أحدث الأخبار
في ٢٠١٢ وصف المرشح الجمهوري في الانتخابات الأمريكية ميت رومني القلق المتصاعد فيما يتعلق بتفاقم عدم المساواة أمريكيا وعالميا بالقول “أنتم تعرفون، أعتقد أن الأمر يتعلق فقط بالحسد”. في هذه الجملة يلخص رومني - بفجاجة تليق بالسياسيين والجمهوريين خصوصا - منطقا في علم الاقتصاد ساد سنوات طويلة في تحليل علاقة النمو الاقتصادي بتحقيق العدالة والمساواة: زيادة التفاوت نتيجة طبيعية في المراحل الأولى للتصنيع بسبب أن أقلية فقط هي التي تكون مهيئة للاستفادة من الثروة الجديدة التي يجلبها التصنيع. ورغم أن ممثلي هذا التيار في الأكاديميا يؤكدون أن الثروة ستعم الكل في نهاية الأمر، و"سترفع كل المراكب"، إلا أن ممثلي هذا التيار أكاديميا وسياسيا يتفقان على أن المسئول عن عدم المساواة في نهاية الأمر هو كسل الناس ونشاطهم: التفاوت الحتمي في إنتاجية الناس وبالتالي فإن فائق الثراء والفقير المدقع يستحقان مآلهما، الأغنياء أغنياء لأنهم أفضل في خلق الثروة. ليس هذا فقط، بل إن أي محاولة لتعديل هذه النتيجة الطبيعية هي ضد كفاءة الاقتصاد وتعميم للفقر، أو تغليبا للإعالة باسم العدالة، كما وصف أحد الكتاب المصريين الذي يصف نفسه بالليبرالية في سلسلة مقالات العام الماضي.ويكرر هذا الكاتب مقولات صارت مصداقيتها في الأرض عالميا من أن رجال الأعمال هم حتى أفيد للمجتمع بفضل ثروتهم من ملايين من الفقراء الذين يتحولون بسبب "جهلهم وكسلهم" لعالة علي الدولة.
لكن هاهو كتاب "آخر" يجيء ليقول شيئا مغايرا لكل هذا. وهو ليس أي كتاب في الواقع. فمنذ أن صدر "رأس المال في القرن الحادي والعشرين" للباحث الاقتصادي الفرنسي توماس بيكيتي مطلع مارس الماضي، لا تكاد تخلو صحيفة عالمية كبرى من مقال عنه، وقد خصصت له مجلة الإيكونوميست البريطانية اليمينية المحافظة عرضا وصف الكتاب بأنه أهم كتاب اقتصادي في آخر عشر سنوات ثم سلسلة مقالات للتعامل مع فرضياته بخصوص المساواة وعلاقتها بتطور الرأسمالية والنمو على مدى أكثر من مائتي عام.
والحقيقة أن كتاب بيكيتي، الذي دخل قوائم الأكثر مبيعا رغم طبيعته العلمية الجادة، هو امتداد لتيار يتحدى مقولات أن التفاوت ظاهرة طبيعية ستحلها الرأسمالية من تلقاء نفسها بعد أن صار واقع التفاوت وعدم المساواة يتفاقم بشكل عنيف يوما بعد يوم مما بدأ يعكس نفسه ليس فقط اقتصاديا بالذات في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية، لكن أيضا سياسيا. فقد فرضت سيطرة الواحد في المائة الأغنى عالميا على مفاتيح الديمقراطية التمثيلية التساؤلات عن مصير هذا النموذج في الديمقراطية ومصداقيته. وقبل أسابيع، اعتبرت دراسة لجامعة برينستون الأمريكية المهمة أن الولايات المتحدة "لم تعد ديمقراطية".
