أحدث الأخبار
شيء مثير يحدث الآن على الساحة الإعلامية والمجال العام، وفي صناعة الصحافة بصورة خاصة، دون أن يحظى بالقدر الكافي من التحليل والمناقشة رغم تقديرات بأن التغيير الذي شهدته صناعة الأخبار خلال السنوات الخمس الماضية تزيد عما مر بها خلال نحو خمسة قرون.
وقال مرصد الصحافة الأوروبية في تقرير بموقعه على الانترنت إننا نشهد حاليا قفزات هائلة في القدرات التقنية، من تلفزيون الواقع أو اللقطات الحية أو سيل أخبار الذكاء الاصطناعي، أو تطبيقات الدردشة والرسائل، وهذه القفزات لم تقتصر على التقنيات فقط بل صاحبتها تغيرات هائلة في التمويل والسيطرة والنشر ما وضع مستقبل عملية النشر في أيدي قلة من الناس يتحكمون في مصير الكثيرين.
ابتلعت كل شيء
وقال التقرير إن وسائل التواصل الاجتماعي ابتلعت الحملات السياسية، والأنظمة المصرفية، والحكايات الشخصية، وصناعة الأدب، بل والحكومات وأنظمة الأمن. فالهواتف التي نحملها هي بوابتنا على العالم. وأضاف أن هذا يبشر "بفرص كبيرة ومثيرة للتعليم والحصول على المعلومات والتواصل، لكنه يجلب في نفس الوقت مجموعة من المخاطر الوجودية المحتملة".
وتساءل التقرير "هل يجب علينا تقبل تلك المخاطر؟ هل نفهم ماهيتها تماما؟ هل نحن نعمل بجهد كاف للتحري عن أنظمة القوة الجديدة القادرة على تحدي الحكومات، ولكنها غير مسؤولة إلا أمام الأسواق، وتكون غامضة عن عمد.
وتقدم التقلبات التي مرت بها صحيفة بوسطن جلوب لمحة عما يحدث للصحافة، فقبل عشر سنوات من كشف الصحيفة النقاب عن فضيحة انتهاكات جنسية في الكنيسة الكاثوليكية في 2002 و2003، بيعت البوسطن جلوب إلى صحيفة نيوريوك تايمز مقابل أكثر من مليار دولار. لكن في عام 2013 أي بعد عشر سنوات من فوز بوسطن جلوب بجائزة بوليتزر الصحفية المرموقة عن تغطيتها للقضية، فقد بيعت الجريدة مجددا، ولكن هذه المرة مقابل 70 مليون دولار لجون هنري، مالك نادي ليفربول.
لذا يتضح أنه خلال عشرين عاما فقدت مؤسسة إخبارية يبلغ عمرها مائة عام أكثر من 90 % من قيمتها على الرغم من تفردها وتميزها في تحقيق انجاز صحفي.
وبوسطن جلوب ليست المثال الوحيد، فصحيفة الواشنطن بوست قد بيعت أيضا عام 2013 إلى مؤسس موقع أمازون جيف بيزوس.
وفي بريطانيا، توقفت صحيفة الاندبندنت عن طباعة النسخة الورقية. وعلى مدى السنوات العشر الماضية اختفت 300 صحيفة محلية.
فالإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، تمكن الصحفيين بشكل كبير من القيام بعمل قوي، إلا أنها تساهم في نفس الوقت في جعل صناعة الصحافة مشروعا غير اقتصادي.
ويقول التقرير إنه خلال السنوات القليلة الماضية "حدث أمران كبيران بالفعل، إلا أننا لم نهتم بهما كما يجب". أولا: فقد ناشرو الصحف السيطرة على التوزيع، وانتقل جزء منه إلى شركات مواقع التواصل الاجتماعي والمنصات الإلكترونية.
ثانيا، فإن النتيجة الحتمية لهذا هو زيادة قوة شركات مواقع التواصل الاجتماعي.
وأكبر شركات المنصات ووسائل التواصل الاجتماعي مثل جوجل وآبل وفيس بوك، وحتى شركات الدرجة الثانية في هذا المجال مثل تويتر وسنابشات، وشركات تطبيقات المحادثات الصاعدة أصبحت صارمة في سيطرتها على آلية من ينشر وجمهوره المستهدف وكيفية الاستفادة المادية مذلك.
ثورة الهواتف الذكية هي السبب
بسبب الثورة في مجال الهواتف الذكية، زاد بشكل مهول مقدار الوقت الذي نقضيه على الانترنت وعدد الأمور التي نقوم بها على شبكة المعلومات والانشغال بمنصات وسائل التواصل الاجتماعي التي زادت بدرجة هائلة. ففي بريطانيا تضاعف الوقت الذي يقضيه المواطنون على الانترنت خلال عشر سنوات إلى 20 ساعة أسبوعيا بدلا من 10 ساعات خلال عام 2005. وفي وقت مجد التلفزيون كان المواطن يمضي أسبوعيا 24 ساعة أسبوعيا في المشاهدة حيث لم تتوافر آنذاك أي وسيلة ترفيه إلكترونية بصرية أخرى.
وغالبية البالغين في الولايات المتحدة الأمريكية هم من مستخدمي الفيس بوك، وأغلب المستخدمين يحصلون بانتظام على الأخبار منه بدرجة ما، ما يعني بحسب مركز بيو الأمريكي للأبحاث أن نحو 40 بالمئة من البالغين في الولايات المتحدة يعتبرون فيس بوك مصدرا للأخبار.
والخلاصة أنه:
1 - تزايد الأشخاص الذين يستخدمون هواتفهم الذكية لأجل عمل كل شيء.
2 - ويفعلون ذلك في الأغلب عبر التطبيقات على هواتفهم وخاصة تطبيقات التواصل الاجتماعي والرسائل مثل فيس بوك وواتس آب وسناب شات وتويتر.
3 - المنافسة مع تلك التطبيقات قوية. والميزة التنافسية للمنصات تعتمد على قدرتها على الاحتفاظ بالمستخدمين في حدود التطبيق. وكلما زاد عدد مستخدمي التطبيق الخاص بك كلما عرفت عنهم معلومات أكثر، وكلما تمكنت أكثر من استخدام تلك المعلومات لبيع الإعلانات وبالتالي ترتفع عائداتك.
وأصبحت الصحافة وتوصيل الأخبار جزءا هاما من تلك المعركة لجذب الاهتمام على الهاتف المحمول.. فالناس ينتابها الفضول بشأن ما يحدث في العالم الآن، كنتائج المباريات، والطقس، وماذا كان يفعل أصدقاؤهم، فضلا عن أخبار السياسة.
والمنافسة على الاستئثار بالاهتمام شرسة. وفرسان السباق جوجل وفيس بوك وآبل وآمازون في حرب ممتدة ومحتدمة بشأن أيهم تنتصر تقنياته ومنصاته وحتى أيديولوجياته. أنها منافسة شرسة مثلما كانت المنافسة بين الصحف في الستينات وبين شبكات التلفزيون في السبعينات لكن مجالات الرهان أكبر بكثير.