أحدث الأخبار
كتبت: داليا عبد الحميد
دعينا - في عام 2010- كممثلين للمجتمع المدني إلى جلسة مع رئيسة المجلس القومي للمرأة في ذلك الوقت -د فرخندة حسن - لمناقشة كيفية تنفيذ التوصيات التي أصدرتها لجنة القضاء على كافة أشكال التمييز ضد النساء (السيداو) في جلستها الخامسة والأربعين، للحكومة المصرية لتحسين وضع النساء في مصر و تخفيف وطأة التمييز ضدهن. وكانت جلسة الأمم المتحدة تعد نجاحا كبيرا للمجتمع المدني حيث صدرت أغلب التوصيات التي دفعنا بها من خلال تقارير الظل المقدمة للأمم المتحدة.
علمنا منذ اللحظة الأولى أننا أمام اجتماع صوري تماما، فرئيسة المجلس د فرخندة جلست منفردة على منصة بينما جلس بقيتنا في مقاعد متراصة بالأسفل كحضور في ندوة، وقامت رئيسة المجلس بتقسيم التوصيات لجزئين، الجزء الخاص بإنجازات الحكومة وهو ما أفاضت في عرضه، وجزء خاص بالانتقادات الموجهة لها أو المقترحات وقد قامت بعرض هذا الجزء باستهجان شديد، وأذكر تعليقها على أحد التوصيات الخاصة بخادمات المنازل في مصر وأهمية توفير حماية قانونية لهن خاصة ضمن إطار قانون العمل، قالت الدكتورة فرخندة حسن حينها " أنا مش عارفة هما–كأجانب- بيشتكوا ليه من الموضوع ده مع انهم لما بيجوا مصر بيلاقوا خدامين بسهولة يعني دي ميزة في صالحهم."
بدا جليا حينها أن هذه السيدة والمؤسسة التي تمثلها لا تعبر بشكل من الأشكال وغير معنية على الإطلاق بمعاناة النساء على أرض الواقع. وأولويتها هي المحافظة على مصالحها كجزء من طبقة أخرى وكذلك تحسين صورة الحكومة على المستوى الدولي وإظهارها بمظهر المساند لحقوق النساء.
تجلت أزمة الحركة النسوية خلال الأشهر الأولى بعد يناير 2011، ففي الوقت الذي كانت المنظمات النسوية تحاول فيه الدفع لضمان إمكانية ترشح المرأة كرئيسة للبلاد أو مراقبة حركة المحافظين أو نسبة النساء من الحقائب الوزارية، ظهر مدى انفصالنا كنسويات عن القواعد الجماهيرية. لم يقتصر الأمر عند هذا الحد بل تم استغلال خطاب المجلس القومي لحقوق المرأة ضدنا لنتحول بين عشية وضحاها إلى "بتوع سوزان" و "بتوع فرخندة" وفجأة باتت كل القوانين والسياسات التي ناضلت كثير من النسويات للحصول عليها مهددة بالتغيير بدءا من قانون الطفل مرورا بقوانين الأحوال الشخصية وغيرها.
عدم وجود ظهير شعبي للحركة النسوية كان مدعاة للتوقف وإعادة تقييم انشغال الحركة النسوية في مصر على مدار العقدين الماضيين بالعمل على مستوى السياسات وماذا أضاف ذلك للنساء أو للحركة. ربما كانت ملاحظات إصلاح جاد بشأن مأسسة الحركة النسوية صحيحة. إلا أن ذلك لم يكن سببا للإحباط فعلى الجانب الآخر فوجئنا بعشرات المبادرات النسوية التي تفتحت من رحم الثورة في المحافظات المختلفة وأصبح من المعتاد انضمام عشرات من الشابات والشبان لحملات ومبادرات مواجهة التحرش والعنف ضد النساء في المجال العام.
وأصبحت مشاهد النساء اللاتي يخضن معارك يومية في الشارع والمواصلات العامة وأماكن العمل أمرا طبيعيا. " نسوية كل يوم" هكذا يصف آصف بيات هذه النضالات اليومية ويعتبرها بدايات لحركة نسوية غير تقليدية تخص هذه المنطقة بكل ظروفها الاقتصادية والسياسية.
ولعل قرار العديد من النسويات برفض الانضمام للمجلس القومي للمرأة الذي شكله المجلس العسكري بالتعيين في فبراير 2012 كان قرارا حكيما، فخلال السنين الماضية لم يكن المجلس القومي للمرأة سوى انعكاسا للسلطة الحاكمة أو في أحسن الأحوال أرض معركة بين نظام مبارك الديكتاتوري ونظام الإخوان الاستبدادي.
في 2012 رفض المجلس القومي للمرأة توجيه أي إدانة للمجلس العسكري على سلوك الجيش المصري خلال أحداث فض اعتصام العباسية ولم يكتف المجلس بالصمت وإنما صرحت علنا إحدى عضواته" أن المجلس لن يتورط في الدفاع عن المقبوض عليهن في فض الاعتصام وأنهن غير مصريات لأنهن ينتمين لجماعات دولية وإسلامية".
