أحدث الأخبار
كتبت: فيولا فهمي
لم يكن مجرد إعلامي من طراز فريد بل ظاهرة مثيرة للجدل استمرت على مدى عقود طويلة، احتل فيها الكاتب الصحفي محمد حسنين هيكل صدارة المشهدين السياسي والإعلامي في مصر والعالم العربي متألقا في حالة "ربيع دائم".
رغم أن حياته قضاها في بلاط صاحبة الجلالة، لكنه أيضا كان رجل سياسة من طراز رفيع بحكم اقترابه وصداقته -أحيانا- بدوائر صنع القرار في البلاد.
وتوفى الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل، ظهر اليوم الأربعاء، عن عمر يناهز 93 عاما، إثر تدهور حالته الصحية مؤخرا.
وهيكل ليس شاهدا على عصر واحد بل عصور متعددة، فقلما تجد إعلاميا له علاقاته المتشعبة وعاصر مصر الملكية وتحولها إلى الجمهورية، وارتبط بعلاقات -تختلف درجة قربها وقوتها- بالرؤساء السابقين جمال عبد الناصر والسادات ومبارك، وعايش أياما مشهودة مثل 23 يوليو و25 يناير و30 يونيو.
بدأ هيكل، محتكر لقب الأستاذ في بلاط صاحبة الجلالة، اشتغاله بالصحافة في عام 1942، وعمل كمراسل عسكري أثناءالحرب العالمية الثانية، ومعركة العلمين بمصر، إضافة إلى حرب فلسطين 1948 وتعرف وقتها على الضابط المصري جمال عبد الناصر لتتوطد علاقتهما حين رأس عبد الناصر البلاد.
ورأس هيكل تحرير جريدة الأهرام القومية منذ 1957 حتى عام 1974، وأنشأ في عام 1968 مجموعة المراكز المتخصصة للأهرام، ومنها مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية، ومركز توثيق تاريخ مصر المعاصر.
وتظل علاقة هيكل بالرئيس الراحل جمال عبد الناصر هي محطة الأكثر أهمية وتأثيرا في مسيرة حياته الصحفية والسياسية على السواء، فلقد كان هيكل هو صحفي النظام الأول بجدارة وخزينة أسراره لسنوات طويلة.
وحرر هيكل، المولود بمحافظة القليوبية عام 1923، أول كتاب ألفه جمال عبد الناصر باسم "فلسفة الثورة" في عام 1953، كما كتب معظم خطابات الزعيم الراحل بما فيها خطاب التنحي في عام 1967، وكان هو صاحب صك مصطلح "نكسة 67" ولم يطلق عليها "هزيمة" آنذاك.
نجح هيكل في ملازمة عبد الناصر وإدارة حوار لم ينقطع معه في جميع الأحداث والأمكنة، ما ساعده في الاطلاع على دهاليز المسرح السياسي وكواليس إدارة البلاد والمشاركة في صناعة القرار أيضا.
وتولى هيكل حقيبة وزير للإرشاد القومي والإعلام في عام 1970–قبل شهور قليلة من وفاة عبد الناصر- وأضيفت إليه وزارة الخارجية لفترة أسبوعين في غياب وزيرها، لكن علاقته –المتوترة في بعض جوانبها- بالرئيس السادات أدت إلى إقالته من رئاسة تحرير جريدة الأهرام في عام 1974.
بلغت العلاقة بين هيكل والسادات ذروة توترها عندما قرر الرئيس الراحل اعتقاله ضمن سياسيين وشخصيات عامة خلال أحداث 1981 الشهيرة، وبعد عامين أصدر هيكل كتابه الأكثر شهرة "خريف الغضب"، والذي وجه فيه انتقادات لاذعة للسادات في قالب يغلب عليه التفسير المنطقي لأسباب اغتياله.
كما بدت علاقة هيكل بالرئيس الأسبق حسني مبارك فاترة إلى حد كبير يشوب جوانبها الود تارة والتجاهل تارات أخرى، لكنها تحولت إلى عداوة ونفور بَين بعد أن ألقى هيكل محاضرة في عام 2002 احتلت اهتمام وسائل الإعلام الدولية، قال فيها إن"السلطة شاخت فى مواقعها، وهناك مخطط واضح لتوريث الحكم".
وكتب هيكل العديد من المؤلفات السياسية التي غلب عليها طابع "التأريخ"، كما كُتب عنه عشرات المؤلفات التي تناولت سيرة حياته وانتقدت علاقته برؤساء مصر ودول العالم، حيث كان هيكل طوال حياته تجسيدا لإشكاليات العلاقة بين السلطة والصحافة.
ومن أبرز مؤلفاته، أكتوبر 73 السلاح والسياسة، والمفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل.. الأسطورة والأمبراطورية والدولة اليهودية، وأزمة العرب ومستقبلهم، وخريف الغضب، وسقوط نظام.. لماذا كانت ثورة 1952 لازمة، كما كتب هيكل ثلاثة مؤلفات بعد أحداث 25 يناير، وهي"مبارك وزمانه: من المنصة إلى الميدان"، و"مبارك وزمانه: ماذا جرى في مصر ولها؟"، و"مصر إلى أين؟ ما بعد مبارك وزمانه".
وهيكل الذي درس التجارة المتوسطة وتخرج ليساعد أباه في العمل والتجارة، قبل أن تنتقل إلى القاهرة ويستكمل تعليمه بالجامعة الأمريكية في مطلع الأربعينيات من القرن الماضي، هو زوج السيدة هدايت علوي تيمور الاستاذة السابقة في الجامعة الأمريكية، وأب لثلاثة أبناء، وهم علي هيكل الاستاذ بطب القاهرة، وأحمد هيكل رئيس مجلس إدارة شركة القلعة للاستثمارات المالية، وحسن هيكل الرئيس التنفيذي السابق للمجموعة المالية هيرميس.
ولم تُغيب الشيخوخة هيكل عن مسرح الأحداث، فقد ظل محتفظا بمكانته وتألقه داخل وخارج مصر كصحفي ومحلل سياسي بارز، حيث سجل العديد من الحلقات التلفزيونية في برنامج حَمل اسمه على قناة الجزيرة القطرية "مع هيكل"، بينما سجل عشرات الحلقات الحوارية مع الإعلامية لميس الحديدي تحت عنوان "مصر أين؟ ومصر إلى أين؟".
وأسدل الموت الستار، اليوم، على أشهر صحفي في مصر على مدى أكثر من نصف قرن، لتسقط الورقة الأخيرة في حياة حافلة بالأحداث والصخب والشهرة.
موضوعات متعلقة: