أحدث الأخبار
كتب: مصطفى كامل السيد
لا شك أن المخططين لمواجهة الجماعات الإرهابية التي تنشط في سيناء يدركون أنهم يسيرون على حقل ألغام، فهم يدركون حاجتهم الماسة بحق للدعم المعنوي من جانب الرأي العام ويحتاطون ألا تؤدي بعض إجراءات المواجهة التي يتخذونها إلى تحقيق بعض ما تسعى إليه الجماعات المسلحة من خلق هوة بين الشعب وقواته المسلحة وذلك دون قصد من هؤلاء المخططين.
ولهذا الدعم المعنوى من جانب المواطنين صور عديدة لا تقتصر على زيارة الجنود الجرحى والتعبير عن التعاطف معهم، ومواساة أسر الشهداء، واتخاذ المواقف العلنية من جانب الأحزاب ومنظمات المجتمع المدنى استنكارا للتهجم الغادر على من يدافعون عن الوطن ويصونون أمنه، ولكنه يمكن أن يتخذ صورة لاشك فى أهميتها وهى المساهمة فى النقاش حول سبل المواجهة، ليس بالضرورة بالدخول فى تفاصيل العمليات العسكرية، ولكن بطرح الأسئلة التى قد يغيب عن المخططين للمواجهة الالتفات إليها وذلك تحت ضغوط الانفعال بالغضب لمن وقع من الشهداء ومن أصيب من القوات، وكذلك تأثرا بخبرات سابقة أو بمعتقدات شائعة يروجها من يدعون أنهم خبراء فى مثل هذه المسائل.
•••
والواقع أن طرح أسئلة جديدة أمر ضرورى فى مثل هذا الظرف الجديد الذى تواجهه مصر. فمثل هذه الجماعات غير مألوفة فى تاريخ العنف السياسى الذى يستهدف الدولة. عرفت مصر استخدام السلاح فى الصراع السياسى فيها فى عصرها الحديث، ولكن الذين رفعوا السلاح كانوا إما أفرادا أو جماعات معروفة، وكان ضحاياهم من رجال الدولة ومن المواطنين وخصوصا مثقفين ومسيحيين، ومن رجال الشرطة. وكان مستوى التسليح محدودا يقتصر فى الغالب على أسلحة خفيفة، وذلك على عكس ما شهدته سيناء وواحة الفرافرة من استهداف جنود وضباط القوات المسلحة ومن جانب جماعات لا يعرف عنها الكثير سوى الأسماء التى تطلقها على نفسها فى البيانات التى تصدرها إشادة بما قامت به. كما أنها عالية التنظيم والتدريب، ويتوافر لها سلاح ثقيل ووسائل نقل متقدمة، وهى تختار لبعض عملياتها أن تقع فى منطقة لا تستطيع القوات المسلحة قانونا أن تستخدم فيها كل إمكانياتها، فكثير من عملياتها يقع فى المنطقة (ج) من سيناء، وهى التى حددت معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل التواجد العسكرى المصرى فيها بـ750 من جنود الشرطة المدنية مزودين بأسلحة خفيفة، وتشير التقارير أن التواجد العسكرى المصرى فى هذه المنطقة قد تجاوز ذلك، ولكنه لايقارن لا من حيث العدد ولا مستوى التسليح والاستعداد بما يتوافر فى المنطقتين الأخريين فى سيناء فى وسطها وغربها باتجاه قناة السويس.
•••
وأول الأسئلة التى يطرحها الرأى العام هى عن مدى توافر المعلومات عن هذه الجماعات المسلحة. هذا شرط أساسى لرسم استراتيجية المواجهة، ومع ذلك فالمعلومات المتاحة عن هذه الجماعة وعن المسئولين عن أعمال مشابهة شحيحة للغاية. لقد قيل إن الأفراد الذين قاموا بالهجوم على معسكر القوات المسلحة فى كرم القواديس قد اختفوا تماما بعد فعلتهم النكراء، ولم يكن هناك أى أثر لهم تركوه فى أعقابهم. ومع ذلك انطلقت التصريحات عن أن وراءهم أجهزة مخابرات ودول أجنبية، وأن ضباطا من حماس أمدوهم بالسلاح، وأنهم قد هربوا من خلال الأنفاق. ومن الواضح أن مثل هذه الظنون هى التى دعت إلى اتخاذ الإجراءات التى شرعت السلطات فى تنفيذها من إغلاق معبر رفح، وإخلاء الشريط الحدودى من قرابة ألف أسرة تعيش فيه والسعى لتدمير أى أنفاق قد يتم اكتشافها.
وليس من المستبعد أن تكون هذه الظنون صحيحة، ولكن واجب من يخططون للمواجهة الناجحة ألا يكتفوا بمثل هذه الظنون، وأن يسعوا إلى الحصول على معلومات مؤكدة عمن قاموا بهذا العمل الغادر وغيره من أعمال. وألا يستبعدوا أيضا افتراضات مغايرة، منها أن الذين قاموا بهذا العمل، كما ثبت من قبل، هم من شباب السيناويين، وأنهم لم يجيئوا من الأنفاق ولم يهربوا من خلالها، وأنه لا علاقة لهم بأى قوى خارجية. قد يكونون من التكفيريين المصريين، وللفكر التكفيرى جذور ضاربة فى مصر، وقد كان من رواده فى العقود الأخيرة سيد قطب الذى ألهم بكتاباته التكفيريين فى مصر وخارجها. ومن الواضح أن قبول احتمال أن تكون هذه الافتراضات الأخرى صحيحة، وهو أمر لا يمكن استبعاده، سوف يوجه استراتيجية المواجهة وجهة أخرى. فإخلاء الشريط الحدودى وتدمير الأنفاق قد لا يكونان كافيين إذا كان الإرهابيون فى هذه الحالة جاءوا من أو هربوا إلى مناطق أخرى، كما صرح بعض من يعلمون بواقع سيناء بل وبالمواقع التى هاجمتها القوات المسلحة من قبل غرب الشريط الحدودى وفى المناطق الجبلية فى شبه الجزيرة.
•••
وثانى هذه الأسئلة هو حول ضمان مساندة الرأى العام بكافة توجهاته للعمل البطولى الذى تقوم به القوات المسلحة والشرطة. هل من الصحيح أن إخلاء الشريط الحدودى يتم طوعا وأن سكان هذا الشريط متفهمون لدوافعه؟ وهل تتوافر لهم أماكن بديلة لا يجدون فيها فقط السكن الملائم ولكن فرص كسب القوت كذلك، وخصوصا أن المبلغ الذى قيل إن كل أسرة منهم ستتلقاه ( ثلاثمائة جنيه) لا يكفى أسرة واحدة بضعة أيام وعلى ضوء ما جاء فى تقارير صحفية عن ارتفاع تكلفة النقل والإعاشة فى هذه المنطقة بعد اتخاذ هذه الإجراءات. ولا توحى تجارب سابقة مثل تهجير مواطنى النوبة بأن أجهزة الإدارة فى الحكومة المصرية تكون «رفيقة» فى تعاملها مع المواطنين فى مثل هذه الحالات. ومن ناحية أخرى فإن الإسراع بتعديل بعض أحكام قانون القضاء العسكرى لمنحه سلطة محاكمة المدنيين المتهمين بالإرهاب أمام القضاء العسكرى لم يلق ارتياحا فى بعض الأوساط، وليس الأوساط الحقوقية وحدها. كانت المعركة الكبرى فى لجنة إعداد دستور 2014 هى قصر اختصاص القضاء العسكرى على محاكمة العسكريين أو المدنيين الذين يهاجمون منشآت عسكرية، ولكن شاء البعض فى ظروف هذه المواجهة مع جماعات تهاجم القوات المسلحة أن يسرع بهذا التعديل دون أى مناقشة، وهو ليس ضروريا طالما أن النص الدستورى يغطى هذه الحالة. ولن يوقف هذا التعديل تهجم بعض من يخرجون فى مظاهرات فى الجامعات أو غيرها عما درجوا عليه، باعتبار أن ما يقومون به هو «جهاد فى سبيل الله»، وجزاؤه فى الجنة.
•••
وأخيرا فهل مما يشجع على النجاح فى هذه المواجهة السعى إلى التعاون مع حكومة حماس فى غزة إذا لم تكن هناك دلائل ملموسة على تورطها فى هذا الهجوم الغادر، وقد أبدت استعدادها بالفعل للتعاون مع الحكومة المصرية؟ كما أنه مما يخفف من عداء محتمل للحكومة المصرية بين مواطنى غزة ألا يتم عقابهم بإغلاق معبر رفح، واحد من أهم منافذهم إلى العالم الخارجى، وخصوصا أنه لم يثبت أن المتورطين فى الهجوم الغادر يأتون من خلال المعبر، والذى تتوافر لدى السلطات المصرية معلومات كثيرة عمن يمرون من خلاله. كما أنه بدون علاقات صحيحة بين الحكومة المصرية وحركة حماس سيكون من الصعب على مصر أن تقوم بدورها المأمول على الصعيدين الإقليمى والدولى مساندة للشعب الفلسطينى.
كذلك يحتاج الرأى العام أن يتأكد من أنه إذا كانت الجماعات الإرهابية تجتهد فى اكتشاف مواطن الانكشاف فى الأهداف العسكرية والشرطية التى تهاجمها، فإن القيادات المعنية تتعلم بدورها من هذه التجارب وتأخذها بعين الاعتبار.
قد يكون التفكير فى مثل هذه الأسئلة هو مساهمة فى توسيع النقاش حول هذه المواجهة الأخيرة والمستمرة التى يخوضها الشعب والحكومة ضد الجماعات المسلحة وذلك بعيدا عن أفكار محفوظة لم يقم على صحتها دليل بعد.