أحدث الأخبار
آلاف الدعاوى القضائية تنظرها دوائر التعويضات بالمحاكم المدنية ضد وزير الداخلية للمطالبة بالتعويض المادي في وقائع تعذيب واعتقال وإصابة بأمراض مزمنة وعاهات مستديمة أثناء الاحتجاز، ما يضاعف من تكلفة التعذيب داخل أماكن الاحتجاز في مصر.
تواجه وزارة الداخلية عبء توفير مخصصات مالية بعشرات الملايين لدفع تعويضات قضت بها محاكم مدنية للتعويض عن حوادث الوفاة جراء التعذيب، وفترات الاعتقال والاحتجاز بالمخالفة للقانون، والإصابة بأمراض مزمنة وعاهات مستديمة خلال فترات الاحتجاز، وغيرها من انتهاكات بعض أفراد الشرطة ضد مواطنين.
ويقول مسؤول أمني بوزارة الداخلية، في تصريح لأصوات مصرية، إن وزارته نفذت المئات من أحكام قضايا تعويضات التعذيب، مؤكدا أن عدد القضايا وقيمة التعويضات المدفوعة للمواطنين "يصعب حصرها".
وأضيفت جريمة التعذيب كجريمة ضد الإنسانية في اتفاقية روما الخاصة بإنشاء المحكمة الجنائية الدولية الصادرة في عام 1998 والتي دخلت حيز التنفيذ في عام 2002.
وصدقت مصر على العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، واتفاقية مناهضة التعذيب، والميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، وكلها مواثيق جرمت التعذيب بشكل كامل وتحت أي ظرف.
وتتسع دائرة انتشار تجاوزات الشرطة ضد المواطنين خلال السنوات الماضية، بحسب تقارير منظمات حقوقية، رغم تأكيدات الرئيس عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء ووزير الداخلية بعدم التستر على تجاوزات بعض ضباط الشرطة.
الدائرة العاشرة
رغم أن كل المحاكم المدنية في المحافظات يمكن أن تنظر قضايا التعويضات ضد وزير الداخلية، لكن الدائرة العاشرة تعويضات بمحكمة جنوب القاهرة تظل هي الدائرة الأبرز في نظر تلك الدعاوى القضائية نظرا لوقوعها في الحيز الجغرافي السابق لوزارة الداخلية قبل نقل مقرها إلى القاهرة الجديدة.
ونظرت تلك الدائرة العاشرة وحدها حوالي 70 دعوى قضائية بالتعويض ضد وزير الداخلية منذ مارس الماضي، معظمها مُقام من ورثة متوفيين يطالبون بدفع تعويضات مناسبة لضحايا التعذيب والاحتجاز والإصابة بأمراض مزمنة وعاهات مستديمة أثناء فترة الاعتقال.
واطلعت "أصوات مصرية" على قائمة الدعاوى القضائية التي نظرتها دائرة تعويضات جنوب القاهرة منذ مارس وحتى الآن، والتي يرجع بعضها إلى عام 2013 مرورا بأعوام 2014 و2015 و2016، كما تحجز المحكمة حوالي 10 دعاوى بتعويضات ضد وزير الداخلية للنطق بالحكم في جلسة 30 مايو الجاري.
ويقول محمد زارع، المحامى بالنقض ورئيس المنظمة العربية للإصلاح الجنائي، إن المحاكم المصرية تنظر "آلاف الدعاوى القضائية ضد وزير الداخلية للمطالبة بالتعويض المادي عن انتهاكات جهاز الشرطة ضد المواطنين".
وأضاف زارع، في اتصال هاتفي مع "أصوات مصرية" من جنيف، أن المنظمة العربية للإصلاح الجنائي وحدها لديها 238 قضية بأحكام نهائية تقضي بصرف تعويضات تقدر بنحو 7 ملايين جنيه، وأنها "في انتظار توفير مخصصات مالية لوزارة الداخلية لدفع التعويضات المستحقة لأصحابها".
ويؤكد زارع أن وزارة الداخلية صرفت نحو 15 مليون جنيه لضحايا تعذيب حصلوا على أحكام نهائية رفعها محامون بالمنظمة العربية للإصلاح الجنائي خلال أعوام 2012 و2013 و2014 و2015.
وكانت المنظمة العربية للإصلاح الجنائي حصلت على أكبر قيمة تعويض عن التعذيب في تاريخ مصر عام 2012، عندما قضت محكمة الاستئناف بإلزام وزير الداخلية بدفع مليون جنيه تعويض للممثلة حبيبة بعد اتهامها بقتل زوجها القطري وتعذيبها للادلاء باعترافات أدت إلى ادانتها وقضائها 5 سنوات خلف قضبان السجن.
وقُتل زوج الممثلة حبيبة في عام 1998 واتهمتها الشرطة بقتله، وبعد خمس سنوات على الجريمة أراد أحد الجناة الحقيقيين بيع ساعة ذهبية كانت خاصة بزوجها، ما أدى إلى إعادة فتح القضية وتبرأتها من جريمة القتل. وصرفت حبيبة قيمة التعويض بالفعل.
قوائم الانتظار
ويوضح زارع أن مدة التقاضي في الدعاوى القضائية بالتعويض عن جريمة التعذيب تتجاوز 4 سنوات حتى يتم النطق فيها بأحكام نهائية وباتة.
ويضيف أن صدور الأحكام القضائية لا يعني صرف التعويضات، مؤكدا أن معظم الأحكام تدرج على قوائم الانتظار داخل وزارة الداخلية حتى يتم صرف قيمة التعويضات إذا ما توافرت المخصصات المالية لذلك.
ويقول زارع "مسألة صرف تعويضات التعذيب قد تحتاج إلى تواصل مكثف مع إدارة الشؤون المالية بوزارة الداخلية".
وعن المقارنة بين قضايا تعويض عن جرائم التعذيب قبل وبعد ثورة يناير يؤكد زارع أن الفرق الوحيد يكمن في القيمة المالية للتعويضات، حيث كانت تترواح بين 200 و700 جنيه قبل عام 2011، لكنها زادت لتصل إلى 30 و50 و70 و100 ألف جنيه.
وقال مسؤول أمني بوزارة الداخلية إن وزارته تلتزم بجميع الأحكام التى تصدر ضدها في قضايا تعويضات التعذيب والأضرار التي لحقت بالمواطنين، رافضا إعلان قيمة التعويضات التي دفعتها الوزارة بعد ثورة يناير وحتى الآن.
وكانت محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية، قضت في يناير الماضي، بأن يكون التعويض ضد ضباط الشرطة في جرائم التعذيب مدفوعا من مالهم الخاص وليس أموال وزارة الداخلية، وكذلك إلزام وزير الداخلية بإحالة من يثبت في حقه ارتكاب هذه الجريمة إلى مجلس تأديب. وقرارات محكمة القضاء الإداري ملزمة وواجبة النفاذ.
وتواجه حالة حقوق الإنسان في مصر انتقادات من منظمات حقوقية محلية ودولية، خاصة مع تصاعد موجة عنف ومواجهات بين قوات الأمن وأنصار جماعة الإخوان المسلمين، عقب عزل الرئيس الإسلامي الأسبق محمد مرسي في يوليو 2013.