أحدث الأخبار
بضع خطوات.. تلك المسافة التي تفصل بين إدارة المطافي المصرية ومنطقة الرويعي التي شهدت أضخم حريق في قلب القاهرة منذ سنوات، لكن هذه الخطوات القليلة لم تمنع النيران من فرض سطوتها على المنطقة الأكثر ازدحاما في قلب العاصمة.
هدوء حذر.. زخات من الأنقاض تتساقط من السماء، تتطاير قطع من الأقمشة، لتتمايل أمام أرفف من الملابس التهمتها النيران دون مقاومة، أمام أعين باعة سلبت النيران بضاعتهم "دون فصال"، لتضيع أحلام بائعي شارع الرويعي في الحصول على لقمة العيش.
* هو إيه إللي حصل؟
سؤال حتمي على لسان كل زائري شارع الرويعي، لكن الإجابات بدت متشابهة يرويها الباعة والمارة وأصحاب المحلات والمخازن.
أصوات مصرية تجولت في شارعي الرويعي والجيش وتحدثت إلى المتواجدين في المنطقة.
* بداية لغز الحريق
على ناصية شارع الرويعي يستقر مبنى "صيدناوي" لا يبدو في هيئة جيدة بعد أن اتشح أحد جدرانه بالسواد، وأمامه أعمدة إنارة بالية أكلها الحريق، فيما يجلس أمامه باعة للأحذية.
يقول أحد الباعة "الحريق ده مش اللي حصل امبارح ده حريق حصل يوم شم النسيم الاتنين اللي فات، وكان يوم إجازة، جينا لقينا كل الفرش اللي هنا مولع، ومنعرفش إيه حصل".
وأضاف "خسرنا كل البضاعة بتاعتنا بس الحمد لله الخسارة مكانيتش كبيرة، لكن اللي حصل امبارح ده حاجة تانية خالص..".
* لم يكن مسا كهربائيا
كانت تلك الجملة الأكثر تداولا بين المتواجدين في الشارع، ربما اختلفت الروايات لكن الاتفاق وقف عند تلك الجملة.. "مش ماس كهربائي".
ويستقر فندق الأندلس على إحد النواصي، وعلى جانبه الآخر على بعد أمتار عمارة التهمتها النيران، وأمامه عمارة أخرى قريبة منه لم تطلها النيران.
صياح آت من بعيد لرجل في أرزل عمره، يتحدث إلى 3 أشخاص، وبجواره حواجز أمنية وضعت أمام فندق الأندلس، ويقف 5 عساكر من الأمن المركزي.
"أنا من سنة 1948 وأنا هنا، إزاي ماس كهربائي هيولع في العماير دي، وهي أصلا مش جمب بعض، وكل شوية عمارة تولع من فوق لتحت، الحادثة دي مدبرة، هو ربنا مدينا المخ ده ليه؟"، منهيا حديثه وينصرف في عصبية.
ومن أمام أحد المحلات، قال شاب من العاملين بالمنطقة إن حريقا آخر وقع في نفس الساعة الأسبوع الماضي، وتحديدا يوم الاثنين، ويؤكد أن رواية المس الكهربائي لا تُصدق.
"إزاي ممكن حريقة تقوم إمبارح والأسبوع اللي فات في نفس الوقت وتكون ماس كهربائي"، وأضاف، وهو يشير إلى عمارة فندق الأندلس، "العمارة دي ولعت الأول، وبعدها العمارة اللي في وسط الشارع، وفي نفس الوقت كل المحلات اللي في الشارع كانت مولعة".
هذه الرواية كانت الأكثر تداولا بين الباعة وسكان المنطقة وأصحاب المحلات، لكنهم اختلفوا حول مكان الشرارة الأولى أحدهم يقول فندق "الأندلس"، وآخر يقول محل "بيبو" للأحذية، وبعضهم يؤكد أن النار أتت من اشتعال فرش أحد الأشخاص.
* خسائر بالملايين
"حاسب يا رجب.. الطوب عمال يقع فوقك".. يجلس رجب وحيدا لا يبالي ببقايا أنقاض تسقط فوق رأسه.. فقط اختار لنفسه مكانا وألقى بجسده، لكن عينيه لا تبتعد عن تلك العمارة المشتعلة.
"خسرت كل حاجة.. بضاعتي إللي على الفرشة والمخزن، كلهم بقوا بودرة، بقالي يومين قاعد مكاني متحركتيش ولا روحت"، قالها الشاب العشريني رجب.
ويضيف رجب "الحريقة ولعت في الفرشة كلها، قولت الحمد لله إنها جات على أد كدة، وجريت على المخزن بتاعي لقيت النار مقابلاني في وشي، خسرت لحد دلوقتي 70 ألف جنيه".
خسائر رجب ربما كانت أقل ثقلا من ممدوح، البائع الذي يمتلك 5 أماكن للبيع داخل السوق، تكلفة ما يوجد على الفرشة الواحدة -بحسب رواية ممدوح- تبلغ نحو 25 ألفا، غير ما يحمله في مخزنه.
اتفق عمرو -صاحب فرشة ومخزن أيضا- مع رجب مؤكدا أن النيران التهمت كل شئ.
ويقول "لم تكن نار عادية، هنا حصلت حرايق قبل كدة، لكن دي أول مرة أشوفها، نار مبتنطفيش، بس هي ماكنيتش بسبب الكهرباء لأن كل المحلات كانت إجازة ومكانش فيه تحميل ع الكهرباء أصلا".
وخسر عمرو -وفق روايته- بضاعته، التي وصلت لنحو 15 ألف جنيه.
وتعجب عمرو من عدم انتقال الحريق لمحلات بها مواد أكثر اشتعالا وأقرب لفندق الأندلس، قائلا "لو سلمنا أن الحريق لم يكن مدبرا، لماذا لم تنتقل النيران إلى محل البويات أمام فندق الأندلس، حيث توجد بالمحل العديد من المواد المشتعلة".
* الحريق في شارع الجيش
يؤكد صاحب أحد مصانع الملابس هناك وجود تدبير للحادث، مشيرا إلى وقوع حريق آخر في عمارة تابعة لشارع الجيش، على الرغم من تركز الحريق في شارع الرويعي.
وأضاف "لو هو الحريق عادي هيقوم في منطقة ع الأقل، لكن حريق في نفس الوقت بنفس الطريقة في عمارة في شارع الجيش يبقى إزاي دي حادثة عادية؟".
على الرغم من انتهاء الحريق، الذي استغرق إخماده أكثر من عشر ساعات، إلا أن نظرات الذهول في وجوه قاطني شارع الرويعي لم تنطفيء بعد.