أحدث الأخبار
يسلط اقتراح مصر بخفض الدعم في إطار اتفاق قرض مع صندوق النقد الدولي الضوء على معضلة مالية واجتماعية أوسع نطاقا بالنسبة للمنطقة وهو الأمر الذي يزيد من المخاطر للمستثمرين.
وتحتاج الدول للمساعدة لكن الحصول عليها يمكن أن تكون له آثار جانبية. وارتفعت الاسهم المصرية بنسبة 50 في المئة هذا العام بفضل تحسنالاستقرار السياسي والآمال في التوصل الى اتفاق مع صندوق النقد الدولي بعد أن فقدت نصف قيمتها في عام 2011 بعد الإطاحة بالرئيس السابق حسني مبارك.
وبالنسبة لكثير من المستثمرين فإن إبرام اتفاق مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض بقيمة 4.8 مليار دولار سيكون عاملا مساعدا لانتعاش تشتد إليه الحاجة في استثمارات القطاع الخاص.
وقال سيرجي ستريجو رئيس ادارة ديون الاسواق الصاعدة بشركة اموندي الفرنسية لادارة الاصول "إذا أعطى صندوق النقد الدولي مصر قرضا فان هذا سيغطي على أي شيء آخر." لكن اتخاذ خطوات لخفض التكلفة لضمان الاتفاق يمكن أن يفرض مخاطر. وعلى سبيل المثال فإن إصلاح الدعم الهائل في مصر يمكن أن يضر بالاستثمار الأجنبي في قطاعات مدعومة مثل الطاقة ويؤدي الى تجدد الاضطرابات الاجتماعية.
وقال فيليب دوبا بانتاناسي الخبير الاقتصادي في ستاندرد تشارترد "في وقت تحول سياسي وعملية إعادة بناء هشة للنسيج الاجتماعي فإن أي خفض كبير في نظام الدعم يمكن أن يكون بالغ الحساسية." إنها ورطة تمتد في أنحاء الشرق الاوسط وشمال افريقيا لان المقرضين ووكالات التصنيف تطالب الحكومات بخفض العجز في الميزانية في وقت تتردد فيه السلطات في خفض الاعانات خشية تفاقم الاضطراب الاجتماعي الذي يهيمن على المنطقة.
وخفضت وكالة ستاندرد آند بورز توقعاتها للمغرب في اكتوبر تشرين الاول الى "سلبية" وحذرت البلاد من أنها يمكن أن تخسر تصنيف درجة الاستثمار إذا لم تقلل بدرجة كبيرة العجز المالي وعجز ميزان المعاملات الجارية. ووصلت فاتورة الدعم في المغرب الى ستة في المئة من الناتج المحلي الاجمالي في عام 2011.
وقفز العجز المالي 462 في المئة في الأشهر السبعة الأولى هذا العام مع ارتفاع الدعم بنسبة 58 في المئة وفقا لستاندرد آند بورز. وفي الأردن فإن الاتفاق الذي تم التوصل اليه في أغسطس اب مع صندوق النقد الدولي بشأن قرض تبلغ قيمته ملياري دولار يوفر شريان حياة بعد أن انخفضت الاستثمارات الاجنبية المباشرة بنسبة 31 في المئة في الربع الأول من عام 2012 مقارنة معها قبل عام وزاد الدعم الحكومي بنسبة 41 في المئة في النصف الاول من العام الحالي.
وقالت ستاندرد آند بور إن هذا الوضع أدى إلى زيادة الدين العام إلى أكثر من 72 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي. لكن القلق من التوتر الإجتماعي دفع الملك عبد الله إلى التدخل بالفعل في سبتمبر أيلول لمنع زيادة في أسعار الوقود أوصى بها صندوق النقد الدولي من أجل تهدئة احتجاجات بالشوارع تفجرت بسبب أنباء عن زيادة الأسعار.
وينفق الاردن 2.3 مليار دولار على الدعم أي نحو ربع ميزانيته السنوية ويحاول إجبار الشركات تدريجيا على دفع أسعار أعلى للوقود والكهرباء.
