دستور للمصريين.. لا معركة مع الإسلاميين

الخميس 05-04-2012 PM 01:06

منذ أن بدأ البرلمان خطوات تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور منذ أكثر من أسبوعين عادت معركة الدستور لتتصدر المشهد السياسى ــ قبل أن يتحول انتباهنا للسباق الرئاسى مرة أخرى.

وعلى الرغم من اهمية هذا السجال حول حدث تاريخى يجب أن يشغل جموع الشعب الذى سيصبح هذا الدستور صياغة لعلاقاته الاجتماعية وعلاقته مع الدولة، الا أن المحزن أن هذا السجال تحول إلى معركة بين ما يسمى ــ خطأ ــ القوى «المدنية» (ليبراليين، قوميين، ويساريين) فى مقابل تيار الإسلام السياسى أو ما يسمى «الإسلاميين».

ومع بدء الانسحابات من الجمعية خرج علينا بعض النشطاء ليستنكروا عدم وجود طبيب مهاجر مهم أو عميدة لكلية فى كندا وكأن معيار الانضمام للجمعية هو التميز فى مجال العمل وذكروا أسماء بعينها وكأن وجودهم فى الجمعية من عدمه هو القضية.

ورد حزب الأغلبية بلوحة توضح نسبة «الإسلاميين» لـ«غير الإسلاميين» وذكر أسماء المسيحيين وكأنها معركة طائفية، فيذكر الدكتور رفيق حبيب ليس على أنه قيادى فى حزب الحرية والعدالة والمستشار نبيل مرهم ليس بصفته ولكن على أساس كونهما مسيحيين. وتذكر أسماء النساء ليس على أساس ما أو من يمثلون ولكن على أساس جنسهم.

ويلجأ البعض الآخر للعسكر للمطالبة بحل الجمعية وإصدار إعلان دستورى بهذا الشأن فى حين تتحصن الأغلبية البرلمانية بقوتها العددية. ويتناسى الكل أن إدارة المعركة بهذه الطريقة لن يورثنا دستورا أفضل ولكنه سيرسخ لدولة الطائفية وحكم العسكر. فثمة عدة ملاحظات غائبة فى هذا السجال.

●●●

أولا، أن المعركة ليست حول أسماء أو دين الأعضاء ولكنها حول غياب معايير شفافة ومتفق عليها تختار تبعا لها الشخصيات المشاركة. فمثلا الدفع بنصيب لما يسمى الشخصيات العامة دون أن تكون هناك أية معايير أو حتى تعريف لماهية «الشخصية العامة» يترك الباب على مصراعيه للأهواء والتقديرات الشخصية. فى حين يجب أن تكون المعايير واضحة وشفافة حتى تثق الناس فى الاختيارات أيا ما كانت الأسماء.

ثانيا، أن هناك فرقا بين التنافس والتوافق والمفاوضة. فالتنافس والتوافق آليتان مختلفتان تماما فى اتخاذ القرار ولكل منهما أفضلية فى موضعها، فالانتخابات مثلا عملية لا تكتمل إلا بالتنافس وحسم الأصوات فى حين أن وضع الدستور يجب أن يتم بالتفاوض والتوافق وهو ما لم يحدث. ليس المهم عدد كل تيار سياسى داخل الجمعية ولكن الأهم كيف يتخذ القرار.

بشكل إجرائى بحت فإن المشاورات والتنسيق الذى حدث بين الحزبين الأكبر (الحرية والعدالة والنور) كان يجب أن يشمل ممثلين لباقى الأحزاب والمستقلين فى البرلمان لا أن يفاجأوا بقائمة تحسم الاختيار بالأغلبية. إن الاستقواء بالعدد فى هذه الحالة هو ما يفتح الباب ــ الذى لم يغلق أبدا ــ لدخول سلطة قمعية غير منتخبة لتحسم الخلاف كما رأينا فى اجتماعى المشير مع الأحزاب.

ثالثا، أن التمثيل فى الجمعية التأسيسية ليس تمثيلا سياسيا بقدر ما هو تمثيل مجتمعى وبالتالى فإن المعركة يجب أن تتحول من فكرة أقلية وأغلبية وأيديولوجيات مختلفة إلى التفكير فى كيفية إشراك ممثلين عن كل فئات المجتمع من مهنيين وعمال وفلاحين وفى الآليات التى تضمن أكبر قدر من الحوار المجتمعى. وتبقى عملية الصياغة والتضمين عملية فنية للمتخصصين ولكن المضمون يضعه كافة المصريين.

رابعا، على القوى السياسية والاجتماعية المختلفة مع تشكيل الجمعية ــ وأنا منهم ــ أن تكف عن طرح أسماء بديلة أو أعداد وأن تسعى لبلورة مطالب وحقوق ليشملها الدستور بمشاركة باقى المصريين. فالمهتمون بحقوق المرأة والمنظمات النسائية مثلا يجب أن يعكفوا على صياغة الحقوق التى يسعون إليها بمشاركة مجتمعية واسعة بدلا من الاكتفاء بطرح أسماء بعينها.

●●●

علينا أن ننشغل بتمثيل حقيقى لكل المصريين داخل الجمعية التأسيسية ولكن دون أن نعطيها «شيكا على بياض» ففى نهاية الأمر هؤلاء المائة أيا ما كانوا سيصيغون دستورا يحكم الملايين وبالتالى على كل قطاع أن ينظم نفسه ويطرح ماذا يريد فى دستور هذا البلد. هناك مبادرة رائعة بدأت منذ شهور بعنوان «العمال والفلاحين» يكتبون دستورهم شاركت فى جزء منها فى مكان عملى وكانت من أروع وأثرى الاجتماعات، وقف عمال الجامعة نساءً ورجالا يرسمون بكلمات بسيطة شكل مصر القادمة بعمق رأيته غائبا فى حوارات النخبة.

مثل هذه المبادرات هى ما يجب أن يشغل المهتمين بالعمل العام خارج أسوار البرلمان (طلاب وعمال وفلاحين ومهنيين) فى حين تبقى المهمة الرئيسية لأعضاء البرلمان هى الوصول لتوافق حول تشكيل الجمعية دون الالتجاء إلى العسكر أو الاحتماء بقوى عددية زائلة.

تعليقات الفيسبوك