يرصد تقرير لمنظمة أوكسفام صادر في يناير ٢٠١٣ بعنوان "تكلفة عدم المساواة: كيف يضر التفاوت في الدخل والثروة بنا جميعا"، التصاعد الهائل في التفاوت في فرص الناس على كوكب الأرض وحظوظهم فيما يتعلق بالدخل والثروة. يقرر التقرير الحقيقة القاسية وهي أن دخل المائة ملياردير الأغنى عالميا في ٢٠١٢ سيكون كافيا من أجل إنهاء الفقر المطلق للأبد في العالم" مطالبا قادة العالم بالتعامل مع الأزمة حتى بهدف إيصال عدم المساواة لمستوياته عام ١٩٩٠. “أغنى واحد بالمائة من السكان زادوا من دخولهم بنسبة ٦٠٪ في العشرين عاما الماضية، وقد تسببت الأزمة المالية العالمية في تعميق وتسريع هذه الوضعية"، بحسب التقرير. وقد عكس التفاوت نفسه بعشرات الأشكال الأخرى منها القدرة على الوصول للخدمات العامة الأساسية وللعمل الملائم.
وقد فرضت هذه الوضعية حتى علي مؤسسة كصندوق النقد الدولي مراجعة خطابها التاريخي، لتصدر عنها ورقة عمل في فبراير الماضي تقول بوضوح أنه لكي يكون هناك نمو اقتصادي مستدام لابد من تقليل عدم المساواة.
لماذا كل هذه الضجة؟ ماذا يقول الكتاب؟
رغم أن كتاب بيكيتي هو امتداد لتيار قديم أصبح صوته مسموعا مؤخرا أكاديميا بسبب هذا الفشل للنظام القائم، إلا أن أهميته تأتي من أن الكتاب يقوم على تحليل لبيانات الدخل والثروة في الولايات المتحدة وفرنسا وعدد من الدول المتقدمة ولفترات زمنية تعود مئات السنين للوراء. ويشير بيكيتي في كتابه إلى أنه حصل على درجة الدكتوراه من الولايات المتحدة،"كي يتم الاعتراف به" كباحث في الاقتصاد الكمي، غير أنه يرى أن إنجازات مدرسة باريس في الاقتصاد أكثر أهمية. بهذا يستخدم بيكيتي نفس السلاح الرئيسي الذي استخدمه منظرو الليبرالية الجديدة وعلم الاقتصاد في الولايات المتحدة سنوات طويلة ليوجه ضرباته: سلاح النماذج الرياضية وتحليل البيانات. بل إن بيكيتي يذهب للقول إن كتابه هو الذي يجعل للجدل الفكري التاريخي من أيام كارل ماركس وريكاردو أرضية علمية متكاملة ولأول مرة.
لا يكتفي بيكيتي بتحليل عدم المساواة في الدخل وإنما يدرس أثر تراكم الثروة ونصيبها من الدخل القومي في خلق عدم المساواة، ويكتشف أن مستويات عدم المساواة بهذا وصلت إلى ما يقترب من المراحل الأولى للرأسمالية "عصر القشرة الذهبية"، The Gilded Age. في ٢٠١٠ وصل نصيب أغنى ١٠٪ من الثروة إلى ٦٠٪ في أوروبا و٧٠٪ في الولايات المتحدة، بينما بلغ نصيب أغنى ١٪ ربع الثروة و٣٥٪ منها على التوالي. أما نصف السكان الأفقر في أوروبا والولايات المتحدة فلم يتعد نصيبه من الثروة ٥٪، بحسب نموذج بيكيتي. ولا تشمل دراسة بيكيتي بالطبع ما يقدر بما بين ٢١ إلى ٣٢ تريليون دولار مهربة في الملاذات الضريبية، كما أن اعتماده علي بيانات الضرائب يجعل هذه التقديرات على قتامتها أقل من الحقيقة لأنها ترتبط بمدى شفافية وكفاءة الأنظمة الضريبية المرتبطة بها، وهي ليست بلا عيوب.
من خلال هذا التحليل التاريخي الكمي يصل بيكيتي إلى نتيجة سوداء: الرأسمالية تخلق التفاوت الذي يتعمق بسبب زيادة نصيب أصحاب الثروة وتركز ثرواتهم يوما بعد يوم. أما الاستثناءات التي يرصدها نموذج بيكيتي فهي ليست طبيعية بالمرة. فتحسن التفاوت يرتبط إما بكوارث وحروب تدمر جزءا ملموسا من أصول ثروات الأغنياء أو ثورات ونضالات جماهيرية تنتزع جزءا منها انتزاعا.
