أحدث الأخبار
بينما يشرع وزراء حكومة الدكتور حازم الببلاوي -المدعومة من الجيش- في ممارسة مهامهم يحاول أنصار الرئيس المعزول محمد مرسي -بالأساس جماعة الإخوان المسلمين وجماعات إسلامية أخرى- تصعيد تحركاتهم بهدف إجبار الجيش على إعادة مرسي لمنصبه.
ورغم أن التحركات التي يقف خلفها الإخوان المسلمون تبدو أقل من أن تعيد الرئيس المعزول لمنصبه فإنها تطرح بقوة تساؤلات حول إمكانية إعادة إدماج الجماعة ومناصريها في المجال العام المصري بعد انتهاء هذه العاصفة.
قد يفيد الرجوع للخلف -لما قبل حكم مرسي- لفهم التطورات التي حولت الجماعة من عنصر أساسي في النقاش حول مستقبل البلاد إلى موضع تساؤل حول وجودها ذاته في المستقبل.
لقد ضرب انتصار الموجة الأولى من ثورة يناير 2011 -عبر الإطاحة بالرئيس الأسبق حسني مبارك- آليات وأجهزة النظام الحاكم في مصر بقوة، وجعل العودة للعمل بالآليات الأمنية التقليدية وتوزيع المنافع بالطريق السابقة على الثورة أمرا غير قابل للاستمرار من وجهة نظر أغلبية المواطنين.
حاول الجيش -الذي سلمه مبارك السلطة بعد تنحيه في فبراير- ترميم أجهزة الدولة القديمة والحفاظ على الآليات السابقة بقدر المستطاع مع الاستفادة من الزخم الجماهيري في الإطاحة بجناح رجال أعمال -حازوا مواقع متميزة في آخر سنوات مبارك- من دائرة القرار اليومي للسلطة لصالح الجنرالات.
من ناحية أخرى بدأت جماعة الإخوان المسلمين في نسج علاقات متميزة مع الجيش فور الإطاحة بمبارك، وظهر ذلك أولا في التعديلات على الدستور القائم وقتها والتي طرحت للاستفتاء في مارس 2011.
شارك ممثل للإخوان في صياغة التعديلات الدستورية وحشدت الجماعة وباقي التيارات الدينية للموافقة على التعديلات، وبدا أن المفاوضات الجانبية بين الجماعة وممثلي النظام القديم خلال الثورة بدأت تتحول إلى تحالف جدي.
فاز الإخوان وحلفاؤهم في كل تصويت شعبي أجري بعد ثورة يناير ابتداء من استفتاء مارس وحتى استفتاء الدستور نهاية 2012، ولكن بدا من معدلات التصويت أن الثقة فيهم تتراجع.
فمقابل نسبة تفوق 77 بالمئة للموافقين في استفتاء مارس 2011 بلغت نسبة الموافقين على الدستور نحو 63.8 بالمئة، ولكن النسبة كانت كافية من وجهة نظر الإخوان واللجنة المشرفة على التصويت لتمرير الدستور.
لقد شكلت نتائج هذه الانتخابات خلفية لما اعتبره محللون بناء تحالف محافظ جديد يحكم مصر بآليات انتخابية، تحالف يتصدره الإخوان المسلمين ويشارك فيه الجيش من موقع متميز، ويتأسس على القدرة الانتخابية للجماعة ودعم بيروقراطية الدولة الذي يضمنه الجيش والأجهزة الأمنية.
ضمن التحالف الذي كانت تتصدره جماعة الإخوان مصالح مؤسسة الجيش القوية في مصر، ويحافظ على البنية الاقتصادية الاجتماعية للمجتمع الموروثة من عهد مبارك، كما يبقى على هيكل أجهزة الدولة البيروقرطية والأمنية دون تغيير كبير.
وضمن الإخوان المسلمين عبر التحالف الجديد إدخال أكبر عدد ممكن من رجالهم في آلة الدولة البيروقراطية، التي أصبح على رأسها محمد مرسي أحد أبناء الجماعة المخلصين، والذي انتخب في يونيو 2012 رئيسا بنسبة تزيد قليلا عن 52 بالمئة من الأصوات.
وذلك بالطبع إضافة لمن ينجحون في الوصول للمؤسسات التشريعية سواء بالانتخاب أو بالتعيين.
ويسمح هذا التغلغل في الجهازين التشريعي والتنفيذي لجماعة الإخوان بتوزيع المكاسب على الأعضاء، والأهم هو ضمان إعادة إنتاج الأغلبية الانتخابية عبر استخدام موارد الدولة في شراء الأصوات والسلطة التشريعة في هندسة المجال السياسي بما يخدم مصالح الجماعة.
وبدا لفترة -بعد استفتاء الدستور ومرور مظاهرات يناير 2013 بسلام- أن الأمور استتبت لجماعة الإخوان في قيادة التحالف الحاكم، وبدأت في توزيع أعضائها على المناصب المختلفة في أجهزة الحكم المحلي والبيروقراطية العليا.