أما أحداث لجنة وضع النساء التابعة للأمم المتحدة والتي انعقدت في إبريل 2013 فكانت خير معبر عن أزمة المنظمات النسوية والحقوقية مع هذه الآلية فخلال الجلسة تضاربت تصريحات مرفت التلاوي مع تصريحات باكينام الشرقاوي ـ مساعدة رئيس الجمهورية المعزول للشئون السياسية ـ بشأن موقف مصر من وثيقة العنف ضد النساء الصادرة عن اللجنة وسواء قبلت مصر أو رفضت التوقيع على الوثيقة إلا أن ذلك لا يؤثر بحال على مواقف هذه المؤسسات أو الأحزاب من العنف ضد النساء على أرض الواقع.فوصل الأمر بقيادات الحرية والعدلة في مجلس الشورى إلى تحميل المتظاهرات مسئولية الاعتداءات الجنسية الجماعية التي وقعت بالتحرير خلال الأشهر الأولى من 2013 اعتراضا على سياسات الرئيس السابق محمد مرسي.
المتابع لتصريحات المجلس القومي للمرأة من بعد 30 يونيو سيجد محاولة حثيثة لإعادة بناء ما اصطلح على تسميته "نسوية الدولة" أي محاولة إظهار هذه الدولة بمظهر المساند لحقوق النساء لتجميل وجهها القبيح وإخفاء جرائمها الأخرى من تعذيب وقتل خارج إطار القانون وغيرها. فنجد السفيرة مرفت التلاوي لا تنفك تشيد بدور وزارة الداخلية في حفظ الأمن أو في إنشاء وحدة لمقاومة العنف الجنسي، أو تقيم مؤتمرا صحفيا تتحدث فيه باسم نساء مصر لتعلن أنهن يرفضن الإرهاب متجاهلة المطلب الأكثر إلحاحا للثورة وهو إعادة هيكلة وزارة الداخلية ومتجاهلة في الوقت ذاته دور قوات الأمن أنفسهم كمرتكبين لجرائم العنف الجنسي.
هذا الفخ هو فخ كلاسيكي للعديد من الحركات النسوية في بلدان العالم الثالث، ففي هذه الدول تحاول الحكومات الاستبدادية احتواء الحركة النسوية دون أن تقدم لها مكاسب واقعية حقيقية. فحتى بعد الحصول على قوانين وسياسات تقدمية نسبيا مثل مادة تجريم الختان وقانون تجريم الاتجار بالبشر في مصر، سنجد الفقيرات من العاملات الريفيات لازلن يدفعن الثمن الأكبر من أي مرض أو عنف جنسي، سنجد أننا لازلنا حتى الآن نناقش حق المرأة في التعليم والعمل كأن عقودا طويلة لم تمر وكأن نساء لم يتولين أي حقائب وزارية أو يصبحن نائبات بالبرلمان.
هذا الطرح لا يقلل بأي حال من العمل على مستوى السياسات أو يحاول النيل من مكتسبات الحركة النسوية خلال العقود الماضية، فالإصلاح القانوني وتحسين السياسات الخاصة بالنساء أمر في غاية الأهمية، إلا أن أولويتنا الآن هي استثمار الحراك الشعبي وميل الجماهير لمراجعة مسلماتها واستغلال ذلك لبناء حركة نسوية قاعدية قوية تستطيع تغيير الأنماط السلبية في التعامل مع النساء وتدافع كذلك عن أي تغيير في القوانين والسياسات يقر مزيدا من العدالة النوعية والمساواة بين الجنسين.
التضامن النسوي ليس شيئا مطلقا وإنما علينا اختيار حلفائنا بحرص، ولعل هذا الاقتباس من ورقة ماري جارسيا كاسترو عن نسوية الدولة في البرازيل يلخص الموقف:
"إنك لا تستطيع التفاوض مع أولئك الذين يعارضون المبادئ الأساسية للنسوية، حتى إذا كانوا نساء. أنا لن أتعاون سياسيا مع نساء عنصريات أو نساء لديهن رهاب المثلية الجنسية، أو مع أولئك الذي يرفضون الدفاع عن جسد المرأة وحقها في الإجهاض، أو مع الذين يدعمون سياسات الليبرالية الجديدة، ذلك أن الغرض السياسي لهؤلاء النساء يدمر ويمحو أي فرصة لنا لإحداث تغيير حضاري. لهذا السبب فأنا أدعو أن تكون أولويتنا هي تكوين جبهة من جميع النساء اللاتي تجمعهن منظومة قيمية وأخلاقية لها هدف سياسي أسمى وهو تدمير الأبوية"
ليس من مصلحة الحركة النسوية أن تصبح " بتاعة سوزان أو مرفت أو باكينام" أو غيرهن، الخيار الصائب في هذا الوقت هو الاصطفاف مع إيمان مصطفى سلامة التي توفيت إثر التحرش بها في أسيوط أو نكون "بتوع سميرة إبراهيم أو غادة كامل" الناجيات من الاعتداءات الجنسية "للشرطة والجيش". أو مع مريم عبد الغفور الحواس العاملة التي تم دهسها أثناء فض اعتصام شركة المنصورة - أسبانيا.