يستنتج بيكيتي أنه "يجب الحذر من أي حتمية اقتصادية فيما يتعلق بعدم المساواة في الثروة والدخل. فتاريخ توزيع الثروة كان دائما سياسيا في العمق، ولا يمكن اختصاره في آليات اقتصادية نقية"، وأن هذا التاريخ "طالما تشكل عبر الفاعلين السياسيين والاقتصاديين والاجتماعيين وكيف يرون ما هو عادل وما هو ليس عادلا، بالإضافة إلى القوة النسبية لهؤلاء الفاعلين والاختيارات الجماعية التي يتبنونها. هي نتاج مشترك لكل هؤلاء مجتمعين".
لا يتوقف بيكيتي عند رصد عدم المساواة كظاهرة مضادة للعدالة لكنه ينطلق من هذا لاستنتاجات أخطر تتعلق بكفاءة النظام ومستقبله. فهو بسبب سيطرة الثروة المتراكمة وأصحابها على الدخل القومي، ومع كل التوقعات العالمية بتراجع معدلات النمو الاقتصادي عموما، يتوقع المزيد من تفاقم عدم المساواة مما يهدد بقاء النظام سياسيا. ومع الدور المتزايد للثروة والإرث يحذر بيكيتي من اختفاء ما تقول الرأسمالية إنه عماد حيويتها الدائمة: رائد الأعمال المبتكر الذي يتحمل المخاطر ويحصد الثمار.
"بغض النظر عن مبررات الطريقة التي بدأت بها عدم المساواة في الثروة، فإن الثروات يمكن أن تنمو وتتوالد بما يتجاوز كل الحدود المنطقية، وبما يفوق أي تبرير عقلاني بمنطق المنفعة العامة. لذلك ينزع رواد الأعمال للتحول إلى مستثمرين في الريع، ليس فقط بالتوريث عبر الأجيال لكن حتى دون ذلك..الذي يحوز أفكارا جيدة وهو بعمر الأربعين لن يكون بمقدوره ذلك بالضرورة بعمر التسعين، وليس من المؤكد أن يكون لأطفالهم أي فكرة جيدة. لكن الثروة تبقى"، يقول الكتاب.
بيكيتي وماركس
بسبب هذا التشابه بين استنتاجات بيكيتي وبين استنتاج ماركس التاريخي بأن الرأسمالية تخلق وتراكم التفاوت بين رأس المال وبين العمل مما يجعل منها "حفار قبرها"، وربما أيضا بسبب عنوان الكتاب، الذي يشابه عنوان كتاب ماركس العمدة، يعتبر كثيرون بيكيتي ماركسيا أو حتى امتدادا للفيلسوف الألماني الذي غير العالم. ويصفه البعض بأنه ينتمي لماركسيي الألفية. لكن بيكيتي لا يعتبر نفسه ثوريا بأي حال. هو كما يصف نفسه في كتابه ممن يعتقدون بإصلاح الرأسمالية من داخلها أو إنقاذها من نفسها. ويذهب لإثبات ذلك لحد القول إنه لم يقرأ "رأسمال ماركس" أصلا. والحقيقة أن توصيات بيكيتي الأساسية هي توصيات إصلاحية بالأساس ركنها الركين هو فرض ضريبة عالمية على الثروات المتراكمة تساهم في إعادة بعض التوازن لمعادلة الرأسمالية الإنتاجية وضمان استمرار النظام.