وقال سعيد هيرش الاقتصادي في كابيتال ايكونوميكس "الأردن على شفا الإنهيار المالي بدون مساعدة صندوق النقد الدولي." وخفض صندوق الأسواق الصاعدة التابع لشركة ايتون فانس مخصصاته للأردن التي تبلغ نسبتها 0.8 بالمئة قليلا بينما خفض صندوق تمبلتون للأسواق الناشئة الجديدة مخصصاته للممكلة من 1.18 بالمئة إلى 0.8 في المئة وفقا لبيانات شركة ليبر.
وفي أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا سجلت الصناديق المخصصة للمنطقة والتي ترصدها ليبر وتملك أصولا تزيد قليلا على 1.3مليار دولار خروج تدفقات نقدية صافية تتجاوز 200 مليون دولار بقليل هذا العام.
أما الصناديق التي تغطي الدول العربية وحدها في مجلس التعاون الخليجي والتي تمتلك أصولا تبلغ قيمتها نحو 1.8 مليار دولار فقد سجلت خروج تدفقات صافية تزيد قليلا على 100 مليون دولار.
ويقول محللون إن مصر والأردن على وجه الخصوص وهما من الدول المستوردة للوقود يحتاجان إلى معالجة ميزان المدفوعات لديهما لجذب قروض واستثمارات.
وأنفقت مصر 15.7 مليار دولار أو ما نسبته 20 بالمئة من الانفاق الحكومي على دعم المنتجات البترولية بما فيها غاز الطهي في العام المالي الذي انتهى في 30 يونيو حزيران. وفي ظل النظام الحالي تباع اسطوانات غاز الطهي التي تعرف باسم "اسطوانات البوتاجاز" مقابل خمسة جنيهات للواحدة بينما تصل تكلفة إنتاجها إلى نحو 70 جنيها.
وقال هيرش "لا يزال أمام مصر الكثير الذي ينبغي القيام بها لتجنب أزمة مالية كبيرة في المستقبل القريب." وأضاف أن الناس يستثمرون بناء على المناخ المتوقع في مصر في الأجلين المتوسط إلى البعيد وليس في ظل ما يتوقع حدوثه العام المقبل.
وكان وزير المالية المصري قال هذا الأسبوع إن الحكومة تأمل في التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي في منتصف الشهر المقبل غير أن بعض المستثمرين ليسوا متفائلين بهذه الدرجة ولم تتضح بعد الالتزامات المطلوبة من مصر للحصول على الدعم المالي.
وقال هيرش إنه سيبدو أن الأسواق اعتبرت اتفاق صندوق النقد أمرا منتهيا وإن هذا ربما يكون رد فعل مبالغا بعض الشيء فيه من جانب المستثمرين.
وتشير بيانات ليبر إلى أن صندوق تمبلتون للأسواق الناشئة الجديدة قلص مخصصاته لمصر إلى 4.6 بالمئة من محفظته بعدما كانت 6.2 بالمئة في نهاية عام 2011 بينما خفض صندوق مورجان ستانلي للأسواق الصاعدة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مخصصاته بأكثر من النصف لتصل إلى نحو اثنين بالمئة مما يشير إلى توخيه الحذر.
وتبدو القيادة المصرية الجديدة بزعامة الرئيس محمد مرسي أكثر استعدادا لخفض فاتورة الدعم من حكومة الرئيس السابق مبارك. غير أن الحكومة تتحرك بحذر لإقناع الشعب بإجراءات التقشف بعد أن ارتفع سقف توقعات الناس الاقتصادية في أعقاب الانتفاضة الشعبية العام الماضي.
ولم يقتنع الكثير من المستثمرين حتى الآن بأن القاهرة وحكومات أخرى في المنطقة ستستطيع إدارة عملية خفض الدعم التي تنطوي على حساسية وغيرها من الإصلاحات المالية الضرورية دون إثارة غضب المواطنين القلقين بالفعل.
ولن يكون اتفاق صندوق النقد إلا خطوة أولى. وقال سليم فرياني الرئيس التنفيذي لشركة أدفانس إميرجنج كابيتال التي تتخذ من بريطانيا مقرا "لا نعتبر صندوق النقد الدولي مقدسا. في الوقت الحالي نحن في حالة ترقب." وأضاف "الكلام سهل والعبرة بالأفعال."