أحدث الأخبار
أنهت البعثة المصرية المشاركة في أولمبياد ريو بالبرازيل منافساتها، كأكبر بعثة تمثل مصر في تاريخ الأولمبياد، بحصولها على 3 ميداليات برونزية، لكن حالة الجدل لم تنته حول تدني إنجازات البعثة الكبيرة مقارنة مع دول كبرى وصغرى أيضا، وعلاقة ذلك بحجم الإنفاق الذي يوجه لإعداد الأبطال الرياضيين في مصر مقارنة بغيرها.
تكلفة صناعة البطل الأوليمبي البريطاني أكثر 166 مرة من نظيره المصري
وحصلت مصر على ميداليتين برونزيتين في رفع الأثقال، وأخرى في التايكوندو، من مجمل البعثة التي شاركت في الأولمبياد، والتي ضمت 120 رياضيا، بخلاف الوفد الطبي والإداري والإعلامي، بما يطرح تساؤلات مهمة تساعد في الإعداد الجيد لأولمبياد طوكيو 2020.
كانت القفزة التي حققتها بريطانيا في أولمبياد ريو من التطورات الملفتة في الدورة، التي اختتمت مسابقاتها ليلة السبت الماضي، حيث احتلت المركز الثاني في عدد الميداليات الذهبية التي فازت بها، 27 ميدالية، لتأتي في المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة، وتتفوق على الصين التي حصدت 26 ذهبية، وهو إنجاز لم يتحقق حتى عندما استضافت لندن الدورة السابقة من الأوليمبياد.
كلمة السر في هذا التطور ارتفاع التمويل الذي وجهته بريطانيا لإعداد أبطالها الأوليمبيين بنسبة 11٪ منذ دورة الألعاب السابقة في لندن 2012، وقالت جريدة الجارديان إن كل ميدالية حققتها بريطانيا في ريو تكلفت 5.5 مليون جنيه استرليني (ما يوازي 7.2 مليون دولار)،"في المتوسط".
أما مجمل ما أنفقته بريطانيا على الاستعداد للألعاب الأولمبية والبارالمبية (الخاصة بذوي الاحتياجات الخاصة) فبلغ 350 مليون جنيه استرليني، ما يوازي 4.1 مليار جنيه مصري، في الفترة ما بين عامي 2013 و 2017، تم جمعها عن طريق اليانصيب الوطني، والضريبة المخصصة للرياضة، بحسب الجارديان.
الأندية لم تنفق على اللاعبين المصريين
بينما في مصر فإن ميزانية الاتحاد، المسؤول عن اللعبة التي أُحرزت فيها ميداليتين مصريتين في ريو، تدور حول المليون جنيه سنويا، كما يقول محمود محجوب، رئيس الاتحاد المصري لرفع الأثقال، لأصوات مصرية.
إلا أن "وزارة الشباب والرياضة وفرت 5 ملايين جنيه لإعداد فريق رفع الأثقال المتأهل لدورة ريو" (ما يعادل نحو 568 ألف دولار).
ويضم الفريق الذي تم إعداده 13 رباعا ورباعة، بمتوسط إنفاق 43 ألف دولار للاعب الواحد، بما يعني أن تكلفة صناعة البطل الأوليمبي البريطاني تبلغ 166 مثل تكلفة صناعة نظيره المصري.
ويشمل هذا المبلغ تكلفة بطولات التأهيل، وكافة الاستعدادات خلال العامين السابقين لدورة الألعاب الأوليمبية، لأن "الأندية لم تشارك في هذا التمويل، والاتحاد وحده هو الذي تكفل بكل الإعدادات الداخلية والخارجية"، وفقا لمحجوب، الذي أشار إلى أن ضعف المبلغ المرصود لإعداد الأبطال لم يمنع الاتحاد من تحقيق ميداليتين.
في ظل هذه المخصصات التي تحملتها بالكامل وزارة الشباب والرياضة، تمكن اثنان من الرباعين من إحراز ميداليات برونزية، هما محمد إيهاب الذي يلعب في مصر في نادي طلائع الجيش، وسارة سمير التي تلعب في نادي المؤسسة العسكرية بالإسماعيلية.
تقول أمنية فخري، لاعبة الخماسي المعتزلة، والحاصلة على درجة الدكتوراة في الإدارة الرياضة وإعداد الأبطال الرياضيين، إن مليون دولار يعتبر الحد الأدنى لإعداد بطل أوليمبي، وهو أمر غير متوفر في مصر، مما يجعل الحصول على ميدالية متروك للصدفة.
