أحدث الأخبار
إعداد: دينا عفيفي
في الشهر الماضي عقد جون برينان مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (سي.آي.إيه) اجتماعا سريا مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ومع نظيره رئيس المخابرات العامة المصرية اللواء خالد فوزي، حيث وعد برينان، خلال الاجتماع، بزيادة دعم سي.آي.إيه لمصر لتعزيز موقفها في المعركة التي تخوضها مع داعش في سيناء.
وتقول صحيفة جيروزاليم بوست إن زيارة برينان كانت بمثابة مؤشر آخر على أن الإدارة الأمريكية تبذل جهودا لتحسين العلاقات مع القاهرة بعد عدة سنوات اتسمت فيها العلاقات بالفتور والتي كانت نتاجا لمعارضة الرئيس الأمريكي بارك أوباما لإطاحة السيسي بالرئيس الأسبق محمد مرسي قبل عامين.
ونقل تقريرالصحيفة عن موقع "انتلجنس أونلاين" ومقره باريس قوله إن الجيش المصري يعتمد أساسا حتى الآن على دعم من إسرائيل وفرنسا إذ تزود فرنسا مصر بالصور التي تلتقطها الأقمار الصناعية في حين تقوم إسرائيل بعمليات التقاط إشارات الاتصالات اللاسلكية.
وأهم وحدة للإشارات في المخابرات العسكرية الإسرائيلية هي الوحدة 8200، كما أن لدى جهاز الأمن الداخلي (شين بيت) وجهاز الموساد وحدات متخصصة في التنصت وفك شفرة المعلومات، ولدى جهاز الأمن الداخلي كذلك وحدة تشارك منذ سنوات في منع الإرهاب الذي يتخذ من سيناء مقرا.
وقال التقرير إنه ليس سرا أنه منذ تولي السيسي السلطة أصبح هناك تنسيق على مستوى رفيع بشكل غير معتاد فيما يتعلق بالقضايا الأمنية. وفي إطار السعي المشترك بين البلدين لمحاربة حماس وداعش أتاحت إسرائيل لمصر جلب قوات إلى سيناء أكثر من العدد المسموح به في معاهدة السلام بين البلدين.
وترغب مصر وإسرائيل بشدة في هذا التعاون نتيجة الخوف المشترك بينهما من زيادة قوة إيران وسعيها لزعزعة استقرار الأنظمة السنية في الشرق الأوسط سواء بشكل مباشر عبر أجهزة المخابرات أو بشكل غير مباشر عبر حزب الله. وفي الماضي تمكنت أجهزة الأمن المصرية من ضبط عدد من الشبكات "الإرهابية" التابعة لإيران وحزب الله.
لكن الصحيفة اعتبرت أن هذه العلاقة الوثيقة ليست ميزة فحسب لكنها عائق في الوقت ذاته لأنها تجعل من الصعب على إسرائيل أن تحرز تقدما في مساعيها للوصول إلى تسوية مع غزة ولتحسين علاقاتها مع تركيا.
وأضافت أن من مصلحة إسرائيل التخفيف من الأوضاع الصعبة التي يعاني منها سكان قطاع غزة ووضع حد للحصار (أو إحساسهم بالحصار) حيث أن سكان غزة يتلقون حاليا أغلب الإمدادات من إسرائيل، حيث تمر نحو 800 شاحنة عبر المعابر الحدودية يوميا (لم يتسن لأصوات مصرية التأكد من دقة الرقم)، لكن الحدود مغلقة أمام حركة الناس إلا للأسباب الإنسانية مثل العلاج أو لأسباب دينية مثل حركة المسيحيين في عيد الميلاد وتوجه المسلمين للحج أو لالتحاق الطلبة بالجامعات.
ومعبر رفح بين غزة ومصر مغلق طوال العام تقريبا. وخلال عام 2015 بأكمله جرى فتح معبر رفح أمام الناس لمدة لا تزيد على 30 يوما منفصلة.
وقالت الصحيفة إن هذا يعني أن المسؤولين عن تقييد حركة سكان غزة ومن يفرضون الحصار الخانق على غزة هم في واقع الأمر المصريون وليس الإسرائيليين.