وفي الحقيقة فإن كتاب بيكيتي يختلف كثيرا في نطاقه عن كتاب ماركس. هو في الأصل كتاب عن تحليل عدم المساواة بينما كتاب ماركس تحليل للرأسمالية كنظام ولرأس المال كتصنيف سياسي وقانوني واجتماعي، بحسب تعبير الاقتصادي الأمريكي جيمس كي جالبريث. كما أن بيكيتي في نقد آخر وجهه الاقتصادي والجغرافي البريطاني البارز ديفيد هارفي لا يتعامل مع رأس المال كعملية، وبالتالي لا يقدم تفسيرا حتى للأزمة العالمية في ٢٠٠٧ و٢٠٠٨، ولا يتعامل مع أعراض أزمة الرأسمالية الأخرى كالتدمير البيئي أو مع السيطرة السياسية للأقلية التي خلقها تطورها في صيغة مشروع الليبرالية الجديدة.
غير أن هذا الطابع الإصلاحي لا يحمي بيكيتي من هجوم أمثال رومني وقادة المدفعية الفكرية لليمين. فبعد صمت شهور تحت وقع الصدمة، اكتفى خلاله اقتصاديو التيار السائد بشتم بيكيتي بكافة التوصيفات الفكرية المنفرة، التي على رأسها أنه ماركسي، هاهي جريدة الفاينانشيال تايمز البريطانية تشن هجوما، وضعته في صدر موقعها ليومين متعاقبين، على دقة بياناته العلمية ونموذجه الرياضي. ورغم أن بيكيتي يتيح بيانات نموذجه بافتراضاته الكترونيا على الانترنت سريعا، ورغم أن دراسات أخرى تثبت نتائجه، إلا أنه من المتوقع أن يستمر الهجوم عليه. يقتبس الاقتصادي الأمريكي الحائز على نوبل بول كروجمان في مقال له بنيويورك تايمز لباحث في معهد أمريكان اتنربرايز هو جيمس بيثوكوكيس القول بإنه "يجب دحض عمل بيكيتي لأنه بدون هذا سينتشر وسيعيد تشكيل المجال السياسي والاقتصادي التي سيتم فيه شن كل المعارك المتعلقة بالسياسات في المستقبل".
هكذا تحدث بيكيتي عن مصر
هذه المعركة الأيديولوجية ليست بعيدة عن مصر. فقد فرضت ثورتا تونس ومصر بشعار "عيش ..حرية..عدالة اجتماعية" قضية عدم المساواة على جدول الأعمال قسرا رغم كل محاولات حصر ثورة يناير في إطار ثورة الشباب أو الفيسبوك أو ثورة على الشرطة أو حتى على طول حكم مبارك، فإن الطابع الاقتصادي الاجتماعي المتعلق بإعادة توزيع الثروة والفساد يعود بقوة وثقل الشارع مرة تلو المرة ليدفع بفكرة اسقاط نظام عدم العدالة. وهكذا، وبعد أن دخلت المؤسسات الدولية والاقتصاديون والمسئولون لفترة في منطقة التراجع المنظم في مواجهة نفوذ الثورة، هاهم ينظمون هجمة مضادة منسقة في عكس الاتجاه. هاهي مسئولة العدالة الاجتماعية في الحكومة تضع المساواة بعد الكفاءة والإنتاجية معيدة مرة أخرى نفس الرطان الذي يدمره كتاب بيكيتي تدميرا. وهاهي نفسها تشارك في كتاب صادر عن البنك الدولي يقول إنه لم تكن للثورة أسباب اقتصادية أو تتعلق بعدم العدالة، وإنما بالأساس بسبب ارتفاع توقعات المصريين بفعل معدلات النمو العالية في ظل حكومة نظيف (قارن بدفاع أحمد عز رجل أعمال نظام مبارك القيادي في الحزب الوطني عن نفس الفكرة في أعقاب انتخابات ٢٠١٠):يستنتج الكتاب أن عدم المساواة تحسنت في نهاية عهد مبارك.
والحقيقة أن هذه الغنوة تجيء من كورال منسجم يلعب فيه دور المايسترو كتيبة باحثي البنك الدولي، الذي هو طرف أساسي في خطط إعادة هيكلة الدعم "لإيصاله لمستحقيه" حاليا بالتنسيق مع وزارة المالية في مصر. فقد سبقه بحث آخر في نهاية ٢٠١٣، ودراسة روسية بنفس الاستنتاج يتداولها وينشرها مقربون وشركاء مباشرون لجمال مبارك.
