أصبح موضوع عقوبة السجن في قضايا «ازدراء الأديان» في بؤرة اهتمام كثير من الدوائر الثقافية والفكرية وبينهم أعضاء في مجلس النواب، فضلا عن المؤسسات الدينية ذاتها، وأصبح هناك وعي شعبي متزايد بأن عقوبة السجن غير لائقة لمصر وتاريخها الحضاري ووسطيتها الدينية من جهة، ومن جهة أخرى أن هذه العقوبة غير مجدية لأنه واقعيا لا يغير السجن من فكر الناس بل قد يتغير بالفكر والإقناع والموعظة الحسنة، وهذه رسالة من المفترض أن تكون أسلوب المؤسسات الدينية.

وليس خافيا على أحد أن أحكام الحبس الأخيرة التي صدرت على بعض الكتاب بتهمة «ازدراء الأديان» قد حركت الماء الراكد في هذا الموضوع وأعادت إلى الأذهان «قضايا الحسبة» وكُثر من علماء الإسلام لا يوافقون على السجن كعقوبة لازدراء الأديان.

واستشهد هنا بالسيدة الفاضلة الدكتورة آمنة نصير أستاذ العقيدة والفلسفة الإسلامية والنائب في مجلس النواب، فهى ترى أن مصطلح ازدراء الأديان هو فضفاض وليس له ملامح ويأخذ جذوره من الحقبة الأندلسية وتعبير فضفاض معناه أنه غير دقيق الملامح فكيف ممكن الحكم على شخص بالسجن بقانون غير دقيق المنهج، وهنا يقع الظلم فليس بسجن المختلفين يحيا الدين، فلا أحد يستطيع أن يزدري الدين في مقالة أو حوار أو رأي مضاد أو رسمة.

نعم هناك من يستهزئون بالدين وبشعائره إن كان الدين المسيحي أوالإسلامي ونحن لا نقبل التلاعب بالعقائد والشعائر الدينية، فالمصريون شعب مؤمن ويجب عدم جرجرة المجتمع للسفاهة باسم الإبداع وحرية الفكر، فيقول القديس اغسطينوس «حريتي تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين» والآخرون هم المصريون حيث للدين مكانة كبيرة واحترام عظيم، كذلك من غير اللائق أن تدخل المؤسسات الدينية في معارك قضائية مع من في رأيها يزدرون الدين، لأن المؤسسة الدينية هي علامة لسماحة الدين وقدرته على العفو عم من يختلف معها.

الكنيسة عرفت في بعض العصور المظلمة محاكم التفتيش لمن يعارضها، ولكن اليوم خاصة في الغرب هناك من يتطاول على الذات الإلهية والرموز الدينية سبا وقذفا ورسما ونشرا ولكن كل هذا التطاول يذهب كالدخان، لأن الإيمان هو الأبقى والأرسخ.

لذا أقترح أن يستبدل حكم «الحبس» بغرامة مالية أو عمل اجتماعي، ويا حبذا أن يرافق هذه العقوبة التعرف على صحيح الدين من أحد المتخصصين في لقاء أبوي وأخوي حتى يكون تصحيح الفكر بفكر مستنير مقنع لعل «المتهم» يغير فكره أو يظل على رأيه بكل احترام وحرية في ظل دولة مدنية ومتحضرة.

المقال منشور في صحيفة الشروق يوم السبت الموافق 16 أبريل 2016