الأقوى في الاقتصاد أقوى في الرياضة
لا تُعد الميدالية البريطانية هي الأغلى في تكلفة إعداد البطل الأوليمبي، فأستراليا أنفقت 9.5 مليون دولار في المتوسط لكل ميدالية حصلت عليها في أولمبياد ريو، والتي أحرزت فيها 8 ميداليات ذهبية، و11 فضية و10 برونزية.
ويرتبط فوز الدول بميداليات في الدورات الأولمبية بشكل كبير بقوة اقتصادها، فوفقا للنتائج النهائية لدورة ريو الأوليمبية، فإن الدول العشر الأوائل فى ترتيب الميداليات كانت ضمن أكبر 13 اقتصاد من حيث الناتج المحلي الإجمالي، ويسري نفس الأمر على تاريخ الدول المسيطرة على عرش الألعاب الأوليمبية، حيث تظهر سيطرة الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة وألمانيا والاتحاد السوفيتي السابق وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا والصين على معظم التاريخ الأوليمبي.
وسيطرت القوى الكبرى على الأولمبياد منذ بدايتها في 1896 ليس فقط في المجموع التاريخي لميدالياتهم ولكن في كل دورة أوليمبية على حدة، حيث ترتفع مكانة الدول وتنخفض فى ترتيب الحصول على الميداليات وفقا لنمو اقتصادها وحجم ناتجها الإجمالي.
ويتضح أن قدرة الدول على حصد الميداليات ترتبط بنمو حصتها من الناتج العالمي، فقد تشاركت الولايات المتحدة مع فرنسا وبريطانيا صدارة الألعاب الأولمبية قبل الحرب العالمية الثانية، باستثناء دورة 1936 التي سيطرت عليها ألمانيا بقيادة هتلر، وهو ما جاء متفقا مع النمو الاقتصادي والتصنيعي الكبير الذى شهدته ألمانيا بقيادة النازي.
وعكست الفترة ما بين الحرب العالمية الثانية وانهيار الاتحاد السوفيتي، 1948- 1990، الحرب الباردة بين القوتين العظمتين، حيث تصدر الاتحاد السوفيتى الترتيب فى 6 دورات مقابل 5 دورات للولايات المتحدة.
وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي سيطرت الولايات المتحدة على قمة الترتيب، فبعد دورة 1992 التي تصدرها لاعبو البعثة الموحدة لدول الاتحاد السوفيتي، اعتلت الولايات المتحدة قمة الترتيب في ثلاث دورات متتالية، الوقت الذي احتفظت فيه بصدارتها كأكبر اقتصاد في العالم بفارق كبير عن الدول التالية لها.
ثم تمكنت الصين من تحويل نموها الاقتصادي الكبير الذي تراوح بين 10 إلى 14% في ما بين عامي 2003 و2007، فترة الاستعداد لأولمبياد بكين، إلى مجال الرياضة.
واحتلت الصين قمة الترتيب في دورة بكين 2008 بفارق كبير عن تاليتها في الترتيب، حيث حصدت الصين 51 ميدالية ذهبية مقابل 36 للولايات المتحدة.
ثم عادت الولايات المتحدة لصدارة الأولمبياد في الدورتين الأخيرتين، بينما تراجعت الصين إلى المركز الثاني ثم الثالث، خلال السنوات التي تراجع فيها نموها الاقتصادي عن مستوياته القياسية السابقة بتأثير الأزمة المالية العالمية.
أما الدول متوسطة أو منخفضة الدخل والناتج، فإنها لا تضحي بالتميز الرياضي، وإنما تتجه للتخصص في رياضات بعينها من أجل الحصول على عدد محدد من الميداليات، بدلا من المشاركة بأعداد كبيرة دون نتائج، ويظهر هذا واضحا في دول شرق أفريقيا، المتخصصة في ألعاب القوى، فقد شارك في دورة ريو من كينيا 80 لاعبا وحصدت 13 ميدالية (نحو 16%)، ومن أثيوبيا 38 مشاركا حصلوا على 8 ميداليات (21%).
أما النسبة التي حققتها مصر فتبلغ 2.5% فائز بميدالية من إجمالي البعثة المشاركة، وهي نسبة مقاربة لما حققته في معظم مشاركاتها السابقة في الأولمبياد، والتي يمكن أن تتغير بالتركيز على عدد محدد من الألعاب التي يملك لاعبوها فيها ميزة نسبية، مثل رفع الأثقال والتايكوندو التي حازوا فيها الميداليات في أكثر من دورة.