ويرد بيكيتي ومعه فاكوندو آلفاريدو بشكل مباشر على هذه الفكرة في دراسة نشرها قبل أيام في منتدى البحوث الاقتصادية، الذي يرأسه وزير المالية السابق أحمد جلال. في الدراسة التي تجيء تحت عنوان "قياس الدخول العليا وعدم المساواة في الشرق الأوسط: قيود البيانات في الحالة المصرية"، يستنتج بيكيتي بوضوح "نختلف مع التقدير بأن عدم المساواة في مصر أو الشرق الأوسط أقل نوعيا بالمعايير الدولية". ويذهب بيكيتي وآلفاريدو لحد التشكيك في قدرة معامل جيني الذي يعتمد عليه باحثو مدفعية نمو جمال مبارك الفكرية على تفسير الأمر. ومعامل جيني هو مقياس للتفاوت بين صفر وواحد حيث واحد هو اقصى عدم المساواة وصفر هو المساواة المطلقة. يقول بيكيتي ان طريقة الحساب تلك تقلل عموما بالضرورة من عدم المساواة لكنها في الحالة المصرية أضل. فهي لا تقوم على بيانات الدخل وإنما على الإنفاق، وعلى ما يقول الناس في بحث الإنفاق إنهم ينفقونه، وهذا عنصر إضافي يقلل من بيان التفاوت بين الدخول العليا والدخول الدنيا ناهيك عن دقة هذه البيانات. يقول الباحثان أن عدم دقة البيانات وعدم كفايتها تؤديان للتقليل (أو عدم دقة) تقديرات عدم المساواة في مصر وفي الشرق الأوسط.
ومع عدم توافر أي بيانات عن رصيد الثروة المتراكم ودوره في مصر خاصة بعد نزح ثروات مصر في الأراضي والموارد لحساب رأسمالية المحاسيب، فإن نموذج بيكيتي غير قابل للتطبيق في مصر وبالتالي ما خفي كان أعظم.
***
في مقال له علي موقع "بروجيكت سنديكت"، في ٢٠ مايو ٢٠١٤، يتساءل الاقتصادي البريطاني الكبير روبرت سكيدلسكي: "ماذا لو نضبت مصادر النمو ليس بشكل مؤقت وإنما بشكل دائم؟". يطرح سكيدلسكي هذا السؤال في إطار استمرارية أزمة الرأسمالية منذ ٢٠٠٧-٢٠٠٨. وينقل سكيدلسكي عن لاري سمرز وزير الخزانة الأمريكي السابق و"وكبير خبراء الاقتصاد في كل المؤسسات الكبرى تقريبا في زمن أو آخر"، أن الربحية المتوقعة من الاستثمار في انحدار وأن أسعار الفائدة لا يمكن أن تهبط عن صفر كي تشجع النمو وأن ذلك قد يؤدي لهبوط توقعات الربح إلى ما دون تكاليف الاقتراض.
بالنسبة للرأسمالية هذه أزمة كبرى لكن سكيدلسكي يحاول رؤيتها خارج منطق أسبقية الاستثمار الخاص المتركز في يد قلة تزداد تركزا: "وإذا بلغنا ذات يوم نقطة ‘الاستثمار الكامل‘ الحقيقي ــ وهو الوضع الذي يتزايد فيه المعروض من رأس المال إلى الحد الذي لا يتجاوز عنده العائد الصافى تكاليف الإحلال والإبدال ــ فإن هذا يعني أن الجنس البشري تمكن من حل مشكلته الاقتصادية. ويصبح التحدي آنئذ تحويل وفرة رأس المال إلى المزيد من أوقات الفراغ والاستهلاك المتوازن.
إذا حدث ذلك فسوف يعني أننا أصبحنا على أعتاب عالم جديد ــ والذي قد يصفه البعض بأنه الجنة على الأرض. ولكن هناك أمر واحد مؤكد إلى حد كبير: وهو أن قادة عالمنا الحالي سوف يبذلون قصارى جهدهم لضمان عدم وصولنا إلى هناك أبدا".