أحدث الأخبار
قصة سعرين.. سعر الفائدة وسعر الصرف!
شهدت الدولة المصرية تغيراً ملحوظاً في سياستها النقدية منذ أن تسلمها السيد طارق عامر وتم وضع تلك السياسة على ثلاثة أسس، أولها: تخفيض الطلب على العملة الأجنبية من خلال وضع بعض القيود على الواردات بالتعاون مع وزارة التجارة والصناعة.
ثانياً: تم إلغاء حدود الإيداع الدولاري للأفراد ولبعض الشركات.
ثالثاً: رفع أسعار الفائدة على العملة المحلية للحد من الدولرة مع وضع سياسات بنكية جديدة هدفها تنويع محفظة القروض لتمويل عدد أكبر من الشركات وبالأخص المتوسطة و الصغيرة.
وفي خلال وقت قصير استطاع المحافظ تنويع الأدوات النقدية وهو عمل لم ينفذ منذ فترة طويلة.
وحجم المجهود الذي بذل من فريق عمل البنك المركزي خلال الستة أشهر الماضية يتطلب منا كل الشكر والتقدير.
ولكن علينا أيضاً أن نناقش بكل موضوعية مدى فاعلية بعض قرارات السياسة النقدية الأخيرة.
في 14 مارس من العام الحالي تم إصدار شهادة إيداع مدتها ثلاث سنوات من خلال البنوك العامة (مصر والأهلي والقاهرة) وقد تم وضع مدة زمنية محددة وهي 60 يوماُ من تاريخ الإصدار.
تعطي الشهادة عائدا سنويا 15% بشرط التنازل عن عملة أجنبية أو عربية بالسعر الرسمي للبنك.
فلسفة هذه الشهادة هي جذب حاملي الدولار لبيع عملاتهم للقطاع الرسمي، ومن ثم يتم خلق سيولة دولارية أعلى في القطاع الرسمي.
وكان من المفترض أن يقلل هذا القرار الطلب على العملة الأجنبية في السوق السوداء والحد من الارتفاع المستمر للدولار أمام الجنيه المصري.
وهذا لم يحدث، فالنتائج المعلنة حتى الآن جاءت عكس التوقعات. وقد أعلنت البنوك الحكومية الثلاثة عن جمع بضعة ملايين بدلاً من مليارات الدولارات والتي كانت موضوعة كهدف.. و ظلت أسعار الدولار في ارتفاع حتى وصلت إلى 10.10 و10.20 جنيه للدولار الواحد.
والسؤال الملح هو لماذا لم تنجح تلك الاستراتيجية في تحقيق هدفها المنشود؟
والإجابة تكمن في أن الفارق بين السعر الرسمي والسعر الموازي يفوق 6.6%.
دعونا نرجع إلى شهر أكتوبر 2015 قبل التعيين الرسمي للسيد طارق عامر .
كان هناك بعض الخطوات التحضيرية للفترة التالية، حيث عمل السيد طارق عامر جنباً إلى جنب البنوك العامة لمحاولة إيجاد حلول للمشاكل الاقتصادية.
ومن أوائل تلك الخطوات كانت إصدار شهادات ثلاثية بعائد 12.5% ولم تكن مشروطة على عكس شهادات الـ15%.
فإذا كنت حاملآ للعملة الأجنبية فيمكنك بيع تلك الدولارات بالسوق السوداء والاستثمار في شهادة الـ12.5% .
في الوقت الحالي كلتا الشهادتين متاحتان للشراء.. والسؤال هو إذا كنت حاملآ للدولار وتريد الاستفادة من أسعار الفائدة الحالية المرتفعة على شهادات العملة المحلية فأي شهادة ستكون الأكثر ربحاً؟
لديك الآن اختياران.. الاستثمار في الـ15% أو الـ12.5%، فإذا افترضنا أن لديك 1000 دولار تم شراؤها بسعر 7.83 جنيه للدولار، فإما أن تبيع الـ 1000 دولار للبنك بسعر 8.88 جنيه للدولار وتشتري شهادة الـ15% أو تبيعها بالسوق الموازى بسعر 10.10 جنيه للدولار أو أكثر، وتشتري شهادة الـ 12.5%.
إذا كان الفرق بين السعرين الرسمي والموازي للدولار 6.6% فإن العائد متساوي بالشهادتين، أما إذا اتسع الفارق عن 6.6% فالقرار المنطقي سيكون بيع الدولار بالسوق الموازى وشراء شهادة الـ12.5%.
الآن الفارق بين السوقين الموازي والرسمي وصل إلى حوالي 14% ولذلك فإن شهادة الـ 12.5% تعطي عائداً أكبر عن شهادة الـ15%.
قد تبدو هذه المقالة وكأنها نصيحة استثمارية... لكنها موجهة أكثر إلى صانعي السياسات.
الأداة المالية التي كان من المفترض أن تجذب الدولارات للقطاع الرسمي قد انقلبت إلى العكس، فقد أدت إلى تحرك العملة الأجنبية من المنازل والبنوك إلى السوق السوداء .
ففي بيئة اقتصادية بها أسعار فائدة مرتفعة على العملة المحلية ممزوجة بفارق كبير بين سعر الصرف الرسمي والموازي، ذهبت الدولارات للسوق الموازي وهو عكس ما يحاول البنك المركزي تحقيقه.
ويبقى السؤال هل طرح العديد من الأدوات المالية التحفيزية قد أربك الخطة الموضوعة لوصول الدولار إلى البنوك؟
* محلل اقتصادى بشركة سي أي أست مانجمنت لادارة الاصول