لكن هذه الحقيقة لم تجعل الأوضاع أسهل للسلطات الإسرائيلية، حيث إن إسرائيل قلقة من أن هذا الشعور بالاختناق لدى سكان غزة قد يصبح هائلا لدرجة تدفع حماس إلى إطلاق الصواريخ أو القيام بعمليات ضد إسرائيل مثل القيام بهجوم باستخدام أحد الأنفاق التي يحفرونها تحت الأراضي الإسرائيلية.
وترى قيادة الجيش الإسرائيلي أن حماس لا تريد أن تخوض حربا في مواجهة إسرائيل وأنها تخشى قوة إسرائيل وهو ما يمثل عنصر ردع، لكن هذا لا يمنع حماس من إعادة بناء قدراتها العسكرية وحفر الأنفاق التي اقترب بعض منها جدا من الحدود الإسرائيلية وربما تكون قد اخترقتها. وتقيم حماس نقاطا حدودية بامتداد الحدود وتصنع صواريخ ذات مدى أطول وبدقة أعلى.
وأكثر ما يخشاه قادة الجيش الإسرائيلي هو أنه رغم هذا الردع ورغم رغبة قيادات حماس في تجنب صراع آخر مع إسرائيل إلا أن أي حادث صغير من الممكن أن يشعل المنطقة بأكملها وبعد ذلك يمكن أن يتصاعد الوضع ليصل إلى حرب كاملة عام 2016.
وفي ظل هذه الظروف اقترحت القيادات الأمنية في إسرائيل عددا من الأفكار عن كيفية تحسين الوضع المعيشي للفلسطينيين في غزة للسماح لهم بحرية أكبر في الحركة في الضفة الغربية ولتقديم كميات أكبر من مواد البناء بحيث يمكنهم إصلاح منازلهم والبنية الأساسية في القطاع والتي دمرتها الحرب وتركيا مستعدة لتمويل عملية إعادة البناء.
ومن الخيارات التي تم طرحها إتاحة تفريغ البضائع في ميناء بقبرص حيث ستجرى عمليات تفتيش تحت إشراف القوات الإسرائيلية والقوات الدولية.
وبعد هذا يمكن السماح للبضائع بالوصول إلى غزة، ومن الاقتراحات الأخرى بناء ميناء عائم قرب الساحل يمكن توصيله بغزة عبر جسر.
ويمثل طلب تركيا السماح لحكومتها بموطيء قدم لها في غزة شرطا من الشروط الأساسية مقابل التقارب مع إسرائيل. ويأتي هذا الشرط ضمن طلبات أخرى تمت الموافقة عليها لتحسين العلاقات الإسرائيلية مع تركيا التي توترت منذ حادثة أسطول مافي مرمرة التي وقعت قبل خمس سنوات ونصف السنة.
ومن بين الشروط المسبقة التي وضعتها تركيا للتقارب بين البلدين اعتذار إسرائيل (وهو ما قدمه رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو في مكالمة هاتفية مع الرئيس التركي طيب أردوغان) وموافقة إسرائيل على دفع 25 مليون دولار تعويضا لأسر الأتراك التسعة الذين قتلوا في مافي مرمرة.
وفي الوقت ذاته أعلنت الحكومة التركية استعدادها لإصدار قانون عبر البرلمان يمنع الملاحقة القضائية للضباط الإسرائيليين على جرائم حرب، واغلاق مكاتب لحماس وطرد كبار قادتها من تركيا وزيادة الإشراف على تحركاتهم.
ووافقت إسرائيل على الأقل جزئيا على طلب تركيا بالسماح بفتح مكتب تمثيلي في غزة، لكن مصر أبدت اعتراضها على مثل هذه الخطوة وأصبح الآن وضع إسرائيل حرجا، حيث إنها تريد تحسين علاقاتها مع تركيا ومن ناحية أخرى فإن علاقاتها الاستراتيجية مع حكومة السيسي لها الأهمية القصوى.
وفي هذه المرحلة تعتقد إسرائيل أن علاقاتها مع المصريين أهم من التحسين المحتمل للعلاقات مع تركيا. ومما يزيد الوضع سوءا أنه وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه يعلون اتهم تركيا وهو يزور اليونان، التي أصبحت أحدث حلفاء إسرائيل، بدعم داعش، وبهذا الاتهام أصبح من الصعب أكثر على إسرائيل إصلاح العلاقات مع أنقرة.