لكن مزيجا من عدم الخبرة وضعف الكفاءة والتوقعات الاجتماعية العالية والقدرة الاستثنائية على إثارة الخصومات مع الحلفاء السياسيين قبل الفرقاء أشعلت الأرض تحت أقدام الإخوان.
فبالإضافة لزيادة كبيرة في أعداد الإضرابات العمالية بعد فوز مرسي، شجعها خطاب جماعته الذي طالما تغنى بالعدل وخطابات مرسي الأولى نفسها التي سعت للتقرب إلى الأوساط الفقيرة، بالإضافة لذلك فإن سلوك الجماعة الميال للانفراد بالقرار عزلها عن أغلب القوى السياسية حتى الإسلامية منها.
ومع اقتراب العام الأول من حكم محمد مرسي من نهايته، كان من الواضح أن جماعة الإخوان بدلا من أن تضع الأساس لسلطة جديدة تدير الأمور بما يضمن الاستقرار والحفاظ على مصالح الحلف الحاكم، أثارت من الاضطرابات ما هدد مستقبل النظام الحاكم بأكمله.
وكانت مظاهرات 30 يونيو فرصة للشريك الرئيسي في التحالف الحاكم -الجيش- لإبداء تذمره من فشل الإخوان في إدارة المجال السياسي وانعدام الكفاءة فيما يتعلق بإدارة الاقتصاد وأجهزة الدولة، ولذك كانت خطابي مهلة الأسبوع ثم المهلة الأخيرة ذات الـ48 ساعة.
وبدا أن التشققات في التحالف الحاكم دفعت مزيد من الجموع الغاضبة للنزول للشارع ضد الإخوان الذين لجأوا لمزيج من التهديد بالعنف وحشد شبكات مؤيديهم في الشارع ما قاد لمواجهات دامية مع المعارضين.
حول عناد الإخوان المسلمين في الأزمة الجماعة من قائد للتحالف الحاكم إلى عبء عليه، وهو ما دفع قيادة الجيش للإطاحة بمرسي في انقلابهم العسكري الناعم 3 يوليو والبدء في البحث عن شركاء جدد لإعادة بناء تحالف حاكم جديد.
لكن هذه الخطوة لم تتقبلها جماعة الإخوان ببساطة، وقررت تصعيد المواجهة وشن حملة تشمل مظاهرات وأعمال ترويع وعنف لتأديب الفئات المعارضة.
اعتمدت حملة التصعيد على حشد شبكات المؤيدين من ريف الدلتا والصعيد لإرهاب المدن الكبرى التي شهدت أقوى المظاهرات ضد محمد مرسي، وترويع المسيحيين بخاصة -الذين عارض قادتهم مرسي بشكل علني على مدى شهور- سواء في المدن أو سيناء أو الصعيد فيما يمكن وصفة بـ"انتفاضة فاشية".
اعتمد حشد الإخوان بالأساس على خطاب حول إنقاذ الإسلام وإلقاء اللوم على المسيحيين في عزل مرسي، واعتمدت تكتيكاتهم على التهديد باستخدام العنف واستخدامه أيضا.
لكن الفشل في الانتصار على الجماهير المحتقنة تجاه الإخوان، والتي أصبحت أجهزة الدولة القمعية تعمل معها ضد مؤيدي الجماعة وميليشياتها، اضيف إلى قائمة الأمور التي فشلت فيها الجماعة، ليتعقد المشهد بشدة.
فمن جهة هناك سلطة جديدة قيد التشكل، وهناك جماهبر غاضبة في المدن لفظت الإخوان المسلمين، وتورطت الجماعة ومناصروها في أعمال عنف دموية تجاههم تصعب عودتهم للنشاط بسلاسة في كثير من المناطق.
وبينما تسعى السلطة الجديدة لتثبت أقدامها فإن تحركات الإخوان وعناد قياداتهم تجر المواجهات نحو مسار صفري، حتى بات من المرجح أن إعادة إدماج جماعة الإخوان في الحياة السياسية لن يتم قبل هزيمتها بصورة تامة في مواجهات الشارع وعزل قادتها ومحاكمة أغلبهم.
قد يكون هناك فرصة لاستئناف المسار السياسي بعد هزيمة الجماعة أو بعد تفاوض على انسحابها بأقل الخسائر من المواجهة القائمة، لكن الخاسر الأكبر بالتأكيد سيكون هو مسار الإصلاح السياسي بعد ثورة يناير.
فعام من حكم الإخوان وأسابيع من مواجهتهم -باسم الحرب على الإرهاب من قبل فئات كثيرة- أعاد للأجهزة الأمنية الكثير من قوتها التي فقدتها في ثورة يناير، وازداد الفشل الاقتصادي تعقدا ما يهدد بزيادة جيش البطالة وهو مخزون محتمل للاضطرابات والرجعية.
وأخيرا فإن المسار السياسي الجديد أصبح مهددا بالكامل، سواء من جهة الإسلاميين حيث يتوقع أن يرفض بعضهم هذه المسار ويلجأ لمواجهة مسلحة طويلة المدى مع السلطات، أو من جهة الفشل في بناء تجالف سياسي جديد ينجح في قيادة البلاد نحو النمو المتوازن الذي يلبي طموحات الأغلبية.