعل المرحوم عاطف صدقى فى التركيز على اختيار زملائه سواء فى باريس عندما كان مستشارا ثقافيا أو فى الجامعة، كذلك فعل أحمد نظيف بتسكين مجموعته، وأحسست هذه المرة أن «مجموعة الزقازيق» مطروحة بشدة على رئيس الوزراء لانتماء رئيس الجمهورية لجامعة الزقازيق، ولا أدرى ما ذنب أساتذة الجامعات الأخرى الذين لم تُتح للرئيس فرصة معرفتهم عن قرب، لكن الارتباك الذى شاب التشكيل للأمانة قد قوض هذه الفكرة.
وأخيرا عرض المرشحون على الأجهزة الأمنية والرقابية التى تنتمى للنظام القديم، وهذا فى حد ذاته ليس سببا للتشكيك فيها، غير أن معناه أن رئيس الوزراء والقريبين منه لا يعرفون هؤلاء المرشحين حق المعرفة، وأن الحكم عليهم قد تم فى جزء منه وفقا للمعايير القديمة.
فى عملية التشكيل برزت عدة ظواهر، منها كثرة الاعتذارات عن تولى منصب وزارى (سبعة اعتذارات على الأقل)، والسؤال هنا هل كان ذلك بسبب رفض العمل فى إطار يسيطر عليه «الإخوان المسلمون؟» أم لأن المعتذرين وجدوا أن ضوابط الدور المنوط بهم تقيد قدرتهم على حسن الأداء؟ أما تغيير الترشيحات فحدث عنه ولا حرج، وقد أحصيت ثلاثين حالة تم فيها تغيير الترشيحات، وهذا فى ظنى دليل على ارتباك ما كان أغنانا عن عرضه على الرأى العام على النحو الذى يخلق مناخا من عدم الثقة.
من ناحية أخرى استمر استخدام أسلوب «الديمقراطية المباشرة» فى غير موضعه، وأعنى بها ضغط قطاعات ما من أجل تغيير مرشح أو تثبيت وزير، وقد حاول رئيس نادى القضاة أن يضغط من أجل الإبقاء على وزير العدل السابق وفشل، ومورست ضغوط ــ بعضها سلفى ــ من أجل تغيير المرشحين لوزارة الأوقاف ونجحت، وضغطت روابط عمالية فى وزارة الطيران المدنى من أجل تعيين وزير من خارج القوات المسلحة وتم لها ما أرادت، وضغط موظفون فى وزارة البيئة من أجل الإبقاء على الوزير السابق ونجحوا، أما الآثار فقد رفض عاملون بها استمرار وزيرهم وفشلوا.
وقد يقال إن الديمقراطية مطلوبة وبالتالى لا ضير فى هذا، إلا أن الديمقراطية فى الأساس عملية مؤسسية، وليست مجرد مجموعات من الأفراد لا نعرف عددهم أو صفتهم أو مصالحهم تضغط فى هذا الاتجاه أو ذاك. وأخيرا وليس آخرا تردد أثناء المشاورات أن الآثار ستدمج مع الثقافة وفى مرة أخرى مع السياسة، ولم يحدث هذا لحسن الحظ، كذلك تم فصل وزارة الإسكان إلى وزارتين، وللعمل الوزارى فى مصر سابق خبرة غير إيجابية بهذا الفصل، وقيل إن وزارة الإعلام ستلغى ليحل محلها مجلس وطنى يدير شئون الإعلام وهذا أفضل، غير أنه وضح من اختيار شخص وزير الإعلام أن «الإخوان المسلمين» يريدون السيطرة الكاملة على الإعلام.
أما التشكيل نفسه فأول ما لوحظ عليه خلوه من التمثيل المناسب للمرأة والأقباط، ومن الطريف أن قنديل قد ضرب عصفورين بحجر واحد، فأصبحت نادية زخارى وزيرة الدولة لشئون البحث العلمى ممثلة للقطاعين معا، مع إضافة وزيرة التأمينات الاجتماعية إلى تمثيل المرأة.
وقد اعترضت مصادر كنسية على هذا. وما زلت أحلم بألا يكون تمثيل الأقباط والمرأة من باب سد الذرائع، وإنما ذو صلة بمعيار الكفاءة وحده، بحيث يزيد عدد الأقباط والنساء فى وزارة ما زيادة ملحوظة ثم يقل بشكل واضح فى الوزارة اللاحقة حسب هذا المعيار.
كذلك كان لى تحفظ على شخص وزير العدل ليس طعنا فى كفاءته وإنما لأنه أدلى فى أزمة المحكمة الدستورية العليا بتصريحات أراها تسىء إلى القضاء، وأخيرا فإن وضع المشير طنطاوى يبدو غريبا، فهو رئيس للمجلس الأعلى للقوات المسلحة المنوطة به السلطة التشريعية الآن، فكيف يستقيم هذا الوضع؟ ومع ذلك فإن لوجوده فوائد دون شك ربما يأتى على رأسها أنه سيكون عامل توازن قدر المستطاع داخل الوزارة نظرا لما عرف عنه من أنه لا يكتفى فى مجلس الوزراء بمناقشة الأمور الدفاعية فقط، وقضية بيع بنك القاهرة شاهد على ذلك.
أخيرا يبقى استمرار الأسلوب السياسى «للإخوان المسلمين»، فهم يقولون إن نصيبهم فى الوزارة خمسة وزراء فحسب، وكلنا يعلم أنه بإضافة المتعاطفين ــ مثل رئيس الوزراء نفسه وغيره ــ يزيد العدد كثيرا، كذلك فإن اشتمال الوزارة الجديدة على تسعة وزراء من حكومة الجنزورى (أى أكثر قليلا من الربع) علما بوجود أربعة وزراء على الأقل كانوا مستشارين أو مديرى مكاتب للوزراء السابقين، بالإضافة إلى تكريم رئيس الجمهورية له بمنحه قلادة النيل وتعيينه مستشارا له، كل هذا يذكرنا بسلوك نواب الإخوان فى مجلس الشعب تجاه الجنزورى وحكومته إلى حد سحب الثقة منه لولا أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة أصر على الالتزام بالإعلان الدستورى، وليعلم «الإخوان المسلمون» أن هذا مع غيره يقوض صدقيتهم لدى الرأى العام.
على الرغم من هذا كله أتمنى التوفيق من كل قلبى لحكومة قنديل فى التصدى لما يواجهها من تحديات خطيرة، وبالذات فى مجال الأمن، وآخرها أحداث سيناء الدامية والخطيرة. أتمنى التوفيق وأضع يدى على قلبى فى الوقت نفسه انتظارا لتشكيل الفريق الرئاسى.