يستعد جموع المصريين كعادتهم كل عام لاستقبال موسم شم النسيم، بمأكولات الأسماك، لكن تختلف طريقة صنع الأسماك وطهيها، فمنهم من يفضلها مملحة (الفسيخ والملوحة) ومنهم من يفضل أن يأكلها مدخنة (الرنجة).

ومنذ القدم يرتبط المواطن المصري بتناول أسماك الفسيخ والرنجة في عيد شم النسيم.

وجاءت عادة أكل الفسيخ من تقديس الفراعنة للنيل، وتقديرهم لفضله عليهم، وفي اعتقادهم، يعبر السمك عن الحياة النابعة من مياه النيل الذي يسيل من الجنة كما كانوا يزعمون.

إحصائيات

أكد أحمد جعفر رئيس شعبة الأسماك بالغرف التجارية أن مصر تستورد 400 ألف طن من الأسماك بينها 120 ألف طن أسماك (الهارنج) الهولندية التي تستخدم في صناعة الرنجة.

وأشار جعفر إلى أن مصر بها 20 مصنعا مرخصا للرنجة، ولا يوجد حصر دقيق لدى أي جهة حكومية لمصانع الفسيخ والملوحة لكون معظمها يصنع بمخازن المحلات التي تقوم بالبيع.

ويعد ما تستورده مصر من أسماك الرنجة ويستهلكه المصريون ضعف ما تنتجه بحيرة المنزلة من الأسماك، حيث أكدت الإحصائيات الرسمية للهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية أن بحيرة المنزلة وهي أكبر بحيرة طبيعية يصل إنتاجها من الأسماك إلى 62 ألف و272 طنا سنويا.

وبحسب إحصائيات الهيئة أيضا فإن إنتاج مصر من الأسماك يصل إلى مليون و371 ألف و975 طنا سنويا.

وأضاف جعفر أن سعر الطن من أسماك (الهارنج) المستورد يصل إلى 20 ألف جنيه خاصة بعد ارتفاع سعر الدولار.

التصنيع

ويشرح محمد الزناتي صاحب محل لتجارة الفسيخ والرنجة بمنطقة المطرية القاهرة طريقة صناعة الفسيخ "يتم بتجهيز أسماك البوري متوسطة الحجم ثم وضع الملح عليها ووضعها في براميل بشكل طبقات مكونة من طبقة أسماك وفوقها طبقة من الملح وهكذا حتى نملئ نصف البرميل ويفضل أن يكون أسطواني الشكل ومصنوع من الخشب".

ويضيف أنه بعد الانتهاء من رص الأسماك والملح كطبقات فوق بعضها البعض "يوضع حجر كبير من الرخام أو الجرانيت في نهاية رصات الأسماك حتى نضمن خروج جميع المياه من جسد السمكة أثناء فترة التمليح، وبعد وضع الحجر نترك الخلطة الملح والأسماك لمدة 4 أو 6 أشهر".

ويقول الزناتي إن صناعة أسماك الرنجة "تعتمد فقط على التمليح والتدخين وهى الأسهل، ولكن نقوم بشرائها من مندوبي الشركات وبيعها للمستهلك".

ويؤكد الزناتي أن أسعار الفسيخ والملوحة تتراوح ما بين 40 إلى 180 جنيها حسب نوع الأسماك وشهرة التاجر، أما الرنجة فيتراوح سعر الكيلو ما بين 25 إلى 40 جنيها.

صناعات فردية

يقول طارق فهمي عضو الغرفة التجارية بالقاهرة لمنتجات الأسماك إن صناعة الفسيخ في مصر لا تتبع أي جهة رسمية، ويقوم بالصناعة أفراد أثناء المواسم والأعياد كنوع من التجارة والربح.

ويضيف فهمي أن صناعة الفسيخ العشوائية هي ما تجعل كميات كبيرة منها فاسدة وتباع في السوق وتصل إلى بطون المواطنين وتصيبهم بحالات تسمم.

ويوضح فهمي أن إدارات الصحة الخاصة بالتفتيش على الأغذية بالتعاون مع مفتشي التموين عليها دور كبير في المرور خلال المواسم على محلات بيع الفسيخ للتأكد من سلامته قبل بيعه للمستهلك النهائي.

التموين

العربي أبو طالب مفتش تموين ورئيس الاتحاد العام لمفتشي تموين مصر يقول إن هناك دوريات مرور مكثفة منذ أسبوع وبالتعاون مع إدارات الصحة المختلفة تقوم بالتفتيش على مخازن محلات بيع الفسيخ -لأنه لا توجد مصانع رسمية له- لضمان سلامة السلعة المباعة.

ويضيف أبو طالب أن التفتيش الميداني فيما يخص منتج أسماك الرنجة يكون على مخازن المحلات والمصانع الرسمية المرخص لها بالعمل.

ويوضح أبو طالب أن التموين جهة تفتيش ولكنها منوطة بتحرير المحاضر فقط والتحفظ على الأحراز لحين صدور أوامر النيابة وبعد ذلك ينتهي دورها.

الطبيب والعلاج

يحذر الدكتور محمود عمرو مستشار المركز القومي للسموم بالقصر العيني من تناول المواطنين للفسيخ بجميع أنواعه لأن طريقة تصنيعه تعتمد على نمو البكتريا به فغالبية أنواع الفسيخ والملوحة تكون حاملة لأنواع عديدة من البكتريا السامة.

ويضيف عمرو أن البكتريا السامة إذا أصابت الإنسان جراء تناوله الفسيخ والملوحة تسبب له فشلا بالقلب والجهاز التنفسي وتسبب الوفاة بعد مرور 6 ساعات على الحالة إن لم يتم تقديم المساعدات الطبية له سريعا.

ويقول عمرو إنه يجب على من يتناول الفسيخ والملوحة وشعر بأعراض (القيء- الغثيان- انخفاض رؤية العينين) أن يتوجه إلى أقرب وحدة صحية على الفور وعلى من كان يتناول معه الوجبة حتى وإن لم يشعر بالأعراض التوجه معه لعمل الفحوصات الطبية اللازمة.

وأكد عمرو أن أسماك الرنجة التي يتم تصنيعها بطريقة التدخين ليست ضارة في حال تم تصنيعها وتسويتها بالتدخين جيدا، أما إذا اكتفت المصانع بتدخينها لمجرد إكسابها اللون الذهبي فقط دون التركيز على التسوية الجيدة التي تكون فيها حالة السمكة نصف مطهية، فتكون مضرة بالصحة لمن يتناولها لأنها تكون حاملة للبكتريا أيضا.

غير صالح للاستهلاك

وأعلن رئيس قطاع الشؤون الوقائية والمتوطنة الدكتور عمرو قنديل في بيان لوزارة الصحة الخميس 21 أبريل عن إعدام طنين و161 كيلو جرام رنجة وفسيخ غير صالحة للاستهلاك الآدمي، خلال الحملة المكثفة التي نفذها القطاع الوقائي عبر إدارات مراقبة الأغذية على مصانع ومحلات الأسماك المملحة والمدخنة بمناسبة قدوم عيد شم النسيم.

وأضاف قنديل في بيان الصحة أن الحملة فتشت على 727 مصنعا ومحلاً، وسحبت 881 عينة لفحصها بمعامل وزارة الصحة، وحررت 753 محضرًا.

يظل المصريون رغم كل ما يشاهدونه ويسمعونه عن ضبطيات الأسماك الفاسدة من الرنجة والفسيخ حريصين على إحياء شم النسيم بتناول كميات كبيرة من الفسيخ والرنجة.